حين طغى لون الموت عليها..الكرادة.. مأساة لاتنفع الحلول الترقيعية لتفاديها
    

مع دخول شارع الكرادة داخل، وقبل الوصول الى التقاطع الاول للشارع ، يقبع محل صغير على الجانب الايمن للشارع وامامه بسطية لبيع الفواكه والخضار لرجل مسن، في المحل ثلاثة اصدقاء (احمد واحمد وحيدر). عشية الثالث من تموز كان هناك لقاء بين منتخبي المانيا وايطاليا في بطولة امم اوروبا الاخيرة، ذهب احمد الملقب بـ(شكف) الى مجمع الليث لشراء ملابس "العيد" لابنه زين، وماهي الا لحظات حتى سُمع دوي الانفجار، فهب صديقاه احمد وحيدر لنجدته، لكنهم وجدوا الحريق يأكل ممرات الطريق، فظنوه حياً وسيعود اليهم مرة اخرى.
يومان واكثـر مرّا دون ان يعود(شكف) الى احضان عائلته، اخ يبحث في المستشفيات وام تنتظر رؤية ولدها البكر، واصدقاء ينتظرون رنة الهاتف. ثلاثون يوماً مرت، دون احمد، حتى جاء اتصال وزارة الصحة المؤكد حصوله على الرقم الثالث والثلاثين في قائمة الضحايا الذين تم التعرف عليهم من خلال فحص عينة (دي ان اي) .


الأصدقاء يلحقون ببعضهم
شوارع مغلقة من جميع الجهات، وثمة خراب مازال قائما بسواد غرسه الارهابيون في صدر كل بيت هناك، مجمعات خاوية من الناس وملابس تنتظر من يرتديها، ولامجيب حكوميا سوى الوعود الان واليوم وغدا، الجميع يبحث وينادي وربما يحلم بأن تعود عروس بغداد مجدداً، فمعجبوها كثر، وقد طال اللقاء بين الحبيب والحبيبة. 
بعد مرور اربعين يوماً تقريباً على الحادث الاول ورحيل احمد، انفجرت سيارة مفخخة اخرى قرب مقهى كان يتجمع فيه معظم لاعبي منتخب الكرادة لكرة القدم، ضرغام واحمد جبار وعلي الفتلاوي  وحيدر حافظ كانوا اول المستشهدين، فيما فارق مهدي الحياة في مشفى الجملة العصبية، بينما بقي احمد دفان يصارع الموت.
محل الاصدقاء اغلق ابوابه فأحمد شكف استشهد في الانفجار الاول وحيدر استشهد في الانفجار الثاني، بينما احمد دفان يصارع الموت في ردهات مدينة الطب، ماهي الا اثنا عشر يوماً حتى فارق الملقب بالدفان الحياة لينهي قصة محل كان يدعى الاصدقاء الذين فرقتهم الانفجارات لكن مقبرة السلام في النجف أبت الا ان تجمعهم .
 
حكاياتهم ملونة بالوجع
الحكايات كثيرة ومدمية ان كانت بواقعها او بمفارقاتها الموجعة، ضرغام الحسني ابدل صورته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي بصورة صديقه الذي استشهد في التفجير الاول، ليعود صديقه حيدر ويضع صورته وصورة شقيقه الشهيد احمد معا في بروفيله بعد ان استشهد في التفجير الثاني. اما عادل يورو الفنان المحترف والذي رثته الكثير من الفرق الاجنبية والعربية، فلا تزال خطيبته تنتظر عودته وهي تكتب قصتهما كل يوم، اما قصة اكرم فهي الاخرى لاتقل وجعا خاصة انه كان على مقربة من الزفاف وحفلة الحنة التي كان يستعد لها لكنها صارت صينية الحناء وبدلة العرس اللتين سار بهما اصدقاؤه في تشييعه.  

المهندس مازال متصلا
محمد حيدر، او كما يحلو لاصدقائه مناداته بمحمد الكرادي، كان شغوفاً بحب الطلبة وبرشلونة، هو الوحيد لأهله وهو الذي كانوا يؤملون النفس بأن يروه ذات يوم متخرجاً من كلية الهندسة، حالمين بتلك اللحظة الذي يرتدي فيها محمد الزي الجامعي وقبعة التخرج التي يرمي بها عاليا في الصورة التذكارية مع زملائه، والدته واخته ظلتا تمنيان النفس بعودته فالهاتف يقول انه مازال متصلا بالانترنت لكن انتظارهما كان دون جدوى اذ رحل محمد مع رفيق دربه وشقيقه بالدم ابن خالته محمد ابراهيم الذي كان محظوظا حين وجدوا جثته بوقت مبكر على العكس من ابن الخالة. 

