هل حذرت المرجعية الدينية العليا الأمة من داعش؟ (۱٦)
    

هل حذّرت المرجعية العليا الأمّة الشعب العراقي من داعـش ومِن خطره العظيم؟ وإذا كانت قد حذّرت فمتى كان ذلك؟ وأين؟ وكيف؟ مع يقيننا بأنها تُواكب الأحداث وتُراقبها وتعلم بشكل جيد بأدق تفاصيلها. وسؤال آخر:

هل حذّرت المرجعية العليا من خطورة النيل من الدولة؟ وهل عمِلت على صون وحفظ الدولة ومرتكزاتها؟ متى كان ذلك؟ وأين؟ وكيف؟ مع يقيننا بأن في حفظ وصون الدولة وتعزيز مقوماتها المُتمثلة بـ (الشعب-الأرض-السلطة) هي حفظ وصون أمن واستقرار الشعب ومقدساته وأراضيه.

لا مناص من أن الجواب على الأسئلة أعلاه وما ينبثق من أسئلة أخرى هو: نعم! نعم حذّرت المرجعية العليا مرارا وتكرارا من الإرهاب والإرهابيين الذي داعش هو أحد صوره ومصاديقه. فتحذيراتها جاءت مبثوثة عبر أساليب خطابها المتنوع والموجه للجميع. ولعل منبر صلاة جمعة كربلاء هي أكبر الوسائل وأوضحها.

لذا أعرض هنا مساهمة متواضعة لرصد بعض مواقف المرجعية العليا بتقصّي أقوالها المُحذرة عن تلكم الأخطار، لتكون شاهدة وحجّة على من جَحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا. وبالتركيز على فترة قتال داعش والمحصورة ما بين خطبتي الجهاد والنصر وما بعدها لما لحق بالفتوى من ظلم وتعدّي وتشويه وتقوّل.. بمقال يحمل عنوان “هل حذّرت المرجعية الدينية العليا الأمّة من داعـش”، متسلسل على شكل حلقات مرقمة، تأخذ من جملة (هل تعلم بأنّ المرجعيّة الدينيّة العليا) التي تبدأ بها جميع الحلقات، لازمة متكررة موجبة للعلم والفهم (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) لمجمل مواقف المرجعية العليا حول ذات الموضوع. ربما نلمس مِن خلال هذا السِفر جهاد وصبر وحكمة المرجعية العليا في حفظ العراق بلدا وشعبا ومُقدسات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 77- هل تعلم بأنّ المرجعية الدينية العليا..

قد جدّدت تأكيدها من أنّ (التغيير نحو الأفضل لا يتحقّق إلا بأيدينا نحن المواطنون. فإذا لم نُرد التغيير أو لم نعمل له بصورة صحيحة فإنّه لن يتحقّق)! وكما قال الله تعالى: (إنَّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بقومٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم)!

ولا ينطلق تأكيدها هذا المتكرر حول الإنتخابات والدفع نحوها إلا من سَداد رأيها وصواب فكرتها وحرصها على المصلحة العليا للبلد.

لذلك أوضحت المرجعية العليا للجميع: (فمن لا يشارك في الانتخابات إنّما يُعطي الفرصة لغيره في رسم مستقبله ومستقبل أولاده وهذا خطأ لا ينبغي لأي مواطن أن يقع فيه).

أن جميع رؤى المرجعية العليا الخاصة بأوضاع العراقيين الصعبة إنما تنطلق من فهمها الوافي وإحاطتها الدقيقة لمجمل الأوضاع في العراق، فهي لا تظنّ أنّ أحدا يُنكر أن العراق يعيش أوضاعاً صعبة فمن الناحية:

  • الأمنية: حيث تشهد العديد من المناطق اشتباكات مسلحة وتفجيرات دامية وأعمال عنف تذهب ضحيتها المئات من الأبرياء وغيرهم . وقد يكون للعنف الجاري صبغة طائفية خطيرة تهدّد النسيج الوطني لهذا البلد.
  • السياسية: حيث نجد أنّ مواقف القوى السياسية متباعدة كثيراً على خلفيات إثنيّة وطائفية وغير ذلك . والمهاترات بينهم تملأ وسائل الإعلام . والاحتقان السائد يمنع الاستقرار السياسي في البلد .
  • الاقتصادية: حيث نلاحظ أنه بالرغم من توفّر موارد مالية كبيرة للعراق من عوائد بيع النفط إلا أنه لا توجد خطط تنموية حقيقية تنهض بالاقتصاد وتوفّر لجميع المواطنين حياة كريمة .

