أعمده شرعنة للأحتلال العثماني
    

 

طرح مؤرخ روما البرفسور ( كليفورد أندو) سؤالآ جدليآ يستنطق فيه الأحداث والأسباب التي تدعو الى الصمت والخنوع كذلك التمرد فتسائل "ما الذي يسبب الهدوء بدلآ من التمرد". سؤال أراد أن يفسر من خلاله حالات الهدوء والثورات التي حدثت عبر التاريخ لكي يستفاد منها في التطبقات المستقبليه لدى الأنظمه السياسيه المعاصره , وهذه هي فائدة دراسة التاريخ وفلسفته. هذا السؤال هو ما  دعاني الى التسائل عن أسباب الخضوع والأستسلام والقبول بالأحتلال العثماني لمنطقتنا وخاصه العربيه لأربعة قرون , هذا الأحتلال الذي ألقى بظلاله على أحداث اليوم . من خلال التفحص التاريخي تبين أن في الوسط العربي نخب ربطت مصالحها بالأحتلال العثماني وشرعنة لهذا الوجود , بل وتعاونة معه . لا شك لعبت المصالح والأيدلوجيا دورآ محوريآ في ذلك , هذه النخب هي ما يطلق عليهم بشيوخ الأسلام السني وخاصه الأحناف, وفئة الأعيان وهم الوجهاء وملاك الأراضي والتجار, طبعآ لكل فئه من هذين الفئتين دوافعها الخاصه بها . فالمشيخه السنيه كان يحدوها الأمل بالتعاون من أجل أقامة الشرع الأسلامي في أطار مذهبهم الحنفي والدفاع عنهم من المذاهب المنافسه من شيعه ووهابيه من جهه , ومن الكفار القادمين من الغرب المتمثل بالمسيحيه الأوربيه والتي بدات تتحرك باحتلال دول اسلاميه بالمغرب العربي, كما ان السلطنه العثمانيه أحتاجتهم في أضفاء الشرعيه على وجودهم فأصدروا هؤلاء الفتاوي السياسيه التي يحتاجها السلطان في استتباب الأمن الداخلي , كما في الدفاع عن حياض حدود الأمبراطوريه العثمانيه المترامية الأطراف والتي تحتاج الى موارد بشريه كبيره لأستثمارها في توسيع أراضيها من خلال حروبها الخارجيه والتي وصلت الى أواسط أوربا واسيا وأفريقيا.في مقابل ذلك حفظ العثمانيون لهؤلاء المشايخ الألقاب الرفيعه مثل قاضي القضاة وشيخ الأسلام , بالأضافه الى تعضيد وجودهم من خلال بناء المساجد والأضرحه ,كما فعل السلطان سليمان في بناء وتوسعة ضريح عبد القادر الكيلاني وضريح وجامع أبي حنيفه ليكونوا عنصرآ مكافأ للوجود الشيعي المقابل لهم في الكاظميه لوجود الأمامين الكاظم ومحمد الجواد , كما أنشأوا لهم دائرة الوقف السني وسجلوا لهم أوقاف كبيره تدر عليهم أموال كثيره تعزز من وجودهم , بالأضافه الى تعينهم كقضاة , وعلماء دين في المساجد مقابل رواتب من الدوله في وقت لا يتمتع بهذا الأمتياز غيرهم من المذهب الجعفري, ومن الملاحظ أنك سترى أغلب العوائل التي تمتلك مقاطعات زراعيه وأملاك عقاريه واسعه في العراق ترجع الى عوائل كان أجدادهم ممن أنضم الى فئتي المشيخه السنيه والأعيان, وأنك سترى لعائلة النقيب والكيلاني العقارات الواسعه في بغداد , ولعائلة الجليلي والنجيفي في الموصل كطبقة أعيان تملكت الكثير من ألأراضي الزراعيه والأملاك العقاريه, وحتى أني أستطيع أن أنقلكم الى بلدة السماوه في جنوب العراق لرأينا هذا واضخآ بأن هناك عائله تمتعت بهذه الأمتيازات العثمانيه فأمتلكت الكثير وهي عائلة (الأمامي) والتي جاءت مع الأحتلال العثماني وكان جدهم من طبقة علماء الدين ,الذي جاء  مع الوالي العثماني وسكن معه في منطقة قريبه من السراي والتي تسمى بالقشله, هذا كمثل بسيط لمدينه جنوبيه فما بالك في المدن الأخرى والتي خضعت لنفس السياسه أنذاك. لا شك كان عمل هذين الفئتين هو ضبط أيقاع حركة رعايا الأمبراطوريه وترويضهم واقناعهم بمشروعية المحتل, وأنها حامية حماهم من الدوله الصفويه ذات المذهب الشيعي والتي تمثل الخصم للدوله العثمانيه, وهذا هو ما دعى شيخ الأسلام (زنبلي علي أفندي) الى أصدار فتوى لمحاربة الشيعه في الدوله الصفويه بحجة محاربة التيارات المنحرفه ,كما أصدر المفتي العثماني (نوح الحنفي) فتوى يكون بموجبها قتل الشيعه (تابوا أم لم يتوبوا) ,هذه الفتاوي التي أستثمرها العثمانيون في حروبهم مع الصفويين للسيطره على أراضي الهلال الخصيب , وهي الفتاوي التي شرع بموجبها السلطان سليم الأول بقتل حوالي أربعين ألف من الشيعه في منطقة الأناضول . أنها الدوله التي تقوم على الأيديولوجيا التي تساهم بالتحشيد ضد خصومها وتوفر قوه كبيره يعضدها التعصب , وهو عين ما يقصده أبن خلدون في تفسيره لبقاء الحكومات والدول بمدى منسوب العصبيه بين رعاياها , وقد حقق العثمانيون بهذا العامل الكثير من الأهداف , ومنها توسعهم الكبير وطول مدة بقاءهم في أراضي شعوب أخرى غير تركيه , فالعثمانيون أستخدموا الدين كماده لبسط سلطانهم ويمكن تلمس هذا النفس من خلال تلقيب سلطانهم ب (كيهانجر) أي المستحوذ على العالم.

