الطبيب والصيدلي صفقات على حساب المرضى
    

للمرة الرابعة على التوالي يطلبون منه طلب دوائه من صيدلية قريبة من عيادة الطبيب الذي كتب الوصفة، فليس بمقدورهم قراءة خط الطبيب الذي هو "شفرة" في الواقع، بالتالي لم يكن أمام المريض إلا اللجوء لتلك الصيدلية التي صرفت له الدواء بدقائق معدودة لكن بسعر مرتفع كونه يحتوي على (خلطة) علاجية لمرض جلدي. هذه حالة واحدة من عشرات الحالات اليومية التي تحدث في مجمعات الأطباء وغالباً ما يذهب ضحيتها المرضى، فضلاً عن صرف بعض الأدوية التي لايحتاجها المريض أو اجراء تحليل أو عرض سونار، وغير ذلك من إجراءات الفحص والكشف التي يتبعها بعض الأطباء لزيادة الربح بالاتفاق مع صيدليات ومختبرات معينة..

 

صفقات مشبوهة
عدد غير قليل من الأطباء باتوا يسعون للإثراء على حساب المرضى عبر صفقات مشبوهة مع صيدليات ومختبرات ومستشفيات أهلية تستنزف جيوب المرضى وتزيد فاتورة العلاج وترفع من تكاليف الوصفات الطبية. يقول المواطن علي حسين، عما يعتقد أنه استغلال لمعاناته الإنسانية من قبل بعض الاطباء في حديث لـ(المدى) إنه وعند مراجعته الطبيب المعالج لحالته المرضية وتوجهه للصيدلية لصرف العلاج، رفض عدد من اصحاب الصيدليات المجاورة لعيادة الطبيب، صرف الوصفة، ونصحوني بشرائها من صيدلية أخرى يتعامل معها الطبيب المعني، مردفاً كلامه بالقول، وحين تجاهلت نصيحتهم وطلبت منهم صرف العلاج الذي يبلغ ثمنه 35 ألف دينار، قالوا،  لا بأس سنصرفه لكن سيرفضه الطبيب!.
وأضاف حسين، فوجئت بإصرار الطبيب على تغيير العلاج بحجة عدم مطابقته الوصفة، وأخيراً استسلمت وجلبت الدواء من الصيدلية التي يتعامل معها الطبيب، لكن مع فارق كبير بثمن العلاج. مشيراً الى أن بعض الصيدليات تتعمد ختم الوصفة ليعرف الطبيب أنها مجهّزة من قبلهم، وأخرى تستخدم أكياساً خاصة تحمل اسم الصيدلية كدلالة للتعريف. موضحاً أن، بعض الصيدليات باتت لا تصرف وصفات اطباء معينين وينصحون المريض بمراجعة الصيدلية التي يتعامل معها الطبيب لأنهم يعلمون أن الطبيب المذكور سيقوم بإعادة الدواء الذي يشتريه المريض من صيدلية أخرى.
ولفت المواطن الذيقاري الى أن، الصفقات التي تجري على حساب المريض لا تقتصر على اتفاق الاطباء مع الصيدليات مقابل عمولة محددة، وإنما تشمل التحاليل المختبرية للمريض والفحص الإشعاعي والسونار والرنين وتخطيط القلب. مضيفاً، كذلك الاتفاق مع المستشفيات الأهلية وغيرها من الأمور التي تتعلق بعلاج المريض واستنزاف أمواله.