إعادة دورة الحزن والبكاء
موت عائلي جماعي لف عدة عوائل، فهذه عائلة الخطاط وحيد علوان تودع عشرة اشخاص بين اخ واخت وحفيد وابن، عائلة اخرى حصد الموت منهم سبعة اشخاص بين شاب وبنت واطفال، فيما ودعت عائلة اللاعب الدولي السابق غانم عريبي ولده ذو الفقار وزوجته واخته، عائلة اخرى جمعهم الموت، الاب وابنهم الرضيع وامه. تتنوع الحكايات والقصص: احدى العوائل في منطقة بغداد الجديدة اتمت مراسم الدفن لولدها الذي استهشد في التفجير الاول، واقامت العزاء لكن الوجبة الاولى من تسليم جثامين الشهداء اخبرتهم ان من دفنوه ليس ولدهم، لتجوب الحيرة محياهم وما سيفعلونه مع الجثة الاولى والثانية التي اعادت دورة الحزن والبكاء. عائلة اخرى فقدت ثلاثة اشقاء، وثانية فقدت الاب والابن وثالثة ورابعة وخامسة ستدور حكايا فقدهم طويلا في تاريخ الكرادة التي يراد لها ان تبقى حزينة باكية.

وجبات الفحص والتسليم  
وزارة الصحة اعلنت عن تسليم دائرة الطب العدلي جثامين الوجبة الخامسة لشهداء الكرادة. وأفاد الدكتور زيد علي عباس المدير العام لدائرة الطب العدلي، بأن عدد الجثامين  يبلغ ستة وتم تسليمهم لذويهم من قبل الدائرة وبحسب التعليمات والضوابط. مؤكدا: ان العمل مستمر وسيتم اعلان الوجبة القادمة نهاية شهر كانون الاول المقبل لحين اكمال الفحوصات المطلوبة.
وكانت دائرة الطب العدلي سبق وان سلمت الوجبة الاولى من ضحايا شهداء الكرادة البالغ عددهم (34) شهيدا. كما سلمت قرابة (21) جثمانا ضمن الوجبة الثانية فيما بلغ عدد الجثامين المسلمة في الوجبة الثالثة (23). في حين سلمت جثامين (31) شهيدا بينهم اب وولده وابنتاه. وماتزال الفحوصات مستمرة على بقية الجثث.
عضو مجلس محافظة بغداد عن منطقة الكرادة محمد الربيعي، سبق وان ذكر بعد تلسيم الوجبة الرابعة من الشهداء ان هناك 100 جثة متفحمة، ما زالت موجودة في الطب العدلي، بانتظار الحصول على نتائج الدي ان اي، لتسلميها لذويها. 

إرباك الحالة المعيشية
بعد الانفجار الاول أغلقت عمليات بغداد الشارع الرئيس لمنطقة الكرادة داخل وفتحته بعد فترة وجيزة، ولكن سرعان ماعادت الى غلقه مرة اخرى بعد الانفجار الثاني وبعد فترة شهر فتحته من الساعة السادسة صباحاً وحتى السادسة مساءً، ما تسبب بارباك اوضاع تجار المنطقة حيث ادى الى قتل السوق الرئيس للكرادة بشكل نهائي، الامر الذي اجبر الكثير من اصحاب المحال على عرضها للبيع او للايجار بسبب الركود الذي يعاني منه واحد من اكثر اسواق العاصمة نشاطا وحركة تبضع . مطالبات عدة وتظاهرات لاكثر من مرة قام بها الأهالي واصحاب المحال لفتح الشارع الرئيسي لكنها الى حد الان دون جدوى.
 كريم هادي صاحب محل لبيع الملابس المستوردة ذكر لـ(المدى): ان غلق الشارع اثر بشكل كبير على حركة التبضع والشراء في سوق الكرادة. مضيفا: ان الكثير من المحال اغلقت ابوابها بسبب صعوبة دفعها للايجار، فضلا عن عدم بيعها لأي شيء من يوم غلق الشارع وحتى الان. مشددا على: ان بقاء الشارع مغلق يعني موتا تدريجيا للكرادة وارباكا للحالة المعيشية لآلاف العوائل ان كانوا اصحاب محال او بسطيات. 

أميال الساعة السادسة
يبدو ان المشاكل مستمرة على من يقطن الكرادة، فاصحاب سيارات "الكوستر" ممنوع عليهم دخول شارع الكرادة الداخل الا بوجود عامل يسمى (سِكن) مهمته جمع مبلغ الاجرة من الركاب مثلما عليهم ،اي سائقي الكوسترات، الانتظار لفترة تترواح ما بين 30 الى 60 دقيقة للمرور من سيطرة الراهبات علما ان فترة العبور تطول كلما اقترب الوقت من الساعة السادسة التي يؤذن الوصول اليها بغلق الشارع الرئيسي اذ تتحول حركة السير الى شارع ابو نؤاس والنفاذ عبر الافرع الجانبية الى سوق الكرادة. 
محمد جبار ،سائق سيارة لنقل الركاب الكوستر من الباب الشرقي حتى جامعة بغداد مرورا بالكرادة داخل، ذكر ان غلق الشارع تسبب بارباك وضعهم الاقتصادي. مبينا: ان الكثير منهم لديه التزمات مالية. موضحا: ان غلق الشارع بهذه الطريقة ليس الحل المناسب بل هو تهرب من ضبط الامن والسيطرة على مداخل ومخارج الكرادة دون المساس بمصالح ساكنيها. 