كما أن فئة الأعيان هي الأخرى ساهمت بدورآ محوريآ وهامآ في تكريس وجود الدوله العثمانيه وفقد أستحوذوا مقابل تقديم المساعده للدوله العثمانيه على وظائف هامه بالأضافه الى الأمتيازات الماليه والعقاريه والتي يتمتع بها أبناءهم لحد الأن , ومن هذه العوائل :عائلة الأورفلي والهاشمي وباش عيان . هذه العوائل كانت تمثل الواجه الأجتماعيه للنظام العثماني والممهدين لقبولهم وأستزاغة وجودهم في مجتمع غريب عليهم وهو المجتمع العراقي العربي , كما ينبغي الأشاره الى نخب صنعتها الدوله العثمانيه في العراق لتكون ركائز قويه لها في المجتمع وذلك لضبط الحراك الأجتماعي في أتجاه الأنسجام مع الدوله المحتله وأعتبار وجودها وجودآ شرعيآ وهنا يمكننا ذكر بعض هذه العوائل ذات الأصول التركيه مثل ( الداغستاني,ومنها اللواء الركن خليل باشا الداغستاني, عائلة القره غول, المولى, الجادرجي ومنهم الشخصيه السياسيه كامل الجادرجي, عائلة الباججي ومنهم السياسي مزاحم الباججي, عائلة النقيب, والعسكري ومنهم الفريق جعفر العسكري وطه الهاشمي وطارق الهاشمي المتهم الآن في كثير من قضايا الأرهاب , وعائلة الفارسي ومنهم السياسي نصرت الفارسي , كذلك عائلة الدفتري والدايني والأرناؤط وغيرها من العوائل . فلو تتبعنا الكثير من هذه العوائل لرأينا جذورها من الشيشان وداغستان وجورجيا , أي هم أولاد المماليك الذين  جاءت بهم الدوله العثمانيه وعينتهم في العراق كعسكريين وأغدقت عليهم الأمتيازات والأراضي وخاصه في ديالى وكركوك والموصل وبغداد والتي بسببها شكلوا طبقه أرستقراطيه في العراق . ومن الملاحظ أن الكثير من أبناء هؤلاء هم من أستقبلوا الدواعش ذوي الأصول الجورجيه والشيشانيه وسهلوا لهم المهمه , وكان خيط الوصل بينهم هو صلة الدم , والمذهب .

ان ما ذكرته لم اكن اتوخى منه أنكاح الجروح المذهبيه ولا اثاره العصبيات العرقيه , ولكن أحببت أن أشير الى أن العامل المذهبي الذي تبنته الدوله العثمانيه في العراق قد ترك آثارآ مدمره ليومنا هذا, بالأضافه الى فئة المصالح لعبت دورآ خطيرآ في مسيرة البلد عبر التاريخ , ومازالت تلعب هذا الدور بكل وقاحه بدون ان يضعوا بين أعينهم أنهم عاشوا وتنعموا في خيرات هذا البلد وأن لهم شركاء من انتماءات دينيه ومذهبيه أخرى ينبغي مقاسمتهم العيش المشترك ونبذ كل مشاعر التعالي المذهبي والقومي وان يعيش الجميع في بلد واحد يتكافئ فيه الجميع وتختفي فيه الطبقيه والأستئثار بالمتيازات من قبل طبقه دون أخرى . فالتكافئ والمساوات بين أبناء الشعب الواحد هو الطريق الوحيد لبسط الأمن فيه والسير بأبناءه الى الأمام.

أياد الزهيري

 

محرر الموقع : 2019 - 05 - 23