الكتيبة الأممية.. يساريو العالم يلتقون على جبهة قتال «داعش»‎
    

جبهة القتال فى الرقة تجمع المقاتلين الأجانب فى صفوف داعش معتنقين فكراً يمينياً متطرفاً، وعلى الجانب الآخر من الجبهة وقف الشيوعيون والأناركيون، شباب من أوروبا وأمريكا وشرق آسيا أتوا تحت مظلة الفكر اليسارى الشيوعى لمحاربة أقصى اليمين الفكرى تحت مسمى الكتيبة الأممية، تلاقوا على جبهة واحدة، اختلفت الأهداف والأفكار وتشابه السلاح على الأكتاف.

منهم من أتى يحمل فى قلبه قضية وطن تشبه قضية الأكراد، مثل الأيرلنديين الذين يعانون من مشاكل حقوقية مع الحكومة البريطانية ومواطنى جزيرة سريدينا الذين يحلمون بالاستقلال عن الاحتلال الإيطالى بجزيرتهم.. منهم من أتى ليشارك أفكاره ويتبادل الخبرات، ومنهم من أتى كى يتعلم حمل السلاح وينقل تجربة الكفاح المسلح.

بملامح أيرلندية وشارب أصفر طويل ووشم على ذراعه من ثلاثة مراكب «يعتز به» رمزاً لقريته، وبلكنة إنجليزية أيرلندية ريفية يقول «توربان» من أيرلندا، محصل أموال فى سوبر ماركت، (30 سنة): «أتيت هنا للانضمام للكتيبة الأممية لمحاربة المتطرفين والفاشيين الذين كانت تدعمهم الولايات المتحدة الإمبريالية فى السابق، وأتيت هنا لأننى مؤمن بالفكر اليسارى، كما أننى مؤمن جداً بفكر عبدالله أوجلان، وأنتمى للحزب الشيوعى الأيرلندى، كما أن وجود كتيبة أممية من دول الغرب خارجة عن هيمنة الجيش الأمريكى والبريطانى والفرنسى رمزية مهمة جداً فى حرب داعش».

رفض «توربان» أن يتم تصويره خوفاً من السلطات فى أيرلندا، حتى لا يصبح مطلوبا أمنياً بعد عودته، ويربط «توربان» بين القضية الكردية والقضية الأيرلندية ومعركة الشعب الأيرلندى مع بريطانيا، فيقول: «هناك تشابه قوى بين قضية الأيرلنديين وقضية الأكراد، أهم الأسباب التى جعلتنى أنضم إلى قوات سوريا الديمقراطية هو أن الشعب الكردى عانى نفس معاناة الشعب الأيرلندى، خاصة ما عانيناه من البرجوازية الإنجليزية، نحن لدينا نوع من الاستقلال غير الكامل، ويوجد صراع ولكنه غير مسلح إلى الآن، فالصراع المسلح انتهى منذ 20 عاماً مضت».

وعن كيفية سماعه عن الكتيبة الأممية يقول «توربان»: «شبكات التواصل الاجتماعى على الإنترنت ظهر عليها الكثير من الدعاية حول تكوين كتيبة أممية لمحاربة الدواعش، كما أننى قرأت من قبل عن القضية الكردية، وكيف أن لها جناحاً يمينياً متمثلاً فى بارزانى، وجناحاً يسارياً متمثلاً فى أوجلان، وأنا متأثر بالفكر الاشتراكى، وعلمت بوجود حرب فى كوبانى فتحمست للفكرة».

قضى «توربان» هنا 16 شهراً، مع مجموعة كبيرة من الأيرلنديين بالكتيبة، معظمهم يعتنقون الفكر اليسارى، وعن كيفية تجمعهم وهل كانت بطريقة حزبية أم فردية يقول: «البعض أتى بتنظيم مسبق لمجموعات فى أيرلندا، وآخرون اتفقوا عبر الإنترنت، وكذلك فعل اليونانيون والأتراك اليساريون، ولدينا شهداء أتراك ويونانيون».

ويضيف: «رغم أن الكتيبة ليس لديها اعتقاد بأن من يموت أثناء القتال سيذهب إلى الجنة إلا أنهم يقاتلون بضراوة من أجل الناس والأرض وحماية الأجيال القادمة حتى لا يموتوا بلا ثمن».

وعن مدى خطورة وجوده فى الكتيبة وتخوفاته يؤكد: «سوف تكون هناك مشاكل ليس فقط من الشرطة البريطانية أو استهداف الدواعش عائلتى بأيرلندا ولكن ما يثير غرابتى أن النظام فى بلادى يخشى أن نأتى هنا ونكتسب خبرة فى القتال، ولكن من الغريب أنهم يتركون الدواعش الأجانب يعبرون الحدود إلى هنا وإلى ليبيا».

