مدارس حكوميَّة أميركيَّة تمنع الاختلاط بين الجنسين
    

في حجرة دراسيّة للصفّ الثّالث الابتدائي، كانت الجدران مزينة بأشكال فهود وحمير مخطّطة، وتجد أقلاماً وأصابع صمغ في علب زهريّة اللّون، وملصقاً يحمل عبارة «تصرف بشكل جميل طوال الوقت». أمّا في الحجرة المجاورة، فتجد صوراً مقصوصة لسيّارات سباق ولاعبي كرة قدم تزين الجدران، ولافتة خلف مكتب المعلّم عليها عبارة «ركن المدرّبين».

في الحجرة الأولى، طالبات في الصفّ الأوّل الابتدائي، بينما في الحجرة الثانية، طلبة من الذكور في الصفّ نفسه. كان عدم الاختلاط بين الجنسين في التعليم شائعاً حتى القرن الـ19، عندما تراجعت شعبيّته، باستثناء بعض المدارس الخاصة أو التابعة للأبرشيّات، لكنه يعود مجدّداً في المدارس الحكوميّة الأميركيّة، حيث يسعى التربويون إلى التوصل إلى وسائل لتحسين المستوى الدراسي، خصوصاً بين الفقراء. وفي مدرسة «تشارلز درو» الابتدائيّة على أطراف فورت لودرديل، هناك فصل بين الجنسين في نحو ربع الصفوف الدراسية، استناداً إلى نظرية تقول باحتمال تأثير الاختلافات بين الفتيان والفتيات على كيفيّة تعلمهم وتصرفهم. ويقرّ معلّمون «بأهميّة فهم أنّ أنجلينا تتعلّم بشكل مختلف عن أنغلو»، كما توضح أنجلين فلاورز، ناظرة مدرسة «تشارلز درو»، وهي واحدة من عدّة مدارس حكومية في مقاطعة بروورد التي فيها بعض الصفوف غير المختلطة.

بوجه عام، لا تتمتّع تلك النظريّة بثقلٍ عند علماء الاجتماع، لكن تلاحظ فلاورز أنَّه بعد فتح تلك الصفوف الدراسيّة في المدرسة، يحقّ لكافة الطلاب بها تقريباً الحصول على وجبات غداء مجانيّة أو بسعر منخفض. منذ عامين، بدأ المستوى الدراسي لطلبتها في التقدم، كذلك شهدت أماكن أخرى أوجهاً مماثلة من التقدم، ما أدى إلى انتشار الصفوف غير المختلطة في مدارس حكومية بمناطق تعليمية أخرى، من بينها شيكاغو ونيويورك وفيلادلفيا.

وصرّحت وزارة التعليم في الحكومة الفيدراليّة، بأنّ هناك صفّاً واحداً غير مختلط على الأقل في نحو 750 مدرسة حكوميّة في مختلف أنحاء البلاد، وهناك 850 مدرسة حكومية كلّ صفوفها غير مختلطة. ورغم عدم توافر إحصاءات حكوميّة في السنوات القليلة الماضية، بلغ عدد المدارس الحكوميّة الّتي كان فيها صفّ واحد غير مختلط، على الأقلّ خلال العام الدراسي 2004-2005، 122 مدرسة، بينما بلغ عدد المدارس الّتي لا يوجد فيها سوى صفوف غير مختلطة خلال العام نفسه، 34 مدرسة، بحسب تقديرات الهيئة القوميّة للتعليم الحكومي غير المختلط.

