الشعر الكربلائي.. عاشوراء حاضرة في الفن بكل أشكاله
    

 

 

 

الشعر الكربلائي كان يبدأ برثائيات ومقطوعات وأبيات، ثم أصبح بناءً مكتملًا، وتحوّل عبر الزمن إلى أدب يقصده الشعراء من كافة الطوائف والمشارب والأعراق و الألوان

لا شك أن مصيبة الإمام الحسين (ع)، في أرض كربلاء من أعظم المصائب، والتي تركت أثرًا في وجدان الشعوب والأجيال على اختلاف مشاربها الدينية والفكرية والاجتماعية.

ولهذا نجد أن مصيبة الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) حضرت بشكل كبير في مسار الحياة، ودخلت في تفاصيلها، فترى عاشوراء حاضرة في الفن بكل أشكاله، وبالإعلام والمسرح والسينما وغيرها، والأهم من هؤلاء الشعر والقصائد.

متى بدأ الأدب الكربلائي؟

يؤكّد الشاعر العاملي الأستاذ محمد باقر جابر في حديث خاص لوكالة شفقنا، أن أدب الطف أصبح أدبًا قائما بذاته، وقد كتب فيه الشعراء عبر الزمن منذ العصر الأموي والعباسي، مرورا بكل العصور وقد تخطى كل الطوائف حتى يومنا هذا.

مشيرا إلى أنه مجالٌ تدخله كافة الأقلام المبدعة، ولم يقتصر موضوع الطف على الأدب والشعر انما تعداه الى السينما والإعلام المرئي والمشهديات والروايات وكل ما من شأنه أن يسطّر لوحة إبداعية في هذا المجال .

ويضيف جابر : الواقع أن مرحلة عاشوراء هي ملحمة درامية ملحمة عزائية من أولها وإلى آخرها، لكنها متكاملة الأركان، حيث قدّم الإمام الحسين (ع) كافة أشكال القرابين.

ثم يتابع: لقد قدّم أصحابه على اختلاف لونهم وعرقهم ومستوياتهم الاجتماعية، وقدّم أبناءه من ابنه علي الأكبر وابن أخيه وابنه الأصغر وقدم أخاه العباس (عليهم السلام)، وهو قائد جيشه ثم قُتل بطريقة مأساوية، وكل ذلك وهو في حالة من الظمأ الشديد، واستُتبعت الحادثة بمأساة السيدة زينب (ع)، ومواقفها البطولية في وجه الطغاة.

موضحا إن هذه المشاهد تحرّك الوجدان الشعبي والشيعي والمسلم عمومًا والإنساني بشكل أعم، ولا شك أن أكثر من يحاكي هذه المآسي والأحزان هم الشعراء.

يعتبر الشاعر جابر أن الشعراء يحملون جوازات مرور العاشق إلى وهج الولع بالمعشوق، فتأتي القصيدة عادة مليئة بالمعاني والعبر والشجن والحزن واللوعة، يرسم الشاعر النار والسيف والدم، ويترك آثامه على عتبة الباب قبل أن يصل إلى مرحلة التطهير، يتطهر من كل شائبة لوثت جسده ووعيه، هذا ما يجعل من القصيدة سهلة الانسياب والدخول في قلوب الناس ويكون للمصيبة تأثير أكبر، وهذا ما عبر عنه بشر بن حذلم حين دخل المدينة ناعيًا الإمام الحسين فقال:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها **** قتل الحسين فأدمعي مدرار

كيف بدأ الشعر الكربلائي وكيف تطوّر؟

يؤكّد جابر أنه منذ بداية الثورة الحسينية المباركة، والشعراء ما بين مغرق بالرثاء والبكائيات عن فاجعة الحسين، وعن ذبحه وسحق ظهره بالخيول وعن قطع خنصره وسبي النساء وحرق الخيام، يعني توصيف مباشر للأحداث بقالب شعري، ومنهم من نحى منحًا آخر وهو استقاء العبر والدروس من النهضة الحسينية العظيمة، وكلا الطرفين لهم نصيب من الإبداع، أكانت قصيدة منبرية أو قصيدة لطم أو غير ذلك.

