من المسؤول عن الحالة التي وصل إليها سنة العراق؟
    

منذ سقوط صنم بغداد عام 2003 وحتى اليوم لم تذق المناطق السنية في العراق طعم الهدوء والاستقرار، رغم كل الامتيازات التي حصل عليها اهل السنة في العراق، في اطار الدستور والعملية السياسية، فقد تقلدوا مناصب سيادية في النظام العراقي الجديد، وهو نظام شارك السنة انفسهم في بنائه.

العراق الجديد وخلافا لما يروجه الاعلام العربي وخاصة الخليجي، لم يتعامل بروح الانتقام مع الالاف المؤلفة من البعثيين من الذين كانوا جزء من النظام الصدامي الذي حكم العراق بالحديد والنار، حيث لم يتم التعرض لهم بسوء الا ما ندر وعلى اساس القانون، بل ان العديد منهم انخرطوا في العملية السياسية وتقلدوا مناصب رفيعة، ولا نريد ذكر الاسماء فهي كثيرة جدا، حتى ان قطاعات واسعة من ابناء الشعب العراقي من الذين فقدوا اعزاءهم في ظل الحكم الصدامي الدموي، في حالة استغراب وذهول من اعادة هؤلاء البعثيين الى الحكم مرة ثانية.

النظام السياسي العراقي الجديد ابقى على الابواب مشرعة امام جميع اطياف الشعب العراقي للانخراط في العملية السياسية دون ادنى تمييز، وكان يكفي ان تحترم المكونات الدينية والقومية والمذهبية هذا النظام السياسي والدستور والعملية السياسية، لينتقل العراق من بلد مدمر سحقته وطحنته الحروب والدكتاتوريات، الى بلد ديمقراطي تعددي يرفل بالاستقرار والتطور، لما يملكه من عناصر قوة مادية وبشرية وروحية هائلة، لكن للاسف الشديد تمكنت دول اقليمية من التغلغل الى داخل المكون السني العراقي من اجل خلق حالة من التشكيك بالعملية السياسة واعتبارها فخا لا يجب الوقوع فيه لانها تهمش السنة، وذلك عبر ضخ الاموال والاسلحة وشراء الذمم، والقصف الاعلامي الطائفي المركز والمتواصل.

هذا الاستغلال البشع للمكون السني في العراق من قبل دول اقليمية ونفوس مريضة وجشعة داخل هذا المكون، هو الذي سلب راحة الاستقرار والامان في المناطق السنية، وحرمها من كل فرص التطور والبناء، فتوالت على حكم المناطق السنية في العراق منذ عام 2003 مجاميع ارهابية بدءا من القاعدة ومرورا بالعصابات البعثية والتكفيرية وانتهاء بـ ”داعش”، ذاق اهل السنة في ظل حكمهم ابشع انواع الظلم والانتهاكات والاعتداءات ، بينما لا تزال ابواق الاعلام الخليجي، والاعلام العراقي الممول من قبل الدول الخليجية، يطبل ليل نهار: لفضائل حكم الدواعش ويفضلونه على حكم الشيعة، فيما لا يوجد في اي من زوايا الدستور العراقي اشارة على ان الشيعة هم الذين يحكمون السنة في العراق، فكل المحافظات تحكمها مجالس المحافظات والتي تضم ابناء المحافظات ذاتها، هذا لو اعتبرنا، كما تروج الالة الاعلامية الخليجية، الحكم الشيعي في العراق هو انتقاص لاهل السنة، وهو امر يتناقض جملة وتفصيلا مع العقل السليم والتجربة التاريخية.

ان الاوضاع الصعبة التي يعيشها ابناء المحافظات السنية بسبب استغلال قوى اقليمية تدعي الولاية على سنة العراق، بالاضافة الى وجود بعض الاشخاص الذين تحولوا بفضل التدخل الاقليمي في العراق رموزا لاهل السنة في العراق، بينما لا دور لهذه الرموز الا فتح ابواب المحافظات السنية لعصابات القاعدة والتكفيريين والدواعش، تحت مظلة “الثورة السنية” و“ساحات الاعتصام” و“محاربة التهميش”، وهذه الحقيقة اعترفت بها هذه الرموز ومن على الفضائيات، عندما اعتبروا “داعش” جزء من “الثورة السنية ضد الشيعة”، واحتلال “داعش” للموصل والانبار وصلاح الدين، هو فتح مثل الفتح الاسلامي، كما قالها المجرم عزت الدوري وباقي البعثيين المدعشنين.

