بعد رحيل الشركات العالمية .. الصين تغزو روسيا بهواتفها وسياراتها
    

قد تدخل 100  ماركة سيارات صينية السوق الروسية هذا العام، وأثرياء موسكو بدأوا يحملون الهواتف الصينية بدلاً من هاتف “آيفون” الأمريكي الشهير، فـ”شركات السيارات الصينية” وكذلك شركات الهواتف الذكية أكبر مستفيد من خروج الشركات الغربية من روسيا، ولكن هل تقدم بكين لموسكو منتجات درجة ثانية، وإلى أي مدى تستطيع الصمود أمام الضغوط الغربية للبقاء بروسيا؟

وبعد حصار الغرب لروسيا، لم تعد البلاد تواجه مشكلة فقط في بيع النفط والغاز، ولكن أيضاً في شراء المنتجات الاستهلاكية الأساسية، وقطع الغيار والمعدات الحيوية، بشكل يهدد سلامة المواطن الروسي أحياناً.

وبالتالي لم يعد أمام موسكو خيار سوى مزيد من الاعتماد على الصين ليس فقط كسوق لصادراتها، ولكن أيضاً كمورد ومستثمر، خاصة بعد مغادرة الشركات الغربية للبلاد؛ مما رفع حجم التجارة الصينية – الروسية العام الماضي إلى 190 مليار دولار ، وفقاً للجمارك الصينية، فيما يشكّل رقماً قياسياً.

وكان السؤال الكبير منذ أن غزت روسيا أوكرانيا، إلى أي مدى سوف تدعم بكين موسكو في مواجهة العقوبات الغربية؟، وسط اتهامات أمريكية غير مثبتة بأن بكين تساعد موسكو على التهرب من العقوبات الغربية.

الشركات الغربية هربت من روسيا

على مدار العام الماضي 2022، هربت مئات العلامات التجارية العالمية من روسيا بعد غزوها لأوكرانيا. أجبر ذلك الروس على إيجاد بدائل لكل شيء من الهواتف الذكية إلى السيارات.

وتظهر بيانات الصناعة أن عملاق الهواتف الذكية الصيني Xiaomi وصانع السيارات Geely من بين أولئك الذين شهدوا زيادة في المبيعات في الأشهر الأخيرة، حسبما ورد في تقرير لشبكة سي ان ان الأمريكية.

وكانت أجهزة iPhone و Samsung Galaxies من أكثر الهواتف مبيعاً في يوم من الأيام في روسيا، ولكن طرازات شركة Xiaomi الصينية، وبائع صيني آخر ينظر له كمنتج هواتف رخيص مثل Realme، تتصدر الآن مخططات المبيعات في روسيا، وفقاً لتقديرات مؤسسة Counterpoint Research.

كان المصنعون الصينيون يتمتعون بشعبية كبيرة أصلاً في روسيا قبل الحرب، حيث استحوذوا على ما يقرب من 40٪ من سوق الهواتف الذكية في ديسمبر/كانون الأول 2021.

ولكن الآن استحوذوا على ما يقرب من 95٪ من السوق بعد نحو عام من الحرب، وفقاً لبيانات مدونة Counterpoint.

السوق الروسية تتقلص رغم الصادرات الصينية

وفي الوقت نفسه، شهدت مبيعات شركة سامسونغ الكورية وآبل الأمريكية التي احتلت المركز الأول والمركزين على التوالي قبل الحرب، انخفاضاً في حصتها المجمعة في السوق الروسية من 53٪ إلى 3٪ فقط خلال نفس الفترة التي انسحبت فيها من البلاد.

على الرغم من أن العلامات التجارية الصينية تجني ثمار الحظر الغربي، فإن السوق الروسية تتقلص مع تراجع اقتصادها.

في العام الماضي، تراجعت مبيعات الهواتف الذكية الروسية بنسبة 33٪ لتصل إلى 21 مليوناً، وفقاً لأبحاث Counterpoint، وبالمقارنة، انخفض سوق الهواتف الذكية في أوروبا بنسبة 20٪.

سوق السيارات الروسي الأشد من حيث المعاناة

كان أداء سوق السيارات في روسيا أسوأ من الهواتف الذكية، فربما كانت السيارات هي الأكثر تضرراً من جميع القطاعات الصناعية في روسيا بسبب العقوبات المفروضة على البلاد؛ حيث توقفت بشكل صارخ في النصف الأول من العام.

