زهد السيد السيستاني ومقاربة في فهم مقومات الإعلام الملتزم
    

من المؤسف الا نتوقف ولو قليلا امام حديث ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي، مع كوادر إذاعة الروضة الحسينية المقدسة یوم الثلاثاء 6 ايلول / سبتمبر ، لما تضمنه من نقاط في غاية الاهمية بشأن العناصر والمقومات التي تجعل من الاعلام اكثر فعالية وتأثيرا.

الشيخ الكربلائي دعا الى ضرورة الالتزام بمعايير الإعلام الحسيني، وتوخي الدقة والتثبت من كل ما يطرح وتطابقه مع مبادئ أهل البيت عليهم السلام ، وان يكون صوت هذا الاعلام يمثل صوت الحق وخال من التزييف والتحريف والكذب وينبع من قلب نقي محب للخير، وان لا يكون دعاية لجهة سياسية.

الکربلائي اكد على الإعلاميين بالعتبة الحسينية المقدسة ، ان يكون هناك تطابق بين ما يَدعون إليه وما يعملون به ، وان يكونوا مخلصين في عملهم ، الامر الذي سيجعل كلامهم لا يصل الى قلب المتلقي فحسب ،  بل سيتأثر بهذا الكلام ويعمل به هو أيضا.

ومن اجل ان يؤكد الشيخ الكربلائي ان كلامه ليس ضربا من الخيال ، او امرا بعيد المنال ، وان هناك امكانية كبيرة لتطبيقه على الارض اشار الى ثلاث تجارب  ، اثنتان منهما تاريخيتان  والثالثة معاصرة ، تشهد على امكانية ان تحقيق مثل هذا الاعلام في عالمنا اليوم ، التجربة الاولى ، عاشها المسلمون في صدر الاسلام ، عندما كان النبي صلى الله عليه واله وسلم فی بداية الدعوة ولم يكن لديه دولة أو جيوش أوسائل إعلام، وقريش قباله تتوفر لديها إمكانيات هائلة ولكن في النهاية انتصر الرسول وبقى الإسلام.

اما التجربة الثانية ، فكانت ثورة الامام الحسين عليه السلام ، عندما قام فردا وليس معه الا فئة قليلة من اصحابة ضد السلطان الاموي ، ولم يكن لدى الحسين عليه السلام  الإمكانيات التي كانت لبني أميه ومع ذلك وصل صوت الإمام الحسين عليه السلام إلى جميع بقاع الأرض بمرور الوقت وعبر مئات السنين ، ويبقى تأثيره في مجال السعة المكانية وكذلك على مستوى الأفراد.

ومن اجل الا يحصر الشيخ الكربلائي امثلته بتجارب تاريخية عن قيمة الكلمة الصادقة والعمل الخالص لوجه الله وتاثير ذلك على المتلقي رغم كل التناقض الموجود في الامكانيات لدى الطرف المقابل ، استشهد بشخصية المرجع الديني الاعلى سماحة السيد السيستاني ، وقال :”الان نرى رجلا هو السيد السيستاني يجلس في بيت بسيط متواضع ولا يمتلك قنوات فضائية ولا يمتلك وسائل إعلام ولكن يمتلك التأثير في قلوب عشرات الملايين”.

المثال الاخير الذي استشهد به الشيخ الكربلائي ، هو شعاع من المدرسة الاسلامية الحسينية الاصيلة ، فالجميع متفقون، مهما كان موقفهم من المرجعية الدينية العليا ، على ان السيد السيستاني يمتلك تاثيرا معنويا هائلا على الشعب العراقي وعلى الملايين من اتباع اهل البيت (ع) في خارج العراق ، بينما الرجل هو اقل الناس استخدما لوسائل الاعلام ، والاقل كلاما ، والاقل ظهورا ، اذن ما هو سر كل هذا التاثير العظيم  لسماحته على القلوب والعقول ؟ ، الجواب ببساطة يكمن بالالتزام العملي بالنهج العلوي ، الذي يجسد الاسلام افضل تجسيد.