أمّا من ناحية استشراء الفساد المالي والإداري فحدّث ولا حرج، حتى عُدّ العراق من الدول الأكثر فساداً في العالم.

فلا غرو والحال هذا أن نرى المرجعية العليا تتوجه بخطابها مباشرة نحو جميع العراقيين: (إن كنتم تريدون أن تتغيّر أحوالكم نحو الأفضل فإنّ الخطوة الأولى والأساسية في هذا السبيل هي المشاركة الواعية في الإنتخابات النيابية. تحمّلوا المسؤولية وتوكّلوا على الله واستعينوا به ليُسدّد خطاكم فإنّه وليّ السداد.. “إنَّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بقومٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم”).

78-هل تعلم بأنّ المرجعية الدينية العليا..

قد أكدّت على عدّة مبادئ ضروريّة خلال زيارة قام بها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لسماحة المرجع الأعلى منها:

  • ضرورة نبذ الطائفية
  • اختيار الأكفأ في الإنتخابات المقبلة
  • تقديم المصالح الوطنية للعراق على المصالح الضيّقة .
  • الوقوف بوجه الفساد

وجرى التأكيد أيضا على (ضرورة أن يكون الشعب العراقي على درجة عالية من المسؤولية , في اختيار الأصلح والأكفأ والمُخلص في الإنتخابات البرلمانية المقبلة لأنها تمثل الطريق الوحيد للتغيير نحو الأفضل)!

79-هل تعلم بأنّ المرجعية الدينية العليا..

قد تطرّقت الى أمر مهم جدا يمّس صميم تعاملها مع قضايا الأمّة، وانبرت به مُدافعة عن مقام المرجعيّة الدينيّة من أن يُخدش مِن قبل مَن أساء الفهم عن قصد أو غير قصد. وقالت بالحرف الواحد: (ليس للمرجعية الدينية العليا موقف معلن وآخر يتمّ الإيحاء به لبعض الناس، موقفها واحد واضح لا لَبْسَ فيه)!

والنفي هنا جاء لرفع اللبس الحاصل مِن عدم فهمنا نحن لمُراد المرجعية العليا لمواقفها أو لنصوصها الصادرة أو لكلامها في خطب الجمعة الذي يتناول مجمل قضايا الأمّة المتنوعة، فنرمي المرجعية العليا بقصورنا وتقصيرنا بشتى التُهم لسوء فهمنا ولعل أقل ما نريه بها: هو أنها تُساوي بين الصالح والطالح، ولأنها تتنصل من مسؤولياتها الشرعيّة والعياذ بالله تعالى.

فالخطأ خطأنا لا خطأها والعيب والتقصير فينا: فكان ما كان مما لست أذكره.. فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر.

وبنفس الوقت جاء النفي ليؤكد نهجها الواضح والثابت سواء في المواقف السياسية أو الأمنية أو غيرها وفق المقاييس الشرعية والأخلاقية والوطنية التي تتبناها بما يحفظ بها المصلحة العليا للمذهب والبلد، وأن لها موقف واحد ثابت لا يتغير.

80-هل تعلم بأنّ المرجعية الدينية العليا..

قد تقدّمت بعدّة ملاحظات تخصّ أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية القادمتين، كون الإنتخابات البرلمانية قد جرت بنجاح في 30/4/2014، وهي أول انتخابات تجرى بعد انسحاب القوات الأجنبية من العراق. وهذه الملاحظات (ناشئة من واقع ويراد من هذا الواقع الذي مرّ أنْ يتغيّر ويتبدّل).