وتراجعت المبيعات الجديدة لسيارات الركاب والمركبات التجارية الخفيفة بنسبة 61٪ تقريباً في عام 2022 مقارنة بالعام السابق، وفقاً لمؤسسة Autostat الروسية، حيث تحد العقوبات الغربية من وصول روسيا إلى بعض المواد، كما أدى انخفاض الطلب وارتفاع الأسعار إلى إعاقة القطاع.

فبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، توقف معظم صانعي السيارات الغربيين عن العمل في روسيا، بعد أن بذلوا لسنوات جهوداً كبيرة في إبرام تحالفات مع شركات صناعة السيارات الروسية المحلية للحصول على حصة في السوق، منذ أن بدأوا في بناء مصانع في روسيا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

لكن رغم تقلص السوق، فإن الصين أبرز الرابحين من الانسحاب الغربي.

فعلى مدار العام الماضي، قفزت شركات صناعة السيارات الصينية Chery و Great Wall Motor إلى أفضل 10 علامات تجارية لسيارات الركاب، في حين اختفت BMW ومرسيدس الألمانيتان على سبيل المثال، وفقاً لبيانات من S&P Global Mobility.

واشترى الروس عدداً قياسياً من السيارات الصينية العام الماضي، وفقاً لمزود البيانات أوتوستات، التي قالت في تقرير لها إن مبيعات السيارات الصينية الجديدة في البلاد ارتفعت بنسبة 7٪ في عام 2022 إلى 121.800 سيارة، وهذه أرقام لها دلالة مع انهيار السوق الروسي للسيارات.

سيارة هافال H-6 الصينية في معرض شنغهاي عام 2017/ رويترز، أرشيفية

وأظهرت البيانات التي نشرتها وكالة رويترز  نهاية عام 2022، أن العلامات التجارية الصينية تمثل نحو ثلث سوق السيارات في روسيا حيث يظهر القطاع أكثر من أي قطاع آخر أهمية الصين المتزايدة للاقتصاد الروسي في أعقاب نزوح الشركات الغربية.

لادا، العلامة التجارية المحلية التي كانت بالفعل أشهر شركة لصناعة السيارات في روسيا قبل الحرب، شهدت أيضاً نمو حصتها في السوق من حوالي 22٪ إلى 28٪ في عام 2022، وفقاً لبيانات ستاندرد آند بورز. (باعت رينو حصتها المسيطرة في لادا في مايو/أيار 2022.

ولكن مع اقتراب نهاية عام 2022، تعافى الإنتاج إلى حد ما حيث تكيفت الصناعة مع الحصار الغربي، ورغم أنه متوقع أن ينمو في العام 2023، ولكن من غير المرجح أن يكون ذلك بسرعة كبيرة.

تعمل الشركات الصينية الرائدة على تطوير خطط محددة لزيادة تغلغلها في السوق في روسيا لعام 2023 وما بعده، حسبما قال موجز طريق الحرير في مذكرة بحثية.

وأدى الخروج السريع لكبار مُصنعي المعدات الأوروبية إلى خلق فرص لصفقات كبرى للشركات الصينية؛ حيث يمكن لهم اقتناص مرافق التصنيع بأسعار بيع عالية، مما أدى إلى تسونامي من صفقات الاندماج والاستحواذ.

يتم شراء المصانع الأوروبية بأسعار مخفضة، بينما يتم تنفيذ استثمارات صينية كبيرة أيضاً. وقال موجز طريق الحرير إن العلامات التجارية الصينية، التي شكلت أكثر من ثلث السوق في عام 2022، ستكون أكثر نشاطاً في العام المقبل.

وتظهر مبيعات السيارات الصينية نمواً لافتاً في الثلث الأخير من عام 2022، فمبيعات سيارات الركاب ذات العلامات التجارية الصينية، بما في ذلك هافال وشيري وجيلي، ارتفعت إلى 16138 وحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أي ما يقرب من ضعف 8235 وحدة في يناير/كانون الثاني 2022، بينما وصلت حصة السوق إلى 31.3٪ من 9.6٪، حسبما أظهرت بيانات من وكالة التحليل الروسية “أوتوستات”.