هناك فرق هائل بين من يعرف النهج العلوي وبين من يجسد هذا النهج ، فجميعنا قد يعرف ما قال وفعل امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام ، ولكن من النادر ان نجد من يجسد حتى بعض جوانب شخصية هذا الامام العظيم عمليا ، ولكن من حسن حظ العراقيين واتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام ، ان يكون السيد السيستاني من هذا النادر الذي جاد به الزمان على العراقيين واتباع مدرسة اعل البيت (ع)  ، وخاصة في هذه المرحلة التاريخية المفصلية والصعبة.

ان تكون على النهج العلوي لا يعني ان تردد ما قاله مولى الموحدين ، بل ان تعيش ما قاله ، وهناك بون شاسع بين الحالتين ، كلنا قرأ او سمع ما قاله الامام علي (ع):  

-ايّها النّاس، إنّي واللّه ما أحثّكم على طاعة إلاّ وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلاّ وأتناهى قبلكم عنها.

-إنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها.

-ألا وإنّ لكلّ مأموم إماما يقتدي به ويستضي‏ء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه.

-فواللّه ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادّخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبرا. ولا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة.

-وإنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر.

-إليك عنّي يا دنيا فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك وأفلتّ من حبائلك، واجتنبت الذّهاب في مداحضك.

-اعزبي عنّي (يا دنيا) فواللّه لا أذلّ لك فتستذلّيني، ولا أسلس لك فتقوديني.

-لأروضنّ نفسي رياضة تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما، ولأدعنّ مقلتي كعين ماء، نضب معينها، مستفرغة دموعها. أتمتلي‏ء السّائمة من رعيها فتبرك؟ وتشبع الرّبيضة من عشبها فتربض؟ ويأكل عليّ من زاده فيهجع قرّت إذا عينه اذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة، بالبهيمة الهاملة والسّائمة المرعيّة.

هذا بعض ما جسده الامام علي (ع) في الزهد ، قبل ان يقوله ، وهذا بالضبط الى جانب خصائص اخرى ، هي التي جعلت الامام علي (ع) يتربع على عرش القيم الانسانية والالهية ،وهذا بالضبط ما جعل خريجي مدرسته ، يتبرعون في قلوب الناس دون منازع ، ومن بين خريجي هذه المدرسة سماحة السيد السيستاني ، صاحب الزهد العلوي ، وهذا الزهد هو من مقومات الخطاب العلوي وامتداده المتمثل بالخطاب الحسيني ، وهما الخطابان اللذان مازالا من اكثر الخطابات تاثيرا على الانسان ، رغم كل امكانيات الجهات التي تسعى للتغطية عليهما وطمسهما طوال قرون متمادية.

الى هذه الحقيقة كان الشيخ الكربلائي يشير عندما أكد للإعلاميين بوجوب تثبيت معايير الإعلام الحسيني، من خلال بث صوت الحق، فبني أميه كان لهم إعلام دوله كبيرة ومترامية ولكن انتهوا لأنهم باطل، بينما الإمام الحسين والسيدة زينب والامام زين العابدين (عليهم السلام ) كانوا هم الحق لذلك صداهم إلى ألان يتردد على مساحة الكرة الأرضية.

ان على الاعلاميين السائرين على النهج العلوي الحسيني ، ومن اجل ان يكون خطابهم مؤثرا ، يجب ان يستشعروا خطورة الكلام الذي يصدر منهم في كل مجال سواء كان عقائدي أو أخلاقي أو سياسي، والدقة والتثبيت بكل ما يطرح ولابد أن يكون متطابق مع المبادئ التي نعتقد بصحتها وهي مأخوذة من أهل البيت (عليهم السلام) ، ويجب يطمئنوا الى إن المعلومات التي ألقيت إلى المستمع هي صحيحة، أي لا ينقلوا شيئا ويظهر انه خطأ سواء خبر أو تقرير.

كلام الانسان المحمدي العلوي الحسيني ، هو كلام يصل إلى المتلقي ثم ينفذ إلى قلبه ويستقر فيه ويعمل به مهما كانت النتائج ، وهذا الكلام لا ينحصر تاثيره في زمن بعينه ،  بل يمتد على طول الزمن ، ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ).

شفقنا

محرر الموقع : 2016 - 09 - 07