العراقي والوسطيه
    

من المعروف علميآ ما للبيئه الطبيعيه والأجتماعيه من أثر بالغ وخطير في التكوين الشخصي للفرد والمجتمع , أستنادآ لما تساهم هذه البيئات في خلق طبيعه أنبساطيه , وأخرى حاده نتيجه لطبيعة الظروف التي تحيط بالفرد , فمثلآ نرى أن البيئه ذات الطبيعه الصحراويه بما يكتنفها من حراره عاليه , وطبيعه طبوغرافيه قاسيه , وقلت ماء , تراها بيئه مجدبه قاحله تاركه أثارآ على ساكنها تجعله يتسم بالقسوه والحديه , وجفاء الطبع , هذه البيئه تشكل نسبه كبيره من مساحة العراق مما تركت بصماتها على ساكنها, كما أن هناك عاملآ أضافيآ زاد من قسوة الظروف المحيطه بالفرد العراقي الا وهو التاريخ الذي أتسمت أحداثه بالدمويه والعنف بسبب نوع الحكومات المتعاقبه التي حكمته , وهي حكومات مستبده تتسم بالعنف والوحشيه , وهذا اللون ما لمسه الباحثون في فترة الأستعمار الغربي للقاره الأفريقيه ونتيجه لشدة العنف في معاملة سكان أفريقيا من قبل الرجل الأبيض شاهدوا أن أي خلاف بين الأفارقه يتحول الى نزاع شرس ودموي , والسبب عزوه الى قصورالأفريقي من مواجهة الرجل الأبيض فيكبت الغضب في نفسه ويفجره على أبن بلده , ويمكننا لمس هذا السلوك عندما يتعرض الأب الى ضغوط حياتيه قاسيه خارج بيته لا يقوى على تحملها أو الى ظلم من الدوله ,يصب جام غضبه على عائلته وخاصه زوجته , فتراه عنيفآ  منفعلآ لأتفه الأسباب. كما يمكن الأشاره الى حاله لها خصوصيتها العراقيه , الا وهي التشدد في العادات والتقاليد في العشيره العراقيه وهي أعراف غايه في الصرامه مما ساهم في خلق شخصيه عشائريه غايه في الحساسيه , تتسم بعدم التسامح لكل من يحاول خرق هذه العادات والأعراف التي أصبحت جزء لا يتجزء من تكوين شخصيته, سواء سهوآ أم عمدآ , هذا التشدد خلق في نفسية الفرد ميل للمبالغه في ردود الفعل أتجاه من يعتقد أنه تجاوز هذه الحدود , ويعتبره أنه تجاوز على الكرامه وجرح للهيبه وهذا مما لا يمكن التسامح به .هذه الظروف هي من جعلت الشخصيه العراقيه تتسم بالتشدد والغلو والأنفعاليه والمزاجيه,فتراه سريع الأثاره بعكس الشخصيه المصريه التي تمتاز بالصبر والميل الى المسالمه . وخير دليل على خصائص الشعبين هو ما أظهره برنامج الكامره الخفيه , حيث العراقي ينثار بسرعه كبيره ويرفع عليك المسدس أذا كان حاملآ له, بينما المصري يحاول بكل جهد وبأرق الكلمات أن يهدأ الموقف , ويميل الى السلميه في مواقفه العامه والخاصه.

القرآن الكريم رسم خارطة طريق واضحة المعالم لما يكون عليه الأنسان وقرر المنهج الوسطي له , والأبتعاد عن التشدد والغلو كما في الآيه (يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم) وفي الحديث (أياكم والغلو في الدين) ولكن الواقع يكشف الكثير من الحقائق والوقائع التي تبين أن الأنسان العراقي وهو موضوع بحثنا أنه صنيعت الأحداث وما تربى عليه من قيم بدويه وعشائريه وحزبيه , وما خضع لأشكال حكم متعدده أتصفت بالجور والقسوه.