ولا يتم هذا التغيير إلا وفق منهج علمي واضح ومدروس سواء في السلطة التشريعية أو التنفيذية، وينطلق من قراءة التجربة الماضية وإخفاقاتها. ومن هذه الملاحظات ما يتعلق بـ:

أولاً: السلطة التشريعية (البرلمان)، والمطلوب منه هو: السعي الحثيث من قبل الأعضاء لإصدار القوانين المهمة التي تخدم الشعب، ووجود معارضة، ولابُدّ أنْ تكون معارضةً موضوعية تخدم الناس لا أنْ تكون معارضةً الهدفُ منها التعطيل، واللجان المًشكلة في المجلس لابُدّ أنْ تكون لجاناً فاعلة ولها قوة في متابعة ما أُوكِلَ إليها، وأن يُقوّى ويُعزّز الدورُ الرقابيّ للبرلمان .

 ثانيا: السلطة التنفيذية (الحكومة)، والمطلوب منها، السعي للخدمة التي يُعاني منها البلد وخصوصا في محاور الخدمات وتنفيذ المشاريع، والأمن، فمع الأزمات والتحدّيات الكبيرة والخطيرة لابُدّ من مراجعة صناعة الأمن، وإنهاء مشكلة العاطلين عن العمل، وإعطاء الوزارات للأشخاص المهنيّين، والحفاظ على ثروات البلد من الهدر.

81-هل تعلم بأنّ المرجعية الدينية العليا..

قد استنكرت منهج الإتهام والتسقيط التي عليها الكتل السياسية أثناء أداء أعمالها داخل قبّة البرلمان خصوصا فيما يتعلق بالمصالح العامة كالموازنة، وطالبت بتغيير هذا النهج (المطلوب حصول تغيير لهذا المنهج فالتغيير المنشود تغيير واسع يدخل في مجالات متعدّدة وبالذات ما يتعلّق بالعملية السياسية)!.

ونبّهت المرجعية العليا الى أن اعتماد هذا النهج الخاطئ سوف لن يقود الى تكوين دولة المؤسسات حيث قالت إن (اعتمادُ هذا النهج وهو الاتّكاء على المصالح العامة واستغلالها لتحقيق مكاسب سياسية هو نهجٌ خاطئ، وسوف لن يقود إلى تكوين دولة المؤسسات التي يمكن من خلالها تحقيق التغيير والتقدم المطلوب نحو الأفضل).

وحول تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات 30/4/2014، وانشغال القوائم الفائزة بتشكيل تحالف داخل البرلمان يفضي الى تشكيل الحكومة قالت المرجعية العليا: (نقول لابُدّ أن يكون أحد الدوافع المهمّة له (أي لإنشاء تحالف) هو الوصول إلى تفاهمات تعجّل في تشكيل الحكومة المقبلة وفق معايير مهنية وصحيحة للوصول إلى التغيير المنشود لا أنْ يكون الهدف من التحالف هو لتحصيل مكاسب سياسية أفضل في تقاسم المواقع الأساسية في الدولة بصورة عامة)!

وهذا دليل على أن المرجعية العليا تقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسين بما في ذلك (الكتل الشيعية) وهذا هو موقفها الثابت مذ انطلقت العملية السياسية. ونبّهت الى خطورة أن تكون الدوافع لتشكيل (تحالف) هو تحصيل مكاسب سياسية أو لتقسيم مواقع أساسية في الدولة: (فإن كانت هذه هي الدوافع فإنّنا سندخل في دوّامة من المساومات قد يتأخّر معها تشكيل الوزارة القادمة، بل ربّما نفقد اعتماد المعايير المهنية في تشكيل الوزارات بالإعتماد على الكفاءة والنزاهة وغيرها).

82-هل تعلم بأنّ المرجعية الدينية العليا..

قد أدانت بشدة اعتقال الأجهزة الأمنية العراقية للعشرات من طلاب الحوزة العلمية (من الجنسية الباكستانيّة) في النجف الأشرف تحت ذريعة تطبيق قوانين إقامة الأجانب في البلد ووصفتها بالإجراءات التعسفيّة والمهينة والقاسية.

وبغض النظر عن معرفة الدوافع السياسية الكامنة وراء هذا العمل المشين، ألا أنه يُعتبر سابقة خطيرة لنظام ما بعد التغيير الحاصل عام 2003، بل ويندرج ضمن ممارسات إرهاب الدولة واستغلال مؤسساتها لأغراض سياسية خارج نطاق الدستور والقانون.