جشع غير مبرر
 مرضى كثيرون أكدوا ما ذهب إليه المواطن علي حسين، مشيرين الى أن بعض الأطباء يحصلون على "عمولة خاصة" مقابل صرف كل وصفة دوائية أو فحص مختبري يجريه المريض لدى صيدليات ومختبرات يحددها الطبيب. إذ يقول المواطن حيدر كريم، إن هناك اتفاقات بين بعض الاطباء والصيادلة والمختبرات أو عيادات الأشعة والسونار، وذلك بإرسال المرضى إليهم مقابل نسبة مالية، وهذا يتنافى مع أخلاق المهنة الطبية التي هي ذات طبيعة انسانية أكثر منها مادية. مشدداً على ضرورة معالجة هذا الأمر من قبل الجهات الحكومية المعنية أو النقابية.
فيما شبّه أحد المواطنين الأطباء الذين يعقدون صفقات مالية مع الصيدليات على حساب المرضى، بسائقي سيارات الأجرة على الطرق الخارجية، الذين يرغمون الركاب على تناول الطعام في مطعم محدّد مقابل عمولة ووجبة طعام مجانية للسائق يمنحها صاحب المطعم الذي بدوره يفرض على الركاب أسعاراً عالية على وجبات الطعام.
وقال المواطن خالد الناصري، إن الطبيب يمتهن مهنة انسانية، وعليه أن يكون قنوعاً وأن لا يأخذه الجشع لاستغلال المرضى الفقراء، مضيفاً، أن الكثير من المرضى يعجزون عن توفير أجور المعاينة وثمن وصفة العلاج. متسائلاً، فلماذا يطلب منهم بعض الأطباء شراء الدواء من صيدلية محدّدة وهم يعلمون أنها تبيعه بسعر أغلى من مثيلاتها؟.
وبالمقابل أشاد الناصري بالأطباء الذين يتعاطفون مع المرضى، مشيراً الى أن بعض الاطباء الاختصاص قام بتخفيض أجور المعاينة من (15) ألف دينار الى 5 آلاف دينار مراعاةً للمرضى الفقراء.

سفرات سياحية للأطباء على حساب الصيادلة
ومن جانبه قال الإعلامي وسام السيد طاهر لـ(المدى) إن الفوضى الطبية باتت تتضاعف وتتفاقم في ظل غياب الرقابة الفاعلة والعقوبات الرادعة لمن تسول له نفسه استغلال معاناة المرضى.  متابعاً، فهنالك أطباء مثل اللاعبين المحترفين يتنقلون بين المجمعات الطبية التي يمتلكها اصحاب صيدليات ومذاخر الأدوية لقاء أموال ونسبة،  مشيراً الى أن احاديث الناس باتت تتطرق الى انتقال أحد الاطباء الى مجمع طبي جديد مقابل ٦٠ ألف دولار بينما دفع صاحب صيدلية ثمن سيارة حديثة لطبيب آخر مشهور كي يتعامل معه حصراً ويضيف أدوية لا يحتاجها المريض.
وأضاف الإعلامي: أن بعض الاطباء وعوائلهم يسافرون مرات عدّة لدول اوروبية على حساب اصحاب الصيدليات .منوهاً الى أن الكثير من الاطباء باتوا يشترطون شراء الأدوية من صيدليات محددة ويرفضون اي أدوية من صيدليات أخرى.
ويعزو بعض الأطباء إصرارهم على التعامل مع صيدليات أو مختبرات أو عيادات أشعة وسونار بعينها دون غيرها إلى تأمين تلك الصيدليات والعيادات لنوعيات خاصة من العلاجات التي يستخدمونها في معالجة مرضاهم، ودقة الفحوصات، منبّهين إلى اختلاف نوعيات ومواصفات العلاج تبعاً للمنشأ أو الشركة المصنعة.

نقيب الأطباء ينفي ويدافع
وعن الاتهامات الموجّهة للأطباء حول استغلال المريض بالتواطؤ مع اصحاب الصيدليات، قال نقيب الأطباء في ذي قار الدكتور عبد الحسن النيازي لـ(المدى) إن الادعاءات بوجود صفقات بين الطبيب والصيدلي لاستغلال المريض معظمها كاذبة وكيدية، ونحن نطالب من يتعرض للاستغلال بأن يتوجه الى نقابة الأطباء وتقديم شكوى ليتم التحقيق ومحاسبة المقصر بدلاً من اللجوء الى التشهير بجميع الأطباء. مبيناً أن معظم ما يكتب في حملات التشهير هو كاذب، وإن وجود حالات نادرة لا ينبغي تعميمها على جميع الأطباء.
وأشار النيازي الى أن المريض من حقه أن يجلب الدواء من أي صيدلية يشاء، وليس ملزماً بشراء الوصفة الطبية من صيدلية معينة. مضيفاً، وفي حال ارغامه من قبل الطبيب، من حقه أن يتقدم بشكوى ضده في نقابة الأطباء لتتم محاسبة الطبيب المخالف بعقوبات تبدأ من الإنذار حتى غلق العيادة، وفي حالة تكرار المخالفة يتم سحب هوية الطبيب وحرمانه من مزاولة المهنة.
ونفى نقيب الأطباء وجود وصفات مشفّرة، لكنه استدرك، نعم هناك خطوط غير مقروءة عند بعض الاطباء ويتعذر قراءتها من قبل البعض من المتواجدين في الصيدليات وبخاصة من غير الصيادلة كون بعض الصيدليات تستعين بكوادر وسطية كمساعد صيدلي في ادارة الصيدلية. مضيفاً، أن حملات "الفيس بوك" ضد الأطباء ولدت حالة من الاحباط وعدم الرغبة بالعمل، وهذه الحملات بمعظمها مبنية على مزاعم غير حقيقية. مضيفاً: فحتى من قام بنشر الوصفة الطبية وادّعى انها مشفّرة، جاء الى نقابة الاطباء مؤخراً وقدم اعتذاراً رسمياً للطبيبة والصيدلي، بعد أن تبيّن له أن الوصفة غير مشفّرة، وانه تسرع بإصدار الاحكام على الآخرين.