أن من خصائص العرف البدوي أنه لا يسمح الا بالتضامن مع العشيره والأنتصار لها , وهذا من أندماج الفرد بالكل , وذوبان أرادة الفرد في الأراده الكليه للعشيره , فهو ينصرها ظالمه أم مظلومه ,كما يقول شاعرهم:     لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا

في حين قال النبي (ص) قال (ليس منا من دعا الى عصبيه وليس منا من قاتل على عصبيه , وليس منا من مات على عصبيه) . أن رسوخ القيم البدويه والعشائريه القائمه على التعصب , هي من رسمت خريطة النفسيه العراقيه. وهذا يعني هو الذي خلق في الوسط العراقي مبدأ ( من لم يكن معي فهو ضدي) هذه المقوله هي الأخرى ساهمت بخلق مجتمع قلق جعلته يتهرب في كثير من المواقف لتجنب الحرج فيها لأن الوقوف مع جانب يعني أعلان الحرب على الجهه المقابله مما يخلق حاله من العداء الدائم بين الطرفين والذي يأخذ زمن طويل لعدم وجود مبدأ التسامح بينهم , بل هذه البيئه جعلت الأنتقام بدلآ عنه , وهذا يرجع الى صفة المغالبه البدوية المنشأ , والأنتقام مترسخ حتى عند حيوان الصحراء (البعير) , وهذا ما جرى عليه المثل الشعبي والذي يقول عن الشخص الحقود (أنه يحقد كالبعير) يعني لا ينسى حتى ينتقم من خصمه, وبما أن الأنسان دخل الحياة المدنيه , والمدنيه تتسم بتشابك المصالح أخذت هذه العادات تحرج الكثير وتؤثر على علاقاتهم الأجتماعيه والتجاريه, فالكثير من حالات الطلاق حدثت بسبب موقف شخصين متزوجين كل منهم أخت الأخر ,أختلفا بينهم لأمر ما فيطلق أحدهما زوجته , فيسارع الأخر الى تطليق زوجته أنتقامآ من أخيها , هذا اللون من المواقف يحدث في العمل التجاري مما يسبب الكثير من الأختناقات والمشاكل الأجتماعيه وخاصه في المدن , والحال نفسه يحدث في المتبنيات الدينيه والمذهبيه والعشائريه والأيديولوجيه , وهذا ما ساهم في أنقسامات الشارع العراقي وأدامت صراعاته حتى عرف بأنه شارع صراعي ,صدامي, وهذا ما شكل  كحجر عثره أمام كل محاولات التصالح والوئام والتعاون بين أفراد المجتمع العراقي , كما بين فئاته المختلفه , وهو من منع من أقامة مجتمع موحد ومنسجم عبر تاريخه , وهو لحد الآن يعيش لهذا اليوم في حاله من الصراع بسبب الأختلاف في وجهات النظر أو في الأيديولوجيا.

أن هذه القيم ذات المرجعيه البدويه هي من أسست لثقافة الكراهيه والعنف أتجاه الآخر المختلف , ولكن كذلك ساهم بنفس الوقت لظهور حاله سلوكيه تتصف بالمداهنه والمراوغه لتجنب الأصتدام بالآخر الذي يخشاه أو تجمعه معه مصالح معينه لتفادي الردود المفرطه القسوه الممكن صدورها من الآخر.

أنعدام النظره الوسطيه هو من خلق مجتمعآ حاد التناقض في سلوكياته ومواقفه, فتراه أما أجتماعي أو أنطوائي, أما كريم جدآ أو بخيل جدآ, أما متدين جدآ وأما ملحد شرس , ويمارس أصى درجات العبثيه.

يتضح مما سبق أن المجتمع الذي يكون بعيد عن القيم الوسطيه يكون من الصعب أن تترسخ فيه قيم الديمقراطيه , وسوف يأخذ تطبيعه عليها زمنآ طويلآ , ومخاض صعب وعسير للتعود عليها , وسيسود البلد الكثير من الفوضى قبل أقرارها أجتماعيآ.

أياد الزهيري

 

محرر الموقع : 2019 - 09 - 14