وطالبت بالوقف الفوري لتلك الممارسات وإجراء تحقيق ومُعاقبة من قاموا بالفعل. حيث قال مصدر المسؤول في مكتب السيد السيستاني بأنّ ما قامت به الأجهزة الأمنية هذا اليوم من إجراءات تعسفيّه ومهينة وقاسية بحق عدد من الطلبة الباكستانيين في الحوزة العلمية وإعتقال العشرات منهم بذريعة تطبيق قوانين إقامة الأجانب في البلد مرفوضة ومدانة جدّاً، وان السلطات العليا مطالبة بوقف هذه الأعمال والتحقيق مع من قاموا بها واتخاذ الاجراء المناسب بحقهم.

83- هل تعلم بأنّ المرجعية الدينية العليا..

قد بيّنت الأسس العامة الرصينة التي ينبغي اعتمادها من قبل القادة السياسيين في تشكيل الحكومة الجديدة. وتعتبر هذه الأسس بحق خارطة طريق لذلك والأسس هي:

الأساس الأوّل : إشراك جميع مكوّنات الشعب العراقي في إدارة شؤون البلاد من أجل طمأنة هذه المكوّنات إلى أنّها تمارس دورها وحقّها في هذه الإدارة، وأنّها غير مهمّشة ولا يُمارس بحقّها الإقصاء في هذا الجانب، وهذا الأمر لا يعني اعتماد مشاركة أيّ شخص من المكوّن اتّكالاً على ولائه الحزبي أو الكتلوي أو المناطقي، بل لابُدّ من اعتماد مبدأ الكفاءة والنزاهة والقدرة على تقديم الخدمة فإنّ هذا هو الأساس والمعيار.

الأساس الثاني: اعتماد مبدأ المشاورة وإشراك الآخرين في الرأي، ومن ثم الحسم وسط الآراء المختلفة واتّخاذ ما يصبّ في المصالح العامة للشعب العراقي.

الأساس الثالث: اعتماد معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة والقدرة على تقديم الخدمة في اختيار المسؤولين والوزراء ومعاونيهم، دون التركيز على الولاءات الحزبية والكتلوية والمناطقية.

الأساس الرابع: اعتماد الحوار والجلوس إلى طاولة التفاوض والتفاهم لحلّ الأزمات والمشاكل وإن طالت الفترة الزمنية وفق سقف معقول لذلك، تحسّباً لاحتمال تعقّد الأزمة والمشكلة إن اعتُمِدَت لغة التصعيد والتراشق بالاتهامات المتبادلة بين الأطراف المختلفة.

وقد قرنت المرجعية العليا قيمة الأسس الحقيقية ونجاحها، أو مدى تأثيرها في تحقيق النتائج المرجوّة على (الجدية والإرادة الصادقة والحرص على التطبيق، من قبل الجميع بعيداً عن اعتماد هذه الأسس كشعارات برّاقة تُسوّق إعلامياً لغرض الكسب السياسي)!

84-هل تعلم بأنّ المرجعية الدينية العليا..

في الوقت الذي نراها تشكر القوات الأمنية لتصديها وإحباطها محاولة هجوم الإرهابيين على مدينة سامراء والتطاول على مرقدي العسكريين عليهما السلام في يوم الخميس 5/6/2014 وطردهم وقتل الكثير منهم، نراها تنتقد النوّاب الجُدد (الفائزين في الانتخابات) وتَعيب عليهم عدم احترامهم للقانون: (بقاء صور المرشحين للانتخابات.. أمر يُعدّ مخالفة للقانون.. وعلى الفائزين أن يتحمّلوا مسؤولية حقيقية، ويجب أن يُسأل، لماذا لا تحترم القانون؟).

وتساءلت عن السبب: (هل السبب يعود لضعف بعض الجهات؟ وهل هكذا يتمّ التعامل مع القانون؟ وهل لأنّك أصبحت نائباً في البرلمان لا تحترم القانون بسبب السلطة التي مُنِحت لك؟).

وشدّدت المرجعية العليا (يجب على البرلمانيين أن يدركوا جيداً أنّ البلد بحاجة إلى بناء مؤسّسات تخدم المجتمع وليس مؤسسات شخصية).

يتبع ..

نجاح بيعي

محرر الموقع : 2018 - 04 - 11