قبل ايام قال رئيس جماعة علماء العراق الشيخ خالد الملا والالم یعتصره ان “اكثر من ثلثي المجتمع السني بين نازح ومهجر اما خارج البلاد او داخله، ويعانون من تعقيدات مجتمعية واقتصادية مختلفة”، نحن مع ما ذهب اليه الشيخ الفاضل خالد الملا جملة وتفصيلا، ولكن ترى لماذا لا يشكل مستقبل سنة العراق هاجسا مقلقا للرموز السنية التي تدعي قيادتها لهذا المكون، كما شكل هذا المستقبل هاجسا للشيخ الملا ، المعروف بمواقفه الوطنية المشرفة؟ لماذا اصبحت مهمة هذه الرموز التي تحمل راية الدفاع عن اهل السنة “المهمشين”، القاء اهل السنة في متاهات لا تنتهي كلما خرجوا من متاهة؟ اين هو التهميش الذي تنفخ بناره الابواق الخليجية والابواق العراقية المرتهنة للدولار الخليجي على مدار الساعة، الم ير العالم اجمع اخر جلسة من جلسات البرلمان العراقي الذي فجر فيها وزير الدفاع قنبلته حول الفساد؟ اليس وزير الدفاع الذي يحارب “داعش” وهو السيد العبيدي وهو من ابناء السنة؟ اليس السيد الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي ، الذي اتهمه العبيدي بالفساد، هو من ابناء السنة؟، اين هذا التهميش اذن لاهل السنة وكل هذه القيادات من ابنائه؟ اما آن الاوان لابناء العراق الشرفاء من ابناء السنة ان يتحرروا من الحرب النفسية التي تمارس ضدهم من قوى اقليمية بمساعدة اذنابها من ابناء مكونهم؟ لماذا يتم السماح لهذه القوى وهذه الاذناب بتمزيق الصف السني، اليست هذه مؤامرة ضد ابناء السنة بالدرجة الاولى؟ على هؤلاء الشرفاء ان ينظروا الى عاقبة التدخل الطائفي والدولار النفطي والسلاح القذر من قبل الدول الاقليمية التي تدعي الدفاع عن اهل السنة، في شؤون سوريا واليمن وليبيا، الا يجب ان تشكل الصورة الدموية العبثية في هذه الدول حافزا لابناء المكون السني العراقي لينضموا الى اخوتهم الشيعة وباقي مكونات الشعب العراقي ويكونوا يدا واحدة وسدا منيعا ام تدخل القوى الظلامية ضد وحدتهم ومستقبل بلدهم واجيالهم القادمة، ويندمجوا اندماجا صادقا وحقيقيا في العملية السياسية التی لا مثیل لها فی المنطقة العربية والاسلامية؟.

ليس من الحكمة بشيء ان ينفذ بعض ابناء السنة البسطاء والمغرر بهم مقولة خبيثة يروجها الاعلام الخليجي الطائفي واذنابه في العراق مفادها: ان “سنة العراق يرجحون الدواعش المجرمين على ابناء جلدتهم من الشيعة”، وانهم سيواصلون هذه السياسة حتى اسقاط النظام “الشيعي” في العراق، فمثل هذه المقولة لا صحة لها اساسا كما قلنا وكما يؤكد على ذلك الدستور، هذا اولا، ثانيا على عقلاء السنة كما قلنا ايضا، ان يقنعوا اخوانهم بحقيقة ان الشيعة يؤمنون بالشراكة في الوطن مع كل مكونات الشعب الاخرى، وان شيعة العراق كانوا تحت حكم اخوانهم السنة على مدى قرون طويلة، ولكنهم لم يفضلوا على اخوانهم السنة، المستعمرين والمجرمين والعصابات التكفيرية، ولم يبيعوا وطنهم لهؤلاء، فمثل هذا التوجه لا يفضي الا الى زيادة معاناة ابناء المكون السني ولا يحقق الا احلام من يريد بالعراق والعراقيين وفي مقدمتهم اهل السنة الخراب والدمار.

المصدر : شفقنا

محرر الموقع : 2016 - 08 - 06