ويقول جابر: الشعر في ذكر الحسين (ع) ومصاب الحسين بدأ بعد شهادته مباشرة، حيث نسب إلى مصادر غيبية وإلى الجن، قول: أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب والتنكيل، وقيل أيضًا:

أترجو أمة قتلت حسينا **** شفاعة جده يوم الحساب

ولا أستبعد أن تكون نسبت هذه الأبيات وغيرها إلى الجن وإلى الغيب خوفا من بطش السلطة فقد نسبها شعراء خوفًا من بني أمية.

أولى الشعراء

ثم يتابع إن الشعر الحسيني بدأ بمقطوعات كالمقطوعات التي نسبت إلى السيدة زينب والسيدة سكينة والسيدة رباب وأم البنين وغيرهم.

كما يشير إلى أنه قد نسب عن عبيد الله بن حر الجعفي كذلك ما نعى به الإمام الحسين بأبيات طويلة، وصولا إلى اكتمال هذه القصيدة وبنائها عند الشاعر الكميت وهو شاعر العترة وقصائده المشهورة بالهاشميات ولديه قصيدة طويلة معروفة تبدأ بـ (طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب).

والسيد الحِميَري هو من الشعراء المعروفين يقول:

أمرر على جدث الحسين وقل لأعظمه الزكية يا أعظما لا زلت من وضفاء ساكبة روية

قبر تضمن طيب آباءه خير البرية … آباءه أهل الرياسة والخلافة والوصية

ولا نغفل عن قصيدة دعبل الخزاعي التي نظمها بطلب من الإمام الرضا سلام الله عليه عندما دخل إليه فأنشده القصيدة:

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا **** وقد مات عطشانا بشط فرات

إذا للطمتي الخد فاطم عنده **** وأجريت دمع العين في الوجناتِ

فبكى الإمام حتى أغمي عليه، ثم قال الإمام للشاعر أحسنت ثلاث مرات وأمر له بمكافأة كبيرة، وبعدها عند الشريف الرضي وهو من الشعراء الشيعة الكبار المعروفين ومن علمائهم أيضًا، وصولا الى ابن العرندس الحلي صاحب الرائية المشهورة في رثاء الحسين منها:

أيقتل ظمآنا حسين بكربلا ***** وفي كل عضو من أنامله بحر

ووالده الساقي على الحوض في غد ***** وفاطمة ماء الفرات لها مهر

بدايات القصيدة الحسينية

ينوّه جابر إلى أن القصيدة الحسينية كانت تبدأ برثائيات ومقطوعات وأبيات، ثم أصبحت بناءً مكتملًا، وتحوّلت عبر الزمن إلى أدب يقصده الشعراء من كافة الطوائف والمشارب والأعراق و الألوان.

ويقول: في الحقيقة أن القضية الحسينية هي التي خلّدت الشعراء كما أن الشعر يخلد المآسي والأحداث والتراجيديا، وفقا لجابر.

ويتابع إن هؤلاء الشعراء حاكوا وجدان الشعوب وكان الشعر أقصر طريق إلى القلوب، حتى دخل في مجالس النعي، والمعلوم أن أول مجالس النعي كانت القصائد العاشورائية.

ما أجمل الشعر وما أروعه حين يحمل معاني وأهداف سامية، فكيف إذا حمل رسالة الإمام الحسين وأهل بيته (ع)، وكيف إذا نقل مصيبة الحسين للبشرية ، فلا شك بأن هذا الشعر علم من أعلام كربلاء، وينبغي نشره بين الأمم.

شفقنا – مكتب بيروت

 

 

 

محرر الموقع : 2023 - 07 - 26