شل الحركة الاقتصادية
اهالي الكرادة اعربوا عن تخوفهم من تسويف مطالبهم مبينن ان الحلول الأمنية ما تزال ترقيعية وتلقي بتبعات الفشل في الحد من الخروقات على اهالي المناطقة التي تعد من اهم مناطق العاصمة التجارية كما هددوا في اكثر من مناسبة بانهم سينضمون تظاهرات تدعو الى فتح الكرادة او اعادة النظر بالخطط الأمنية التي تسببت بشل الحركة الاقتصادية ما تسبب بخسائر مالية كبيرة لاصحاب المحال والمتاجر. كرم محسن من اهالي الكرادة بين لـ(المدى) ان الحلول ليست بغلق المناطق وعزل سكانها عن الاخرين بسبب العمليات الارهابية. متابعا: واذا استمر الوضع على هذا الحال ستتحول بغداد الى مدينة اشباح ومقاطعات معزولة عن الاخرى. مضيفا: ان بقاء الامر ضمن غلق الشوارع والمناطق دون التاكيد على الخطط الامنية المحكمة سوف لن يزيد الاهالي الا معاناة وظلما.

بالقدرة والصلوات
فيما ندد محمد كاظم صاحب محل لبيع المواد الغذائية بالاجراءات الأمنية غير المنطقية ،حسب وصفه. موضحا: ان لجوء القوات الأمنية الى غلق الشوارع والمناطق دليل على فشلهم بتحمل المسؤولية وحفظ امن وسلامة المواطنين. مشيرا الى: ان المنظومة الأمنية في البلاد تعمل بالقدرة والصلوات ،حسبما قال.
في حين دعا طالب مهدي ،موظف، الى مراعاة الظرف الذي يمر بها اهالي الكرادة في هذه الفترة والبحث عن حلول منطقية تحفظ سلامة واموال الناس. مشددا على: ضرورة بحث الخطط الأمنية مع اهالي المنطقة لأجل بلورة رؤية معينة لتسهيل الدخول والخروج والتنقل. مردفا: ان الوضع الحالي لو استمر أشهرا اخرى سيحول الكرادة الى منطقة سكنية بعد ان كانت اكثر مناطق العاصمة حركة تجارية.

حركة التبضع المسائية
مايقارب الخمسين محلاً او اكثر دمرت في انفجار الثالث من تموز، الا ان هذه المحال مازالت على خرابها، رغم الوعود الكثيرة التي اطلقتها الحكومة او امانة بغداد بتعميرها. يقول سرمد حسن لـ(المدى) انه قرر اعادة اعمار محله الا انه فوجئ برفض الشرطة الواقفة قرب مكان الحادث، معللة السبب بأن الامانة هي من ستقوم باعادة الإعمار. متابعا: اكثر من مرة سمعنا عن عود التاهيل الحكومية لكن دون جدوى. موضحا: ان بعض كودار امانة العاصمة قاموا برفع الانقاض وتسييج البنايات. اما سلام حميد ،صاحب معرض لبيع المفرشات والمواد المنزلية، فقد بين ان اصحاب المحال تضروروا كثير بفعل غلق الشارع الرئيسي. مبينا: ان عملهم يبدا بعد الساعة السادسة اي بعد ان تغلق الاسواق الخاصة ببيع المفروشات والأفرشة في الشورجة. متابعا: ان الكثير من زبائنهم موظفين او اصحاب محال يفضلون المساء للتبضع والتسوق. مستدركا: لكن ماذا نفعل مع الاجراءات الأمنية التي لم تاخذ بالحسبان ارزاق الناس.

تظافر الجهود والافتتاح القريب
عضو اللجنة الامنية في مجلس محافظة بغداد فاضل الشويلي سبق وان ذكر لـ(المدى) ان الوضع في الكراده معقد جدا. مبينا: ان  مجلس المحافظة ناقش مع عمليات بغداد والشرطة الاتحادية مسألة غلق شوارع الكرادة وقطع ارزاق اصحاب المحال والاكشاك الذين يعتاشون عليها هم وعوائلهم.  موضحا: ان المنطقة بحاجه الى قاعدة بيانات كبيرة بحسب القوات الامنية المسؤولة عنها وصعوبة حصر الداخلين والخارجين.
واضاف الشويلي ان هناك عدة حلول مطروحة للمناقشة منها اصدار باج تعريفي خاص بالمنطقة او العمل بنظام الكفلاء المعمول به في بعض مناطق العاصمة. مستدركا: لكن التحديات الان كبيرة وتحتاج لجهود وتظاهر الجميع. مؤكدا: من الممكن ان نشهد في الفترة المقبلة افتتاح الشوارع الرئيسية في الكرادة. موضحا: ان هذ الموضوع سيكون محمور الاجتماع المقبل للّجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد. 

محرر الموقع : 2016 - 11 - 05