مسببة الأمراض والضرر الاقتصادي..لحوم مجهولة المصدر تقتحم موائد العائلة العراقية
    

للحوم الحمراء اصبح لها نصيب من الخصومات والتنزيلات السنوية التي تعلنها المحال التجارية لتصفية البضائع، وكل حسب فصله ونوعه ، قطع كارتونية واحيانا قماش خطت عليها اعلانات عن تنزيلات سعر لحم الغنم الى 11000 دينار ولحوم البقر الى 10000 دينار. ولافتات اخرى كتب عليها خصم على اسعار اللحوم الحمراء كافة ، وثالثة تعلن ان سعر (لفة) الكباب الف دينار مع قَسم على انه لحم عراقي خالص، اما محال وعربات بيع الكص فما ان تستفسر منهم عن مصدر اللحم حتى يجيبوا (ان شالله شرعي) .


لاتوجد علامات المنشأ
انتشرت مؤخرا في الأسواق المحلية كميات كبيرة من اللحوم التي تحمل ماركات ذات سمات لايمكن حتى فك رموزها او قراءتها بشكل صحيح لاختلاف المناشئ المستوردة منها مصحوبة بكثرة اعداد الشركات  المتخصصة في استيراد اللحوم فضلا عن التجار. 
يقول كمال الموسوي ،خبير مالي، في حديثه لـ(المدى): ان انتشار مختلف انواع البضائع الاستهلاكية في الأسواق العراقية كان كافياً للتغطية على من قام بسرقة الأموال وتحويلها الى الخارج ومن ثم الاستيراد، اي ان العملية هي غسل اموال. متابعا: لو ركزنا على موضوع اللحوم الحمراء لوجدنا ان عملية الاستيراد تحتاج الى رؤوس أموال طائلة. مضيفا: فسعر حاوية اللحوم تتجاوز حسب مانسمع من التجار (60) الف دولار وبالطبع يكون الاستيراد بكميات كبيرة كي تسد النفقات.

أختام الكمارك 
واضاف الموسوي: اغلب هذه اللحوم تكون غير خاضعة للرقابة الصحية او حتى للفحص وتبقى اياما في الموانئ او المنافذ الحدودية الكمركية التي لاتكون دقيقة في اجراءات الفحص والكشف الغذائي. مشيرا: هناك طرق كما يسميها المعقبون لهذه الحاويات (تسليك) بدفع مبالغ مالية مقابل الحصول على اختام الدخول. منوها الى: وجود اشخاص يستثنون من فحص بضائعهم لانهم يحملون كتبا تسمح لهم بعبور الكمارك وبدون اي كشف على العجلات وماتحمله من بضائع مختلفة اغلبها لايصلح للاستهلاك البشري ومنها اللحوم طبعا .

تكثيف لجان المراقبة والمتابعة
مؤيد عبد الله ،موظف في وزارة الزراعة، بين في حديثة لـ( لمدى ): ان انتشار اللحوم وباسعار مخفضة جعل اغلب العوائل العراقية ،خصوصا الفقيرة، تواظب على شرائها بغض النظر عن تاريخ انتاجها او حتى الجهة المستوردة منها. موضحا: الكثير من المطاعم وشركات الانتاج الغذائية الجاهزة التي تدخل في منتجاتها اللحوم تستخدم اللحوم المستوردة التي يجهل مصدر البعض منها. منوها: ان الكثير من المستهلكين يشترون هذه المنتجات لرخص اسعارها دون الإمعان بنوعية اللحوم.
واستطرد عبدالله: الكثير من اللحوم المستوردة يعود تاريخ انتاجها لشهور قبل ان تدخل البلاد منها بطرق شرعية واخرى بطرق ملتوية. مبينا: ان البعض منها لحيونات نافقة او مصابة بامراض معدية قد تسبب الأوبئة. منوها الى: ان الجهات الأمنية قامت بالقبض على اكثر من شخص يتاجر باللحوم الفاسدة او لحوم الحمير التي تباع الى بعض مصانع ومعامل الأغذية الجاهزة . داعيا الى ضرورة ضبط المنافذ الحدودية اولا وتكثيف لجان المراقبة الصحية او المشتركة مع الوزارات المعنية.  

الاستيراد وبعض ضعاف النفوس
تختلف آراء التجار والمستوردين بهذا الشأن، اذ يذكر التاجر سعد محسن في حديثه لـ(المدى): ليست كل الأمور تحتسب ضد التجار، فالسوق العراقية مفتوحة والاستيراد سابقا كان محظورا ولفئة معينة فقط. مستدركا: لكن بعد التغيير استوعبت السوق انواعا مختلفة من البضائع ومنها اللحوم الحمراء التي كان يصعب على الكثير من المواطنين شراؤها بسبب الوضع الاقتصادي. متابعا: لا ننكر ان هناك لحوما قد تكون غير صحية وتعبئتها غير جيدة. مشيرا الى: وجود بعض الاشخاص من ضعاف النفوس يقومون بتقليد العلامات التجارية ولصقها على لحوم لمواشي او اغنام مريضة او نافقة يتم بيعها على انها لحوم مستوردة وبكل الأحوال فإن الأسواق العراقية اصبحت محطة تجارة لكل من هب ودب من الباعة والتجار الطارئين بعد عام 2003 .