بوجه برىء وصوت خفيض ونظارة قراءة وطريقة فى الحديث أنبأت عن دراسته للتاريخ والفلسفة، يقف «سيبان» من سريدينا، وهى جزيرة بين فرنسا وإيطاليا، وهى مستعمرة إيطالية، ليبرر مجيئه إلى هنا على جبهة القتال قائلاً: «أتيت هنا إلى روج أفا لأشارك بثورتها وأساند المقاتلين ضد داعش، وعقب الانتصار على التنظيم سوف أعود إلى بلدى، وأناضل من أجل الاستقلال، ليس فقط بالسلاح بل بالثقافة أيضاً مثل ما يفعل الأكراد هنا».

أتى إلى هنا منذ 5 أشهر وسوف يبقى شهراً آخر، لا يبدو عليه أنه يمكن أن يحمل سلاحا، يضيف «سيبان»: «نعم قبل أن آتى إلى سوريا لم أحمل سلاحاً قط، ولكن اليوم يجب أن أحمل السلاح، وحتى حين أعود إلى أوروبا علينا أن نتحمل السوريين».

ويجيب «سيبان» عن تساؤل حول وجه التشابه بين دولة كاملة محتلة لجزيرته و«داعش» قائلاً: «التشابه ليس فى حجم المستعمر ولكن التشابه يكمن فى القضيتين الكردية والسردينية، فكما يُحارَب الأكراد فى ثقافتهم ولغتهم فنحن أيضا يفرض علينا الإيطاليون أن نتحدث لغتهم».

وعن شعوره وهو يقاتل بالجبهة يقول «سيبان»: «أشعر أن الإدرينالين عندى يصل إلى أقصى درجاته، خاصة أثناء قتال الإرهابيين، سافرت للعراق ولم أسافر عن طريق تركيا لأنى علمت بأن هناك مشكلة كبيرة تعرض لها الكثير من المقاتلين الأجانب الذين كانوا يريدون الانضمام إلى الكتيبة بالقبض عليهم والتحقيق معهم، لذا لم أستطع أن آتى من خلالها».

أما «فرانسوا» من باريس فيشرح السبب وراء مجيئه إلى روج أفا قائلاً: «جئت إلى هنا كى أشارك بالثورة الكردية كنوع من المغامرة، فأنا لدى نشاط يسارى فى فرنسا، ومنضم لمجموعة سياسية تجمع بين الأناركية والشيوعية».

ويروى «فرانسوا» كيف سمع عن القضية الكردية: «عندما كان عمرى 16 سنة فى 2012 سمعت عن القضية الكردية فى روج أفا، ولكن عمرى لم يسمح لى بالقدوم إلى هنا، وهناك فى فرنسا جالية كردية تجمعها علاقة باليسار الفرنسى، لذلك فقد كنت محظوظا أن أتواصل مع أشخاص من البكاكا (حزب العمال الكردستانى) ليسهلوا وصولى إلى هنا».

وعن مدى التعارض بين كونه ناشطاً سياسياً توعوياً فى المجتمع الفرنسى، ودوره كمقاتل يحمل سلاحاً يقول «فرانسوا»: «لا أرى أى تعارض بل هناك نوع من المنطق أن أكون ناشطاً محارباً، وأخطط بعد الانتصار على داعش أن أقضى هنا شهرين أو أكثر حتى أستمتع بالحياة المدنية أيضا فى روج أفا وأستفيد من التجربة، أجد نفسى فكرياً قريباً من الثورة الإسبانية».

وعن مستقبل الكتيبة الأممية يوضح: «أنا لا أعرف ما هو مستقبل العلاقة ولكنى أتمنى أن تستمر العلاقة والتنسيق بين أفراد الكتيبة».

وافق «أندرو» على التصوير معه لكنه أصر أن يكون ملثماً، «أندرو»، 20 سنة، من هولندا يقول عن تجربته فى الحرب على داعش بالرقة: «أتيت إلى هنا منذ 5 أشهر وأريد أن أشارك فى حملة تحرير الرقة، فأنا يسارى وأبى فى الأساس مسلم يسارى، وأمى من البوسنة، وأفضل المنهج اللا سلطوى (الأناركى)، وهو المنهج الذى يقف ضد أى قولبة أو حكومة أو بوليس، المجتمعات هى من تعتنى بنفسها وتدير نفسها بنفسها، وهو شبيه بالحكم الذاتى هنا».

حمل «أندرو» السلاح هنا فى روج أفا للمرة الأولى، وواجه مقاتلى داعش على الجبهة الأمامية للقتال، وعن داعش يقول: «أعلم أن داعش لا يمثل الإسلام الحقيقى، وأنهم سوف يُهزمون فى كل معركة، وكنت أدرس الإعلام فى باريس ولكنى عملت بالبناء والترميم وأيضا الزراعة».