وتلبي السيارات الروسية الشريحة الأدنى في السوق المحلي التي تدور حول أسعار أقل – أو تصل إلى حوالي 1.5 مليون روبل (23961 دولاراً)، بينما يستولي الصينيون على حصة شركات السيارات الغربية والآسيوية التي تزيد أسعارها عن 2.5 مليون روبل.

ولكن الدخول الصيني القوي في سوق السيارات الروسية لا يخلو من بعض الحذر، ففي إحدى الحالات ذات الدلالة، تتنكر سيارة صينية في صورة روسية. كانت أجزاء المحرك من JAC الصينية، التي يستخدم تصميمها وهندستها ومنصتها لإحياء سيارة Moskvich من الحقبة السوفييتية.

وقالت موسكفيتش إنها تعمل مع شريك أجنبي لكنها لم تذكر اسمها، ولم ترد شركة JAC الصينية على طلب للتعليق.

وإذا ظل الوضع الاقتصادي دون تغيير، فقد يمثل المنتجون الصينيون، بما في ذلك علامة Moskvich الروسية الأصل التي يتم إحياؤها بالتعاون مع بكين، حوالي 35٪ من المبيعات في روسيا العام المقبل، ويقدر أن السوق سوف يتعافى إلى 800000 وحدة، حسب محللين.

من الناحية القيمية السوقية (أي قيمة المبيعات بالنقد)، يمكن أن تتجاوز حصة شركات السيارات الصينية 40 ٪ لأن السيارات الصينية أعلى في الثمن من نظيرتها الروسي، مما يعني قيمة سوقية تبلغ 1.5 تريليون روبل في عام 2023.

ولكن تظل روسيا سوقاً ضئيلة بالنسبة للشركات الصينية مقارنة بسوقها المحلية، حيث كانت مبيعات السيارات الصينية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أعلى بنحو 35 مرة مما كانت عليه في روسيا.

وفي عام 2022 ، تخطت الصين ألمانيا عملاق صناعة المركبات لتصبح ثاني أكبر مصدر للسيارات في العالم بعد اليابان بصادرات قدرها 3.11 مليون سيارة

والمكسيك وتشيلي والمملكة العربية السعودية وبلجيكا هي الدول التي لديها أكبر واردات للسيارات من الصين، وفقاً للبيانات الصادرة عن الرابطة الصينية لمصنعي السيارات CAAM .

خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، كانت روسيا سادس أكبر وجهة تصدير لمنتجات السيارات الصينية، والتي تشمل المركبات وقطع الغيار، وفقاً لرابطة مصنعي السيارات في الصين، والتي تمثل 3.9 بالمئة من إجمالي صادرات الصين، دون تغيير تقريباً عن نفس الفترة من العام الماضي.

يظهر ذلك أن زيادة حصة السيارات الصينية في السوق الروسية لا تعني ازدياد أهمية موسكو لبكين بقدر كبير، ولكن العكس، رغم أن إجمالي صادرات الصينية مرشح للتصاعد مع التعافي المحتمل للسوق الروسية العام الحالي والأعوام القادمة.

خلال عام 2023، تخطط شركات تصنيع السيارات الصينية في روسيا لإنتاج سلسلة من السيارات أفضل من نظيراتها الروسية أو الصينية المصنعة في روسيا، في وقت ستعود فيه العديد من مصانع السيارات في روسيا إلى العمل بعد عدة أشهر من التوقف بسبب ظروف السوق غير المؤكدة.

شركة AvtoVAZ الروسية الرائدة في إنتاج السيارات، صانع سيارة Lada الشهيرة، لديها خطط للعمل في مصنع نيسان السابق في سانت بطرسبرغ.

ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في الربع الثالث من عام 2023. وقد تم بالفعل تسمية FAW الصينية كشريك رئيسي مرشح على الرغم من أنه لم يتم الانتهاء من الجانب الأصعب من الصفقة وهي أن تحل الشركة الصينية محل أصحاب الأغلبية السابقين، وهما تحالف رينو الفرنسية ونيسان اليابانية المشتركتان في المصنع الذي كان من أهم مشروعات إنتاج السيارات الأجنبية في روسيا.