12 طبيباً فقط ؟!
واسترسل نقيب الأطباء في ذي قار، أن نقابة الاطباء عملت في الآونة الأخيرة بالترويج لاعتماد كتابة الوصفة بصورة الكترونية بدلاً من الكتابة اليدوية. مردفاً، وحالياً هناك (12) طبيباً يستخدمون الوصفة الالكترونية، ومن المؤمل أن يتبنى معظم الأطباء استخدام هذه الطريقة خلال سنة لتجنب المشاكل الناجمة عن عدم قراءة الخط في الوصفة الطبية.
وحول تواطؤ بعض الاطباء مع المستشفيات الأهلية على حساب المريض، قال النيازي، إن اي طبيب يرغم المريض على اجراء عمليات جراحية في المستشفيات الأهلية يتعرض للعقوبة. مستدركاً، لكن هناك حالات يُخيّر فيها المريض بين اجراء التداخل الجراحي في المستشفيات الحكومية بعد مدة محددة وضمن جدول خاص بالعمليات، وبين اجراء العملية بصورة سريعة في المستشفيات الأهلية، وهنا الخيار يعود للمريض نفسه. لافتاً الى أن جدول العمليات لدى الأطباء في المؤسسات الصحية الحكومية عادةً ما يكون مزدحماً لهذا يتم التأجيل، فلكل طبيب يوم محدد بالاسبوع لإجراء العمليات لعدد محدد من المرضى، وهذا ما يستدعي تأجيل مواعيد العمليات في المستشفيات الحكومية لأقل من شهر أو اكثر من ذلك. منوهاً الى أن الطبيب الذي يقوم بإرغام المريض على العلاج بالمستشفى الأهلي وقائمة عملياته في المستشفى الحكومي فيها مجال لإجراء المزيد من العمليات، سوف يُحاسب في حال تقدم المريض بشكوى الى النقابة. مشدداً، نحن اطلاقاً لا نسمح بابتزاز المريض في حال وجود مجال في اجراء العمليات في المستشفيات العامة وإرغامه على اجرائها في المستشفيات الأهلية.