حينما قرر «أندرو» المجىء إلى الشرق لحمل السلاح تركته صديقته ولكنه ليس نادماً على قراره، فهو يرى أن إقامته هنا أهم، كما أن والداه أيضاً قلقا عليه فى البداية رغم أنه لم يخبرهما أنه أتى للقتال بل للعمل المجتمعى الميدانى ثم أخبرهما.

أبى «أندرو» أن يكشف كيف وصل من هولندا إلى سوريا، ولكنه لخص الوضع فى جملة واحدة ترافقها ابتسامة: «استطعت الحصول على تذكرة طيران وأتيت».

هو واحد من أربعة يساريين أسسوا معاً الكتيبة الأممية، أتى إلى روج أفا قبل ثلاث سنوات، وبدأ فى تكوين كتيبته الأممية منذ عامين، إنه ماهر باكرجام (25 سنة) من تركيا، عضو فى الحزب الشيوعى الماركسى اللينينى فى تركيا، يتحدث بقوة الزعماء، لا يخشى حتى دولته التى بات مطلوباً بها، وعن مدى خوفه من الحكومة التركية إذا ما رأته هنا وعلمت كيف كون الكتيبة يقول «ماهر»: «أنا لا أخشى الحكومة التركية، ونحن فى حرب مع الحكومة التركية التى نعتبرها فاشية، وسوف يكون هدفنا نشر الفكر الشيوعى فى العالم».

ويتحدث «ماهر» عن الجنسيات المشاركة فى طابوره الذى يشرف عليه فى الكتيبة «الكتيبة مؤلفة من عدة جنسيات ففيها أوروبيون وأمريكيون وصينيون وأتراك وعرب وعلويون، جميعهم ضد الفاشييين وهم مقسمون بين الأناركية والشيوعية».

وعن كيفية استطاعته جمع كل هذا العدد من كل هذه الدول يقول «ماهر»: «لا أستطيع أن أعطى تفاصيل كثيرة، ولكن البداية كانت منطلقة من كوبانى وبعدها أنشأنا حملة على الإنترنت، وساعدتنا الجاليات التركية فى الغرب، ولكن دون الكشف عن تفاصيل، فنحن حريصون على أمان المجموعة فى الداخل والخارج».

ويشرح «ماهر» مدى تواصل عناصر الكتيبة بعد الانتصار على داعش: «نحن كتيبة أممية، فأينما طلبنا بأى مكان فى العالم للحرب ضد الفاشية والإرهاب سوف نلبى النداء، وسوف نظل موجودين، وتأثيرنا ليس فقط معنوياً فى المعركة بل على الأرض أيضا كان لنا شهداؤنا وإنجازاتنا فى المعركة ضد داعش».

بملامح وجه مطمئنة على عكس رفاقه يوافق «آرجيش» (28 سنة) من الولايات المتحدة الأمريكية على التصوير دون شروط، فقد كان يعمل سابقاً مع منظمة إنسانية فى كردستان العراق ثم قرر الدخول إلى سوريا لمحاربة داعش وتحرير الرقة منذ 4 أشهر، يقول «آرجيش»: «أنا مؤمن بفكرة الفيدرالية الديمقراطية وتطبيقها فى كل مكان بالعالم وليس بالشرق الأوسط فقط، واكتسبت هنا خبرات كبيرة فى القتال وعلمت أن داعش أعداء أذكياء جداً، ولا تستطيع توقع ضرباتهم لذا عليك أن تكون مستعداً لهم دائماً».

«آرجيش» ليس له أى نشاط حزبى بالولايات المتحدة، ولكنه يسارى الهوى يؤمن بالمجتمع التحررى، وبابتسامة مطمئنة يجيب «آرجيش» عما إذا كان خائفاً من العودة إلى أمريكا ووضعه فى قائمة سوداء: «ليس عندى أى قلق لأن بلدى نفسه يقود تحالفاً هنا للحرب على داعش».

ولكن عائلته بالولايات المتحدة لم تكن تعلم حقيقة انضمامه للحرب ضد داعش، بالتدريج أخبرهم حتى أصبح يعطيهم التفاصيل اليومية لمشاركته بالحرب، يقول «آرجيش»: «لم تفاجأ عائلتى كثيراً واهتموا بمعرفة يومياتى مع داعش على الحبهة، وسوف أظل أحارب حتى ينتهى داعش فى سوريا كلها، ثم سأتطوع للعمل فى جامعة قامشلى لتدريس العدالة الاجتماعية فأنا حاصل على درجة علمية من جامعة شيكاجو».