والكرملين منخرط بشدة في الصفقة كما هو الحال في معظم صفقات الاندماج والاستحواذ الكبيرة الجارية منذ فرض العقوبات الغربية.

وشركة شيري الصينية لها موقع راسخ بالفعل في روسيا، ومن المقرر أن تعلن عن خطط توسع هذا العام، وهناك العديد من شركات السيارات الصينية لديها خطط مماثلة.

ولكن البنوك الصينية تفضل عدم دخول السوق الروسية

“رسائل الصين المعقدة تشير إلى أن بكين ستستمر في إلقاء اللوم على واشنطن وحلفائها وتتهمها باستفزاز روسيا”، لكن مثل هذه التحركات لن ترقى إلى مستوى استعداء الولايات المتحدة بسبب رغبة بكين في تجنب الانهيار الكامل للعلاقات الأمريكية الصينية”، حسبما نقلت شبكة سي ان ان الأمريكية عن كريج سينجلتون، كبير الزملاء المتخصصين في الشأن الصيني بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية.

وقال نيل توماس، محلل شؤون الصين في مجموعة أوراسيا جروب: “لا يوجد حتى الآن أي مؤشر على أن الصين ترى أن مساعدة روسيا تستحق انتهاك العقوبات الغربية”، مضيفاً أن التحدي “الصارخ” لتلك العقوبات قد يواجه بعقوبة اقتصادية شديدة غربية على بكين كذلك.

في كثير من المجالات لم تتسرع بكين في مساعدة روسيا بعد أن تعرض اقتصادها للحصار الغربي بنفس قوة دعمها الخطابي.

وكانت صناعة المصارف الصينية واحداً من المجالات التي أظهرت فيها بكين توجساً لافتاً.

كانت هناك تقارير مؤخراً أن اثنين من أكبر البنوك في الصين – ICBC و Bank of China – فرضا قيوداً على تمويل مشتريات السلع الروسية، خوفاً من انتهاك العقوبات المحتملة.

كما ذكرت وكالة رويترز مؤخراً أن واردات الصين من الفحم من روسيا قد توقفت؛ لأن المشترين لم يتمكنوا من تأمين التمويل من البنوك الحكومية التي تشعر بالقلق من العقوبات الدولية.

بينما تحتاج روسيا الصين بشدة لإبقاء حركة اقتصادها، فإن بكين لديها أولويات أخرى.

الصين التي لديها ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، هي الشريك التجاري الأول لروسيا، حيث يمثل 16٪ من قيمة تجارتها الخارجية، وفقاً لحسابات CNN Business بناءً على أرقام عام 2020 من منظمة التجارة العالمية وبيانات الجمارك الصينية.

لكن بالنسبة للصين، فإن روسيا أقل أهمية بكثير: فالتجارة الصينية الروسية شكلت 2٪ فقط من إجمالي حجم تجارة بكين الخارجية، ولدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حصص تجارة مع الصين أكبر بكثير.

والكيانات الصينية الكبرى قد تجد نفسها سريعاً جداً عرضة لمزيد من التدقيق الغربي إذا كان يُنظر إليها بأي طريقة مفيدة على أنها تساعد المحاولات الروسية للتهرب من العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، وفقاً لسينجلتون.

وساهمت المخاوف من مواجهة الشركات الصينية لعقوبات أمريكية بسبب العلاقات مع روسيا في عمليات بيع كبيرة في الأسهم الصينية مؤخراً.

الشركات الصينية ذات العلاقة الوثيقة مع الغرب تفضل الابتعاد عن موسكو

معظم الشركات الصينية الكبرى المندمجة جيداً في الأسواق الغربية اختارت وقف أنشطتها في روسيا؛ خوفاً من عقوبات محتملة، حسبما تقول انا كيريفا الباحثة في معهد ام جي أي ام لو للعلاقات الدولية في روسيا  لوكالة الصحافة الفرنسية.

وهناك عراقيل لوجيستية للتجارة بين الصين وروسيا، وهذا ما يظهر في البنية التحتية المخصّصة للوقود في هذه المنطقة، مثل ميناء النفط الروسي (كوزمينو) الواقع على ساحل بحر اليابان، فضلاً على ذلك، فإنّ روسيا مضطرّة إلى بيع نفطها بأسعار أرخص من المعتاد إلى الصين أو الهند للحفاظ على حجم المبيعات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.