بسطيات لبيع اللحوم !
تحتاج اللحوم الى مخازن مبردة وثلاجات كبيرة لخزنها، الا في العراق ، فقد يتم عرضها على بسطيات بدائية دون مراقبة اية جهة صحية معنية بسلامة وصحة الناس. البائع علي حسن يفرش بسطية لبيع اللحوم الحمراء وافخاذ الدجاج ذكر بحديثه: ان الاقبال جيد من الناس على شراء اللحوم الحمراء المحلية والمستوردة والتي نكتب عليها الاسعار حيث يبلغ سعر كيلو اللحم العراقي علامة الكفيل (6000) آلاف دينار بينما اللحم المذبوح لدى القصابين بسعر خمسة عشر الف دينار. موضحا: ان الكثير من المواطنين يجدون ضالتهم باللحوم التي تحمل علامات اسلامية. مشيرا الى: وجود بعض انواع اللحوم المستوردة غير صالحة للاستهلاك البشري يتم تغيير مصدرها وتاريخ انتاجها وتباع حسب المصدر والتاريخ الجديد. 

رخص الأسعار جعلها مقبولة
للمستهلكين آراؤهم ايضا، اذ تقول أم ياسر ،ربة بيت والمسؤولة عن التسوق اليومي: لايمكن ان تثق ربة البيت بانواع اللحوم الحمراء العراقية المنتشرة في الأسواق والتي اغلبها تباع على الأرصفة. مسترسلة: اما المستوردة فإن رائحتها تكاد نزكم الأنوف من رداءتها او طريقة خزنها. منوهة: ان الكثير من العوائل الفقيرة تلجأ لشراء هذه اللحوم دون مبالاة بما تسببه من اضرار كبيرة على صحتهم.  
وابدت ام ياسر استغرابها من بعض الأسعار التي توضع على اللحوم النيّة او المشويّة ،فمن غير المعقول ان يكون سعر كيلو اللحم الطازج (15) الف دينار واخر مجمد بـ(5) الاف دينار. موضحة: ان اغلب المشويات التي تباع جاهزة مصنوعة من اللحوم الرخيصة. متابعة: ذات يوم اشترت جارتي علبة كباب مشوي مغلفة بشكل مغرٍ لكنها ما ان فتحت العلبة حتى فاحت رائحة غير مرغوبة وتفسخ الكباب بيدها التي اصطبغت بلون احمر.  

مخاطر ذوبان اللحوم المجمدة
الرأي الطبي اختلف كثيرا مع من يرغب بشراء وتناول هذه اللحوم الحمراء حتى العراقية منها والتي تذبح بطرق بدائية وخارج المجازر بحيث تحولت اغلب الأرصفة والعرصات الفارغة الى مذابح ومحال لبيع اللحوم التي تكتب عليها قطع لحوم طازجة. حيث يقول الدكتور مازن الموسوي ،طب مجتمع وصحة عامة، في حديثه لـ(المدى): الخطورة على حياة المواطن تكمن في ان هذه اللحوم المكشوفة للبيع  يعود الى انها تكون في حالة انجماد بدرجة تحت الصفر وكما هو معروف عن وضع الكهرباء غير الطبيعي فهي في حالة تعرضها لذوبان سرعان ما تتلف اذا ما اعيد تجميدها مرة اخرى. موضحا: ان المواطنين مع الاسف ينجذبون الى السلع الاستهلاكية الرخيصة والتي اصبح التجار والبائعة يزايدون على ارواحهم كما تجذبهم الاعلانات التي يكتب عليها عرض خاص او تنزيلات وخصومات. 

الجزر العشوائي
 واسترسل الموسوي: تناول هذه اللحوم يسبب امراضا عدة واحيانا تكون البكتيريا قاتلة للبشر ومميته. منوها: ان هناك لحوما اثبتت الفحوصات انها تحمل الوانا صبغية واخرى غير صالحة للاستهلاك البشري وانواع منها تكون لحيوانات نافقة او حتى من لحوم الحمير حيث كشفت وزارة الصحة ومديرية الجريمة الاقتصادية عن وجود اشخاص يقومون بذبح الحمير والكلاب وبيعها في الاسواق على انها لحوم مستوردة. مشددا: ان هذه اللحوم تحمل بكتيريا مميتة للانسان وتسبب سوء الهضم والتهاب الامعاء وداء الكلب والاصابة بالامراض الانتقالية مثل التهابات الكبد الفايروسي الاكياس المائية.
 وبين د. طب ومجمتع : حقيقة ان المواطن بحاجة الى توعية ثقافية وحملة كبيرة من الجهات المختصة للقضاء على هؤلاء التجار والباعة الذين لايهتمون الا للربح على حساب حياة المواطن الفقير. مؤكدا على: ضرورة دعم القطاع الزراعي والحيواني من خلال وضع الخطط الاقتصادية والبرامج الصحية ومراقبة المجازر وغلق كل المخالفين ومصادرة المواشي. متابعا: وان يكون دور امانة بغداد للقضاء على ظاهرة الجزر العشوائي التي تجتاح اغلب مناطق العاصمة وحتى الراقية منها والتي يشجع على انتشارها المواطن نفسه فالخطر ليس باللحوم المستوردة فقط انما حتى باللحوم المحلية.

