قراءة في مواقف السید السيستاني؛ موقفه من الوحدة
    

من أقوى البراهين العقلية على إثبات وجود الخالق،هو وجود إله، ورب واحد للخلق، فان تعدد الإلوهية والربوبية فساد للنظام الكوني، والخلقي، والبشري برمّته.

فعلى سبيل الفرض لو كان هناك إلهين، أو ربّيين، أو خالقين، فأما ان يكونا قويين، وأما ان يكون أحدهما قوي والآخر ضعيف، واما ان يكونا ضعيفين.

فأن كانا قويين حصل بينهما تصادم وصراع، فواحد يريد ليل والآخر يريد نهار، وبالنتيجة سيكون الفساد حاصل لا محالة في الأنظمة الكونية والبشرية، وإذا كان أحدهما قوي والآخر ضعيف، فمن الطبيعي ستكون الغلبة للقوي، فتنتفي الحاجة لوجود الضعيف، وإذا كانا كلاهما ضعيفين، فلا يصح نسب العجز والضعف للخالق، ولا خير في وجودهما أصلاً، إذاً لابد من وجود إله وخالق واحد قوي ومقتدر، وهذا ما أشار إليه النبي يوسف عليه السلام في الآية التي أبتدأنا بها المقال.

من هنا كان الهدف من بعثة الأنبياء الدعوة الى التوحيد-عبادة الله-لأن مقتضى التوحيد، جمع الناس على عبادة إله واحد ليصل بهم الى الوحدة، ونظام وقانون واحد يقوم بإدارة وتنظيم شؤون البشرية، لكي لا يقع بينهم الشتات والفرقة والخلاف، وليتاعيشوا ويتناغموا مع بعضهم،فأن تعدد الأرباب يفسد ذلك كله.

الغرض من سرد هذه المقدمة، ان الوحدة بين المجتمع البشري أمان من الفرقة والتنازع بينهم، حتى قيل ان قيام واستمرار الحكومة، والنظام السياسي المقتدر، رهن بالوحدة والتلاحم، كما يعدّ التشتت والفرقة من أكبر الآفات التي تهدّد الحكومة، وتعرّض القدرة السياسية والاقتدار الوطني للخطر، وتمّهد الأرضية لتغلغل الأفكار المنحرفة وتآمر الأعداء.

من أوضح المصاديق في عامل لوحدة: الدين، والهوية الوطنية، والمصالح المشتركة، والعرق، والعدو المشترك.

لقد رأينا كيف توّحد العراقيون ضد داعش الأرهاب، ولعل من الحكمة تبتلاء العراقيين بهذا العدو اللعين، نظرا لتصاعد حدة التوتر والخلاف بين الفرقاء السياسيين آنذاك، ربما كان ينذر بحرب داخلية تدمر البلد، فكان داعش العدو رحمة لهم لتوحيد صفوفهم.

الوحدة لها دور مهم وأساسي في استقرار أي مجتمع من المجتمعات، وخاصة تلك التي تضم مكونات،وفئات، وطوائف متنوعة، وعلى رؤساء القوم التأكيد على هذا الجانب المهم، فأن لم يجمهم الدين- يجمعهم الوطن، أو المصلحة المشتركة، أو العرق، أو العدو، او الإنسانية، فالوحدة هي الملاك في توفير السعادة للمجتمع، فيجب على الأقل ان نتخذها واجباً أنسانياً ووطنياً، لنخرجها من حالتها الصورية الى حالتها الحقيقية.

رحم الله شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم الذي بقر السياسة، وغاص في بطونها، دائماً كان يؤكد على وحدة المسلمين بصورة عامة، والعراقيين بصورة خاصة من خلال محاضراته وخطاباته المتكررة، واستنباط أفكاره من  ديننا وعقيدتنا في التعامل والتعاطي مع كافة الناس.

هذه هي سيرة أئمتنا عليهم السلام، فسار عليها علمائنا الأبرار، ومنهم سماحة إمامنا المفدى السيد السيستاني-دام ظله الوارف-ففي مواقف وبيانات صادرة عنه في السنوات الماضية، يؤكد فيها على وحدة المسلمين والعراقيين، ومنها هذا البيان الصادر في 14 محرم 1428، المصادف 3/2/2007، والذي جاء مما فيه: “تمرّ الأمة الاسلامية بظروف عصيبة، وتواجه أزمات كبرى،وتحديات هائلة تمسّ حاضرها وتهدد مستقبلها، ويدرك الجميع -والحال هذه- مدى الحاجة الى رص الصفوف،ونبذ الفرقة والابتعاد عن النعرات الطائفية، والتجنب عن إثارة الخلافات المذهبي”.

فينبغي لكل حريص على رفعة الاسلام، ورقي المسلمين أن يبذل ما في وسعه في سبيل التقريب بينهم، والتقليل من حجم التوترات الناجمة عن بعض التجاذبات السياسية،لئلا تؤدي الى مزيد من التفرقة والتبعثر.

وما أوصى به أتباعه ومقلّديه في التعامل مع إخوانهم من أهل السنة من المحبة والاحترام، وما أكد عليه مراراً من حرمة دم كل مسلم سنياً أو شيعياً،وحرمة عرضه وماله، والتبرؤ من كل من يسفك دماً حراماً أيّاً كان صاحبه.

كل هذا يفصح بوضوح عن منهجية المرجعية الدينية، في التعاطي مع أتباع سائر المذاهب ونظرتها إليهم، ولو جرى الجميع وفق هذا المنهج مع من يخالفونهم في المذهب لما آلت الأمور الى ما نشهده اليوم من عنف أعمى يضرب كل مكان، وقتل فظيع لا يستثني حتى الطفل الرضيع، والشيخ الكبير، والمرأة الحامل وإلى الله المشتكى.

نقول:على الفرقاء السياسيين في العراق جميعاً أن يعوا هذه الحقيقة، ويدركوها جيداً، إن البلد لا يستقر، ولا تتحقق فيه العدالة والمساواة بين أبنائه، ولا ينالوا حقوقهم، إلاّ بالوحدة الحقيقية بين قادته ومكوناته.

عباس الكتبي

محرر الموقع : 2016 - 09 - 01