كما يعقد عدم قدرة روسيا على التعامل بالدولار الوضع بالنسبة للشركات الصينية.

وتوقفت شركة جريت وول موتور الصينية العملاقة العاملة في مجال صناعة السيارات عن توريد سيارات جديدة للتجار في روسيا بسبب تقلبات أسعار صرف الروبل.

وسيسمح توسيع نطاق التداول لليوان الصيني بمواكبة التقلبات الجامحة للروبل، بحيث تتمكن الشركات الصينية من “فهم حجم أو اتجاه تقلبات أسعار الصرف المستقبلية بشكل أفضل وتقليل مخاطر الصرف باستخدام طرق التحوط، مثل المشتقات”، حسبما ذكرت شبكة الأعمال الصينية المملوكة مؤخراً.

وأفادت وسائل الإعلام الحكومية الصينية بأن حوالي 25 مليار دولار من التجارة بين الصين وروسيا يتم إجراؤها حالياً باليوان.

بكين رفضت تزويد موسكو بقطع غيار للطائرات

تعني العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن شركتي Boeing الأمريكية وإيرباص الأوروبية محظور عليهما توفير قطع الغيار أو تقديم دعم الصيانة لشركات الطيران الروسية، وينطبق الشيء نفسه على صانعي المحركات النفاثة.

وهذا يعني أن شركات الطيران الروسية يمكن أن تواجه مشكلة في توفير قطع غيار الطائرات المدنية الغربية الصنع، وأن تطير الطائرات دون استبدال المعدات بشكل متكرر على النحو الموصى به للعمل بأمان.

رفضت الصين مؤخراً إرسال قطع غيار طائرات إلى روسيا، حسبما نقلت وكالة الأنباء الروسية الحكومية تاس عن فاليري كودينوف، رئيس صلاحية الطائرات في وكالة النقل الجوي الروسية الذي أضاف أن روسيا ستبحث عن فرص للحصول على أجزاء من دول، من بينها تركيا والهند بعد محاولة فاشلة للحصول عليها من الصين.

وأقامت الصين وروسيا مشروعاً مشتركاً للطيران المدني في عام 2017 لبناء طائرة ركاب جديدة طويلة المدى، عريضة البدن، في محاولة لمنافسة الاحتكار الثنائي لبوينغ وإيرباص. بدأ إنتاج هذه الطائرة المشتركة التي تسمى CR929، لكن الخلافات حول الموردين تسببت في تأخير المشروع. كان من المتوقع في البداية تقديم الطائرة للعملاء في عام 2024. لكن روسيا أرجأت الجدول الزمني إلى 2028 إلى 2029.

وربما كان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو قرار البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي أطلقته الصين في عام 2016، ومقره بكين، تعليق جميع أنشطته المتعلقة بروسيا وبيلاروسيا “مع اندلاع الحرب في أوكرانيا”، وقال بيان للبنك إن هذه الخطوة كانت “في مصلحة” البنك.

هذا القرار يعني أن 1.1 مليار دولار من القروض المعتمدة أو المقترحة لروسيا بهدف تحسين شبكات الطرق والسكك الحديدية في البلاد أصبحت معلقة الآن، وفقاً لـ”سي ان ان “.

هل تنظر الصين لروسيا كحليف حقاً؟

يركز المسؤولون ووسائل الإعلام في الغرب على وصف الصين بحليف روسيا أو حليف بوتين، رغم أن الزعيمين الصيني ونظيره الروسي لم يخرج منهما هذا اللفظ يوماً حتى في ذروة الاحتفاء بالعلاقة بين البلدين في زيارة بوتين التي سبقت غزو قواته لأوكرانيا بفترة قليلة، حيث وصفاها بأنها شراكة بلا حدود، ووصف الرئيس الصيني شي جين بينغ، بوتين بأنه أفضل صديق.

ولكن التحالف في العلاقات الدولية علاقة أكثر التزاماً وعمقاً من الصداقة والشراكة، فهي علاقة مستمرة في السراء والضراء، وتعني المشاركة في تحمل الخسائر، وقد تعني تعاوناً في الحروب.