«جون» (24 سنة) من الولايات المتحدة أيضا أتى إلى سوريا بمفرده كى يحارب داعش وينضم إلى قوات (YPG)، يقول «جون»: «أتيت إلى هنا لمحاربة داعش، وكنت أود المجىء بشدة إلى سوريا، وأنا هنا على الجبهة الأمامية للقتال أشعر بأننى أعمل شيئاً عظيماً عندما أقابلهم على جبهة القتال».

لن يكمل «جون» العام هنا فى سوريا، فهو يرى أن داعش قد انتهى هنا، حتى لو بقيت معركة دير الزور، فقد كانت الرقة هى كل شىء، ولكنه سوف يأخذ استراحة محارب ثم ينطلق للحرب مع الكتيبة الأممية فى مكان آخر.

أما كيم تيلور، من بريطانيا (20 سنة) فتقول: «أنا هنا منذ عام ونصف العام، جئت من أجل المشاركة فى بناء نظام ديمقراطى جديد فى سوريا، ربما يكون بدأه الشعب الكردى ولكن الدول العربية جميعها بحاجة إلى هذا النظام الديمقراطى، ولذلك قامت ثورات الربيع العربى فى مصر وتونس وسوريا وليبيا، إنها القوة التى تمتلكها الشعوب فى مواجهة دعم الدول الغربية للأنظمة الفاشية».

وتضيف «كيم»: «أنا هنا من أجل المرأة العربية والكردية التى تم التنكيل بها من قبل تنظيم داعش، ولا أنتمى لأى حزب يسارى فى لندن، ولكننى ناشطة سياسية أشارك فى المظاهرات، وهنا اكتشفت الديمقراطية الحقيقية بعد انضمامى للحرب ضد داعش، فما لدينا فى الغرب ليس ديمقراطية، وهنا مجتمع جديد يتيح للمرأة أن تبنى حياتها وتشارك فى كل شىء، سوف تكون هذه رسالتى التى على أن أنشرها فى الأيام القادمة فى أى مكان أذهب إليه».

وتابعت: «سمعت عن فتيات الياباجيه وقررت الانضمام لهن، لأن دور المرأة ليس أن تكون مسالمة ولطيفة فقط، هنا وجدت المرأة المقاتلة، فبقدر ما تعانى المرأة عليها أن تتعلم كيف ترفع المعاناة عن نفسها».

وعن خطواتها القادمة تقول «كيم»: «سوف أذهب إلى قامشلى للراحة مع الأصدقاء، ولكنى سوف أكمل القتال ضد داعش فى أى مكان بسوريا وبعدها أتفرغ للعمل الأهلى فى مجال المرأة فى روج أفا، ولا أشعر بالخوف من أى رد فعل لدولتى، ولكن أتوقع اتهامات ليست مرتبطة بالإرهاب فلدينا الكثير من الرجال والنساء فى السجون، فلن يتهموننى بالإرهاب ولكن سوف يحاولون السيطرة علىّ وإلزامى بالصمت، ولكنى سوف أخبرهم بأننى لن أكون خائفة أو مبالية إذا أرادوا إفزاعى، وأسرتى تعلم أننى أستطيع الاعتناء بنفسى، وهم يتفهمون شخصيتى المستقلة القوية ولا يخشون علىّ من شىء».

لا يعرف أحد اسماً آخر له سوى «مصطفى» (55 عاماً)، أتى إلى روج أفا منذ أكثر من عامين، اختار لنفسه اسماً منتشراً فى المنطقة وهو «مصطفى»، حيث كان يسمى كثير من الأكراد فى الحقبة الماضية أبناءهم بهذا الاسم اعتزازاً بملا مصطفى بارزانى، القائد الكردى بكردستان العراق، يحرص «مصطفى» على الحديث ببعض الكلمات العربية، ثم يشرح لماذا أتى إلى هنا «أنا إنجليزى الأصل، هاجرت إلى الولايات المتحدة منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، وعملت بالتمثيل فى أدوار بسيطة، وعندما سمعت عن داعش تمنيت أن أحاربهم».

يحمل «مصطفى» السلاح ويحارب على الجبهة الأمامية، ولكنه لا يتوقف عن إلقاء النكات وعمل بعض الألعاب السحرية البسيطة، يقول «ليس لىّ عائلة أو أطفال ولكنى قررت أن يكون لى هدف غير التمثيل الذى لم أستطع تحقيق النجاح المنشود فيه، قررت أن أحارب الإرهاب فى أى مكان، وبعد الرقة سوف أذهب إلى دير الزور وفى أى مكان يوجد به داعش سوف أذهب لألقاهم على الجبهة، لقد كنت أقرأ عن جرائمهم فى حق البشرية وأتميز غيظاً، وحين التحقت بقتالهم شعرت بأننى حققت سلامى النفسى بمحاربة أكبر تنظيم إرهابى بالعالم».

 

 

محرر الموقع : 2017 - 10 - 30