قراءة موجزة .. منظومة مضامين نصائح وتوجيهات المرجعية الدينية للمقاتلين في ساحات الجهاد
    

 

 

 

إنَّ فتوى الدفاع المقدسة التي أصدرها صاحب الحشد الأكبر سماحة المرجع الديني الأعلى المجاهد السيد علي السيستاني (دام ظله) في الرابع عشر من شعبان عام 1435ﻫ كان لها أثر عظيم في تلبية المؤمنين في الدفاع عن المقدسات والوطن، بعد أنْ كانت المخاطر محدقة به، من قبل عناصر كيان داعش الإرهابي وداعميهم من أعداء العراق.

فتسابق الأغيار نحو معسكرات التدريب، فالجبهات لتطهير البلاد من دنسهم المادي والمعنوي، فكانت تلك الانتصارات العظيمة التي أذهلت العالم كله، فتنوعت أشكال التلبية للجهاد، فكان المضمار الأول للنفس، فالمال والجاه والعلم والقلم، وغَدَتِ المرجعية المقدسة تتعاهد تلك المعارك وﭐنتصاراتها، وما يحتاج إليه المجاهدون من أنواع الدعم من أجل الوصول إلى تلك الأهداف العظيمة، على الرغم من مسؤولياتها الكثيرة المختلفة، فقد حرصت أنْ تكون أولويات ذلك في خدمة المجاهدين، وما يتعلق بهم، وهذا ما نراه جليًّا في بيانات المرجعية وﭐستفتاءاتها وخطبها، ومن تلك الرعاية هو ما صدر من “نصائح وتوجيهات للمقاتلين في ساحات الجهاد” بفقراتها العشرين، التي تؤكد عظمة ورعاية المرجعية للمجتمع في جميع مواقفه وﭐتجاهاته من أجل الحفاظ على مبادىء النصر الإلهي المبين.

فكانت تلك الوصايا –بحق- مثابة دستور لآداب الحرب وحقوقها، وقد نظم الأديب الشاعر، خادم أهل البيت (عليهم السلام) الحاج “محمد سعيد الكاظمي” (رحمه الله) هذه النصائح بمنظومة أدبية بلغت مئتين وتسعة أبيات تضمنت تلك الوصايا المباركة، وصورة من صور تلبية نداء المرجعية للجهاد، فضلاً عن توثيق هذه المرحلة المشرقة من تأريخ العراق الحديث، وما سطره المجاهدون من ملاحم بطولية في الدفاع عن المقدسات.

وإنَّ هذه النصائح قد صدرت في الثاني والعشرين من ربيع الآخر عام 1436ﻫ، ونشرت على موقع سماحة السيد السيستاني (دام ظله)، فضلاً عن طباعتها وتوزيعها على المقاتلين في الجبهات، وترجمتها إلى غير اللغة العربية، تعريفًا برؤية الشريعة الإسلامية إلى الحرب وما يتعلق بها من حدود وآداب، وتوثيقًا لها بلغات أخرى.

ونحاول في سطور موجزة تسليط الضوء على هذه المنظومة في حلقات متوالية، نذكر ٱبتداء ما ورد في أصل الوصايا، وبعدها ما ورد نظمًا، ثم بيان ما يتعلق بها في قراءة موجزة.

قال الناظم في كلمته:

الْفَضْلُ وَالشُّكْرُ لَهُ وَالْحَمْدُ

فَمِنْ فُيُوْضِ الْخَالِقِ الْمَنَّانِ

مُلْتَمِسًا عُذْرًا مِنَ الْقُرَّاءِ

لأَنَّ مَا يُنْقَضُ ثُمَّ يُبْنَى

نَأْمَلُ مِنْ (جُمْهُوْرِنَا) الْكَرِيْمِ

فَإِنَّهُمْ ذَخِيْرَةُ الْأَوْطَانِ

        ثُمَّ الصَّلاةُ بَعْدَهُ – وَبَعْدُ

نَظْمِيْ وَصَايَا السَّيِّدِ السِّيْسْتَانِيْ

لِقِلَّةِ الْجَوْدَةِ فِيْ الْبِنَاءِ

يَكُوْنُ أَدْنَى جَوْدَةً فَأَدْنَى

إِدْرَاكَ هَذَا الْجَوْهَرِ النَّظِيْمِ

نُعِيْذُهُمْ مِنْ غِيَرِ الزَّمَانِ

ٱبتدأ الناظم أرجوزته بكلمة له على بأبيات بلغت ستة، أكد فيها على موضوعات منها:

1- التحميد والثناء على الله تعالى والصلاة على النبي وآله. وهذا هو المتعارف في بداية الحديث أو الخطبة أو الكلام بابتداء الثناء على الله تعالى، الذي هو أهل لذلك.

2- الاعتراف بأنَّ ما سينظمه من هذه الوصايا التي أصدرها سماحة المرجع الديني السيد علي السيستاني (دام ظله) إنما هي من فيوضات نعم الله تعالى عليه، فهو المنعم المنَّان على عباده، ومن نعمه ومننه على الناظم هذه الكلمات التي وُفِّقَ إليها، وخصوصًا أنَّه قد كتبها في أيام عشرة تقريبًا، فضلاً عن حالته الصحية التي كان عليها، فبذلك هي فيض من فيوض الله عز وجل عليه.

3- التواضع في عرض منظومته على القارىء الكريم، من دون الثناء على نفسه، وما قدَّم من عمل، أو الغرور به، بل ٱلتماسه العذر إنْ كان في نظمه ما لا يرتقي إلى معاني فقرات تلك الوصية المباركة، بسبب نقل تلك الوصايا من النثر إلى الشعر، فلعل في النثر أعظم متنًا، وأكثر سبكًا، ولكنه قد عرضها بأسلوب أدبي بديع، جمع بين التراث الروائي في مضامين الوصية، والإيقاع الموسيقي للقافية الشعرية، وما في ذلك من روعةِ بيانٍ، ومعانٍ حِسانٍ.

4- يُذَكِّر الشاعر الأمة بأهمية ما ورد في هذه الوصايا المباركة، فهي وإنْ كانت موجهة إلى المجاهدين خاصة، ولكنها تنفع الناس عامة في التعرُّف على رسالة الإسلام الإنسانية في الحرب، فضلاً عما في السلم، وهي حقيقة من درر وصايا المرجعية الدينية التي ينبغي أنْ تُدْرَسَ دراسةً عميقةً، وتُدَرَّسَ للأجيال، بل هي جواهر منظومة في كلمات، وهذا ما سنراه في نظمه لتلك الفقرات العشرين من الوصية.

5- الإشارة إلى مقام المؤمنين في المجتمع ومنزلتهم، والدور الذي يجب عليهم أنْ يقوموا به، فالمجاهدون عليهم مسؤولية كبيرة في الدفاع عن الوطن ومقدساته، والآخرون عليهم مسؤولية الحفاظ على تلك المقدسات بصور شتى، وهم ذخيرة هذا البلد، الذي تعرَّض إلى كثير من الويلات والحروب والاعتداءات، والأمل قائم على الأمة كُلِّها في أداء دورها؛ للوصول إلى النصر والثبات، والوقوف بما يريده الأعداء بنا سوء وغدر.

فكلمة الناظم التي ٱبتدأ منظومته المباركة قد جمعت بين الثناء والحمد والصلاة، والاعتراف بالتقصير تواضعًا، وبيان أهمية هذه الوصايا التي هي دستور إنساني للأمة، فضلاً عن بيان دور الأمة وأبنائها في الحفاظ على المقدسات العظيمة التي ضمتها أرض العراق، وإلى لقاء قادم في قراءة أخرى.

د . الشيخ عماد الكاظمي

 

 

 

محرر الموقع : 2018 - 03 - 21