ويبدو أن وصف الصين بحليف بوتين هو إحدى أدوات الغرب للضغط على بكين للابتعاد عن موسكو.

وبينما تعد الصين هي شريك روسيا الأساسي حالياً، فإن الشركاء الغربيين هم أكثر أهمية للصين، كما أن بكين وموسكو بحكم الجوار والحروب القديمة في الشرق الأقصى متنافسان طبيعيان وخصمان محتملان.

ولكن لا يعني ذلك أن الصين ستترك روسيا وحدها أمام الحصار الغربي، لأن صعود التنافس الأمريكي – الصيني، وقيادة الولايات المتحدة لحرب تجارية غربية – آسيوية ضد بكين يعني الأخيرة، تحتاج موسكو لو تحولت هذه الحرب لحصار غربي خانق عليها.

وهذا الحصار الغربي المحتمل للصين قد يحدث تدريجياً مع استمرار أمريكا وحلفائها في خطواتهم للتخلي عن الحلقات الحيوية في سلسلة التوريدات العالمية التي تعتمد على الصين مثل تجميع المنتجات الإلكترونية والمعادن الأرضية النادرة والبطاريات ومستلزمات تصنيع الدواء.

إذا تحقق ذلك لأمريكا، فقد تجبر الدول الغربية وحلفاءها الآسيويين على إغلاق أسواقهم أمام الصين، كذلك دفعهم لوقف تصدير التقنيات المتطورة التي لا تستطيع بكين تصنيعها بعد مثل الرقائق ومحركات الطائرات.

وساعتها ستكون روسيا ضرورية للصين كبديل جزئي للغرب.

ولذا يبدو أن الصين تستخدم مع روسيا الاستراتيجية التي تستخدمتها مع ايران في مواجهة العقوبات الأمريكية، ولكن بشروط أفضل لموسكو.

فهي تلتزم إلى حد كبير ولكن ليس كاملاً بالعقوبات الغربية (التي هي ليست عقوبات دولية)، وتترك شركاتها الأقل انخراطاً مع الغرب تتعامل مع روسيا، وتصدر علامتها التجارية من الدرجة الثانية التي لا يمثل الغرب أسواقها الرئيسية، بحيث لا يكون الضرر كبيراً على هذه المؤسسات لو عاقبها الغرب.

يظهر ذلك في صناعة الهواتف الذكية، فعلامات مثل شاومي وRealme التي تشهد صعوداً في روسيا هي علامات متوسطة وأقل من المتوسطة، ومبيعاتها تتركز في الدول النامية مثل الهند عكس شركات مثل أوبو و”ONE PLUS”، التي ما زالت تمثل الأسواق الغربية أهمية لها علماً بأن مبيعات العلامات الصينية الشهيرة في الهواتف الذكية بصفة عامة تراجعت مكانتها في الأسواق الأمريكية والغربية بعد العقوبات الأمريكية على شركة هواوي، والتي أثرت على بقية العلامات، وأصبح جزء كبير من الهواتف المحمولة المصدرة من الصين لأمريكا من العلامات الدولية لاسيما آبل، التي تتحرك بدورها تدريجياً لتقليل اعتمادها على المصانع الصينية.

وبالنسبة لصناعة السيارات الصينية، فرغم أنها أصبحت الأولى عالمياً من حيث الحجم والثانية من حيث التصدير، ولكن أغلب أسواقها تتركز في العالم النامي والاقتصادات الناشئة، بينما وجودها في الولايات المتحدة ما زال محدوداً وكذلك أوروبا، (رغم أن لديها فرصاً واعدة في قطاع السيارات الكهربائية في أوروبا تحديداً)، وهذا يجعل شركات السيارات الصينية أقل حساسية من العقوبات الغربية وأكثر جرأة في اقتحام السوق الروسية.

يعني ذلك أن السوق الروسية تظل سوق درجة ثانية لبكين، سوف تدخل بها بقدر لا يغضب الغرب من المنتجات، وبطريقة لا تضر شركاتها، ولكن ستبقي السوق الروسية حية كإجراء احتياطي إذا امتدت الحصار الغربي الذي يخنق روسيا اليوم إلى الصين يوماً.

وهو يوم قد لا يكون بعيداً.

*عربي بوست

محرر الموقع : 2023 - 03 - 21