القانون الاقتصادي يحاسب .. لكن ؟
  بينما نجد ان الرأي القانوني الاقتصادي يقول ان زيادة الطلب على منتج وانخفاضه على منتج اخر يعني انخفاضاً من شأنه ان يؤدي الى انخفاض الأسعار في المنتجات التي انخفض عليها الطلب. حيث اكد الخبير الاقتصادي احمد السوداني في حديثه لـ(المدى): يلجأ المستهلك الى شراء اللحوم المستوردة المجمدة من اجل توفير بعض الاموال لحاجيات عائلية اخرى. عازيا سبب ذلك الى ارتفاع اسعار اللحوم العراقية في الاسواق ما يدفع الكثير من العوائل الى البديل الذي يكون اللحوم المستوردة ان كانت معلومة المصدر او مجهولة. لافتا الى: غياب الدعم الحكومي للقطاع الحيواني سواء من خلال توفير الأعلاف او اللقحات الخ. 
ونوه السوداني الى: ان المجازر العشوائية هي الاخرى لاتخلتف بالضرر عن اللحوم المستوردة بسبب غياب المراقبة الصحية اولا والطرق التي جاءت بها المواشي. مضيفا: ان بعض الأغنام المستوردة تذبح وتباع على انها عراقية في حين تهرب الأغنام العراقية الى دول الجوار وخصوصا الخليج العربي. داعيا الى: ضرورة وضع الأطر القانونية ومحاسبة المخالفين ان كانوا من المستوردين او من يسهل دخول بضائعهم.

الإضرار بالاقتصاد المحلي
اما الخبير الاقتصادي محمود عبد الرحمن فقد دعا في حديثه لـ(المدى) الجهات الحكومية الى حظر استيراد اللحوم المستوردة بسبب المخاطر الصحية على المستهلك لكون معظمها غير خاضع للفحص المختبري المطلوب ومقاييس السيطرة النوعية المعتمدة في الدول. متابعا: فضلا عن الاثار السلبية المترتبة على الاقتصاد العراقي بشكل عام، مشيرا: ان هناك آثاراً سلبية كبيرة على الاقتصاد العراقي جراء استيراد اللحوم المستوردة التي تكلف العراق مليارات الدولارات التي من الممكن توظيفها واستثمارها في دعم القطاع الخاص لانتاج اللحوم المحلية.
واضاف عبد الرحمن ان هناك آثاراً سلبية على صحة المواطنين العراقيين جراء استيراد اللحوم والمواد الغذائية من مناشئ متدنية كونها غير صالحة للاستخدام البشري يرافقها سوء الاستخدام في طريقة الخزن التي تحتاج الى ظروف معينة لا تتوفر في كثير من المخازن والاسواق التي تستورد وتبيع هذه المواد واللحوم المستوردة، مطالبا: البرلمان والحكومة العراقية بدعم الانتاج المحلي ومربي الماشية والدواجن لسد حاجة السوق من اللحوم البيضاء والحمراء وبيض المائدة.

أرقام متغيرة تبعاً للظروف
وزارة الزراعة العراقية اعلنت عن الحاجة الكلية للعراق من المنتجات الحيوانية لعام 2016 ، وفيما بينت أن نسب إنتاج الدجاج المجمد تبلغ 34% من الحاجة السنوية وانتاج اللحوم الحمراء والمجمدة يبلغ 76 % من الاحتياج الفعلي، أكدت ان هذه النسب تتغير حسب الظروف. وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد نايف في حديث لـ(المدى برس) أن البلد يستورد 60 الف طن سنوياً من اللحوم الحمراء المجمدة  لتغطية حاجته البالغة 250 الف طن. مبيناً: أن كمية الإنتاج المحلي من هذه المواد بلغت 190 الف طن تمثل 76% من حاجته الكلية. موضحا: أن حاجة العراق من الأسماك تبلغ 150 ألف طن ، فيما ينتج 63 الف طن تمثل 42% من احتياجه الكلي. منوهاً إلى: أن البلد يستورد 87 الف طن لسد حاجته من الاسماك.
وذكر نايف ان هذه الارقام متغيرة تبعا للظروف التي لا يمكن التكهن بحدوثها كالأمراض وغيرها والتي تسهم في تغيير المعادلة ولكن هذه الارقام هي في الظروف الطبيعية السائدة وعند توافر الظروف قد تتحسن وتصل في بعضها للاكتفاء الذاتي. مشددا على: أن الوزارة وضمن خططها في زيادة الانتاج لمنتجات الثروة الحيوانية تحاول النهوض والوصول بالمجمل الى الاكتفاء الذاتي وخاصة في مجال الاسماك.

محرر الموقع : 2016 - 11 - 29