تسعيرة دوائية تحتاج لمتابعة
العشرات من المواطنين والصيادلة في محافظة ذي قار، نظّموا يوم السبت المصادف  12 آب 2017،  وقفة احتجاجية في ساحة الحبوبي وسط الناصرية، لرفض التأخير الحاصل بإصدار تسعيرة للأدوية، مطالبين وزارة الصحة التعجيل بإصدارها للحدّ من التلاعب بالأسعار وضمان حق الصيدلي والمواطن معاً.
ممثل نقابة الصيادلة في ذي قار حيدر حويس الشويلي قال لـ(المدى) إن وجود الصفقات بين الطبيب والصيدلي قد تكون موجودة، وبالتأكيد أن المتضرر منها هو المواطن نتيجة عدم وجود تسعيرة رسمية محددة للأدوية وتعدد المناشئ التي يستورد منها الدواء، لكن مثل هذه الصفقات إن كانت موجودة، ستنتهي في حال اصدار تسعيرة رسمية للدواء من قبل وزارة الصحة. مضيفاً، فالمواطن عند وجود التسعيرة على علبة الدواء يصبح بإمكانه محاججة الصيدلي في حال التلاعب بالأسعار ورفع سعر الدواء. مشيراً الى أن تحديد سعر الدواء سيحد بصورة كبيرة من الصفقات بين الصيدلي والطبيب. مبيناً أن بيع الدواء بالسعر الرسمي، سيضطر الصيدلي الى دفع ثمن الصفقة من ماله الخاص وليس من الأرباح الناجمة عن زيادة سعر الدواء عند عدم وجود التسعيرة.
وأضاف الشويلي، أن تسعيرة الدواء من شأنها أن تحد من ثلاثة أرباع المشكلات التي تحدث بين المواطن والصيدلي، ومن بينها التلاعب بأسعار الدواء والاتهامات الموجهة للصيادلة من قبل بعض المواطنين والتي تصفهم بالجشع. 
وعن الوصفات المشفّرة، قال ممثل نقابة الصيادلة، إن مسألة الوصفات المشفّرة لا يمكن نفيها ولا يمكن تأكيدها كون الحالة لم تعرض على النقابة حتى الآن لتتحقق منها بصورة مهنية. مستدركاً، لكن ما يحصل هو أن بعض الاطباء يكون خطّه في الكتابة ضعيفاً، وهو ما يجعل البعض يتصور أن الوصفة مشفّرة، وإن فك الشفرة لا يكون إلا عند صيدلية معينة. مردفاً بالقول، إلا أن الحقيقة هي أن الصيدليات القريبة من الطبيب "صاحب الخط الضعيف" يمكنهم قراءة تلك الوصفة بفعل الممارسة وتكرارها عليهم واتقانهم قراءة خط ذلك الطبيب.

300 صيدلية فقط ؟!
ودعا ممثل نقابة الصيادلة في ذي قار الجهات المعنية بالرقابة الدوائية الى اعتماد شركات رصينة لاستيراد الادوية وزيادة مراكز فحص الدواء، كون العراق حالياً، يعتمد على مركز واحد لفحص الأدوية في بغداد، وهذا ما يتسبب بالتأخير، وبالتالي يضطر الصيدليات الى استخدام الأدوية غير المفحوصة وبيعها على المواطنين. مطالباً، باستحداث وفتح مراكز لفحص الادوية في جميع المحافظات لتسهيل عملية فحص الادوية وتوفيرها للمواطنين. 
تعمل في محافظة ذي قار نحو 300 صيدلية أهلية تتوزع على عموم الوحدات الادارية بالمحافظة، وعن دور النقابة الرقابي على عمل الصيدليات الأهلية، قال الشويلي إن، نقابة الصيادلة وقسم التفتيش والرقابة على الدوائر الحكومية وغير الحكومية في دائرة الصحة، تقوم بإجراءات وجولات رقابية دورية تشمل جميع الصيدليات، وقد أسفرت هذه الجولات عن محاسبة وغلق عشرات الصيدليات المخالفة لقانون مزاولة مهنة الصيدلة الصادر عام 1966 والذي تضمن 60 مادة تحدد عمل الصيدليات. لافتاً الى أن، ابرز المخالفات المسجّلة تتمثل باعتماد بعض الصيادلة على اشخاص آخرين بإدارة الصيدلية من دون تواجدهم بالصيدلية وبيع الأدوية بأسعار مرتفعة، وهذه المخالفة الأخيرة يتعذر على النقابة والجهات الرقابية النظر فيها في ظل غياب قانون تسعيرة رسمية للدواء، وهو ما طالبنا بإقراره سابقاً ونطالب الآن.
بهذا الشأن شهدت محافظة ذي قار في الأعوام الأخيرة، قيام بعض الصيدليات الأهلية بترويج للأدوية والعقاقير الطبية المقلّدة وغير المرخّصة بصورة رسمية، وهو الأمر الذي أخذ ينعكس سلباً على صحة المرضى الذين يتعاطون تلك العقاقير والأدوية. وفي الثالث من تموز الماضي، أغلقت دائرة صحة ذي قار 14 صيدلية في عموم المحافظة لمدة اسبوع وفرضت غرامات مالية على اصحابها وسحب ومصادرة الأدوية المقلّدة وغير المرخّصة من قبل وزارة الصحة، مؤكدة مخالفة الصيدليات المذكورة للضوابط المعتمدة.

 

محرر الموقع : 2017 - 09 - 10