السّيستاني .. وتغريدُ البعض خارج السّرب !؟.
    

ربما تكرر الأمر مع أكثر من مسؤول إيراني يزور المرجعيّة الدينية العليا . وما زيارة النائب الإيراني د . علي مطهّري لسماحة السيد السيستاني الأخيرة , والضجة الإعلامية التي أثيرت حول ما نشره على حسابه الخاص ( الانستغرام ) , وكشفه ما دار بينه وبين المرجعيّة لهو خير دليل على ذلك . فالخبر وبعد أن ذاع صيته فصار حديث الساعة , في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي والمسموع . وأصبح ليس فقط مادة دسمة للمحررين والمراقبين والكتاب وهم يستقرءون ما نشره فحسب , وإنما لقادة سياسيين عراقيين أسهبوا بمقالات لهم أيضا ً .
ما الذي دار بين الزائر والمزور في النجف الأشرف ؟. وهل ما نقله النائب المطهّري هو فعلا ً صادر من سماحة المرجع الأعلى ؟. وما مدى مطابقة ما نقله عن السيد لسيستاني مع الواقع أو مع سياق منهج عمله ؟.
قبل الخوض في ذلك علينا أولا ً أن نعرف , أنّ شخصيّة السيد السيستاني والمتمثلة به كيان المرجعية العليا للشيعة في العالم اليوم , هي شخصيّة ذات أبعاد خارجة عن معايير تحديد أية شخصيّة أخرى , فلا أحد يستطيع أن يقطع بأنها شخصيّة دينيّة فقط مثلا ً , أو علميّة فقط أو أنها سياسيّة أو اجتماعيّة أو تربويّة وغير ذلك , لسبب بسيط هو أن المرجعيّة ككيان ديني تقوم بمقام الإمام المعصوم ( ع ) , ومكلفة بمهام حفظ الأمّة والمذهب من كل شيء , وبكل شيء . من هذه الرؤية ومن خلال مسؤولياتها الضخمة والخطيرة تلك , علينا أن نقطع من أن المرجعية العليا تتمتع بوعيّ تام ودراية فائقة , من ناحية ما يصدر منها وما تتفوّه به من كلام . لذا فقد حظيت الأمّة ببعض القنوات ليصل إليها ما يصدر من المرجعيّة , بشكل واضح لا لبس , ولا تدليس , ولا إشكال فيه البتّة , وبنفس الوقت لسد باب القيل والقال والتقوّل عليها , أو ما يمكن أن يلصق بها من موقف أو كلام أو فكرة أو رأي ما . فبات من المعروف أن ما يصدر من المرجعيّة إما أن يكون : (1) ــ مختوماً بختمه الشريف .(2) ــ أو ببيان من مكتبه ويحمل ختمه .(3)ــ أو مباشرة من على لسان ممثله عبر منبر صلاة الجمعة , وهو على نحوين من الكلام لا ثالث لهما : 
( أ ) ــ إمّا أن يكون كلام ممثله هو لفظا ومعنى من المرجعيّة . ( ب ) ــ وإمّا أنّ المرجعية قد اطلعت على الكلام إجمالا , وتركت البيان والتعبير اللفظي لخطيب الجمعة .
إذا ما عرفنا ذلك , فصار من السهولة بمكان أن نوجّه , ما نقله السيد المطهّري عن السيستاني من رأي وموقف وكلام الوجهة الصحيحة . مِن أنّ الخبر برمّته وبما حوى لا يعدو كونه تعبير عن وجهة نظر صاحبها , وهو يحتمل الخطأ والصواب , وهو مسؤول مسؤوليّة أخلاقية إن لم تكن قانونيّة عن أي ادّعاء فيما لو ظهر خلاف الواقع . وإذا ما أخذنا غموض شخصيّة المطهّري بنظر الاعتبار , ومواقفه المثيرة للجدل , نجد أن طروحاته المنشورة حول لقائه الأخير مع السيد السيستاني , ليس فقط هي الأخرى غامضة ومثيرة للجدل وينقض بعضه بعضا ً فقط , وإنّما تحوي على مغالطات ومقاربات ذهنية توحي وتبرز للمتلقي , مواقف هي بالضد من منهجيّة عمل المرجعيّة , إن لم تكن تشير الى إساءة غير مباشرة لشخص السيستاني !. وممكن أن نلفت النظر الى أمور عدة منها : 
1 ــ لم نفاجئ بإشادة المطهّري بالمرجعيّة في مستهل خبره وهو يشير الى( سعة معلومات السيستاني ــ وإلمامه بقضايا العالم الإسلامي ــ وحكمته ــ ورؤيته ــ وكياسته ــ وتقواه ــ وبأنه مدرك كل الإدراك لظروف العراق وإيران ــ وعلمه بأوضاع العالم ــ وأن عمله واتخاذه للقرارات بحكمة خالصة لوجه الله ) !. 