ويقول منتقدون إنّه لا يوجد دليل دامغ على وجود اختلافات جوهريّة في تطوّر المخّ عند البنين والبنات، وإنّ الفصل بين الأطفال على أساس النّوع يمكن أن يكرّس للتنميط الراسخ. وقالت ريبيكا بيغلر، الاختصاصية النفسية في جامعة تكساس، إنّ الفصل على أساس النوع أو أيّ تصنيف اجتماعيّ آخر، يزيد من التنميط والقولبة الناجم عن التحامل. وتوضح بيغلر قائلةً: «إنّك تقول إنّ هناك مشكلة في الاعتقاد بضرورة التّمييز بين الجنسين، وبدلاً من التعامل مع هذا الأمر، تقصي أحد الجنسين». ويثير هذا قلق الاتحاد الأميركي للحريات المدنيّة، الذي قدّم خلال العام الحالي شكاوى بالتّعاون مع وزارة التعليم ضدّ 4 مناطق تعليميّة في ولاية فلوريد، بتهمة انتهاك قانون الحقوق المدنية الفيدرالي، وتبرير الفصل بين الجنسين في الصفوف الدراسية على أساس «قوالب عامة».

كذلك قدّم الاتحاد شكوى في أوستين بولاية تكساس ضدّ مدرستين جديدتين فيها صفوف غير مختلطة، وهناك شكاوى معلّقة في إداهو وويسكونسن، وشكوى أخرى مقدّمة منذ عقدين من الزّمن في نيويورك.

وأسفرت الدعاوى القضائيّة في ولاية لويزيانا وويست فيرجينيا عن إعادة الصّفوف الدراسيّة غير المختلطة إلى عهدها السّابق. وكثيراً ما يشير المدافعون عن الصفوف غير المختلطة إلى الشجار بين الفتيان الّذين يتأخّرون دراسياً عن الفتيات في اختبارات القراءة التي تقيس درجة الفهم، ويواجهون مشاكل أكثر من الفتيات في الانضباط ويتسرّبون من التعليم. كذلك يرى التربويون أنّ مستوى الفتيات الدراسي في العلوم أقلّ من الفتيان، وأنهم سيستفيدون أكثر إذا كانوا مع الفتيات فقط. ويقول مسؤولون في مدارس إنّ وجود الجنس الآخر في الصّفّ الدراسي يؤدّي إلى تشتيت انتباه الأطفال.

ومن المقرّر أن تصدر إدارة أوباما خلال الأسبوع الحاليّ تعليمات للمناطق التعليميّة استجابةً للشكاوى المقدّمة من الاتحاد، وزيادة عدد الصّفوف غير المختلطة. وربما تستطيع تلك المدارس إقامة تلك الصّفوف غير المختلطة إذا تمكّنت من تقديم دليل على أنّ هذا يحسّن المستوى الدراسي، أو الالتزام على نحو يعجز عنه التّعليم المختلط...

ويقول المؤيّدون إنّ الفتيات يتشاركن الاهتمامات، وكذلك يفعل الفتيان مع بعضهم البعض، أكثر مما يفعل كلّ منهم مع الآخر في العمر نفسه. وقال ليونارد ساكس، طبيب أطفال ومؤلّف عدد من الكتب الّتي تتناول الفروق بين الجنسين، ومنها «لماذا النوع مهمّ»: «مع ذلك، نحن نقوم بالفصل على أساس العمر، وهو أمر لا يدعمه أيّ دليل»...

وقالت إنغيلا براون، ناظرة مدرسة «ديلارد» الابتدائيّة، إنّ الصبية في الصفوف غير المختلطة يحضرون بشكل أكثر انتظاماً عن الصفوف المختلطة، كذلك ترتفع علاماتهم الدراسيّة في اختبارات القراءة والرياضيّات. مع ذلك، يكون هناك تحسّن كبير في انخفاض معدّل مخالفة النظام والشجار. وقالت براون: «يحاول الفتيان إثارة إعجاب الفتيات، بينما تحاول الفتيات إثارة إعجاب الفتيان، وقد أزلنا هذا العائق من الطريق».

في أنحاء مقاطعة بروورد، خلص تقييم خارجي قامت به شركة أبحاث «ميتيس أسوسيتيس» إلى أنه بعد عامين من فتح صفوف غير مختلطة في 5 مدارس، تراجع معدّل مخالفات نصف عدد الطلبة تقريباً، وتراجع معها معدّل معاقبتهم مقارنةً بالعام السابق...

محرر الموقع : 2015 - 01 - 07