2 ــ لكننا نفاجئ بتسطيره نعوت للسيستاني مثل ( إستياء .. ) و( امتعاض ) بقوله ( إذهب وقلها لغيري! ) و( معاناته من معضلة ) ما !. وكأنه يريد أن يقول أن المرجعيّة العليا مستاءه وممتعضه , ومحفوفة بعلماء سلبيين وغير أكفّاء . وهو أمر يتعارض ويقف بالضد ممّا ورد بالنقطة الأولى . فالتقوى والحكمة والكياسة عاصمة من أن يوبّخ أو يوجّه نقدا ً لبعض العلماء , ولم يُعرف بذلك من قبل . وعلميته وكياسته وخلوص عمله لله تعالى , تقف حائلا ً من نطق عبارة زجر وطرد واستهزاء وتنزّل من قبيل ( اذهب وقلها لغيري ) , في معرض حديثه حول رؤية الإمام الحجة ( عج ) . كما وأن حكمته وعلمه وإلمامه بقضايا الأمّة الإسلامية والعالم , وأبويّته تقف به بالضد من أن يتناول قضيّة حساسة جدا ً لها مساس بالمصلحة العامة للأمة والمذهب , ويبدي بها رأيا ً ممكن أن ينعكس سلبا ً على الساحة , من قبيل أنه يؤيد ما ذهب اليه الشهيد المطهري حول تأثر المرجعيّة بالشارع الشعبي وليس العكس (ما يعانيه بعض رجال الدين الشيعة من نزعة شعبويّة ) و ( إن هذه المعضلة لا تزال قائمة في يومنا هذا ).
3 ــ استخدم المطهري كمقدمة , مقاربة بين عقيدة الخلافة عند أهل السُنّة , والتي كانت سبب عند السيستاني ( حسب وجهة نظر المطهري ) في سقوط الموصل بيد عصابات داعش . وبين عقيدة الإمامة عند الشيعة . فكما أن مبدأ الخلافة لا يعارضه أي سنّي جوهريا ً , فكذلك الإمامة عند الشيعة . نستنتج من هذه المقاربة : 
أ ــ ما دامت عقيدة الخلافة أحدى أهم مرتكزات أهل السُنّة , فهذا يعني أن داعش وممارساته الدمويّة والظلاميّة تجري في التاريخ مجرى الدم في عروق أهل السُنّة .
ب ــ شمول أهل السُنّة كلية بهذه النتيجة . وبهذا تمّ تسقيط أهل السنّة كليّة .
ج ــ بالمقابل أن عقيدة الإمامة عند الشيعة والتي لا يعارضها شيعي جوهريا ً , لا تقل نتيجة سوداويّة عن قرينتها ( الخلافة ) وممكن أن تؤول الى خلق وحش كاسر في الساحة الشيعية شبيه بـ ( داعش ) !.
د ــ شمول الشيعة كلية بهذه النتيجة . وبهذا تمّ تسقيط الشيعة كليّة ( شيعة العراق على أقل تقدير ) .
وهذا يعارض نهج السيستاني ومبدأه من أن أهل السُنة هم ( أنفسنا ) وما داعش إلا ّ عصابات إرهابيّة لا تمثل أهل السنة قط . ولا يمكن أن نتصور أن يكونوا الشيعة يوما ما بنظر السيستاني بصورة هي قريبة من داعش , وهو لا يفتأ يصفهم بالأبطال والمضحّين والغيارى والأعز والأنبل والأسخى الخ .
4 ــ وإذا ما مضينا أكثر مع المطهري نلمس , أن السيستاني يغدق على محرومي أهل السنّة , من أموال الحقوق الشرعيّة في مناطق ( سيستان و بلوجستان ) مع علمه بعدم استحقاقهم لها كما ورد في ( ب) من النقطة رقم ( 3 ) . وإذا ما أخذنا دلالة إسم ( سيستان ) وهي تشر الى مسقط رأس السيد السيستاني , نراه يوحى بإتهام المرجعية بذات المرض الذي يعاني منه عند الغير ألا وهو ( الشعبويّة والمناطقيّة ) !. مع العلم أن إجازة صرف أموال الحقوق , كلٌ في منطقته ليست بالجديدة , وإنما هو إجراء قديم اتخذته المرجعيّة , ويرجع الى ما قبل سقوط النظام عام 2003 م . 
5 ــ لسنا بصدد الطعن بالسيد المطهري , وإنما الأمر من باب ( إحمل أخاك على سبعة وسبعين محمل ) . نقول : ما دار بين د . المطهري والسيد السيستاني , إذا فرضنا أنه تمّ على نحو السريّة وأن سماحته قد تجاذب أطراف الحديث معه فعلا ً بمواضيع شتى , يكون المطهري وبنشره ما دار من كلام , قد أذاع سرّاً قد تحفظت عليه المرجعية , وهتكه بعد أن أتمن عليه . وأما إذا فرضنا العكس فينبغي أن يصدر توضيح من مكتب المرجع الأعلى يكون مع أو ضد طروحات المطهري , وهذا ما لم يحصل للآن , وطبعا ً تقدير المصلحة في ذلك راجع لها حصرا ً , مع يقيننا من أن المرجعيّة قد علمت بالأمر , وهي العالمة بالشاردة والواردة , ولا تأخذها بالله لومة لائم قط , وليس أمامنا إلا ّ نجزم من أن ما طرحه النائب الإيراني الدكتور المطهري لا يعدو أن يكون تغريد خارج السّرب !.

بقلم : نجاح بيعي 

محرر الموقع : 2016 - 11 - 15