في العراق ...عشرات المليارات من الدولارات تُهدر على سيارات غير صالحة
    

اضطر وليد إلى بيع مصوغات زوجته الذهبية لإتمام مبلغ شراء سيارة صينية من الشركة المستوردة، وهو بذلك حسب تقديره وما هو متعارف عليه، قد ضمن عدّة أشياء، أولها سهولة تحويل الملكية والرقم، وثانياً فترة التصليح والصيانة والمواد الاحتياطية، فضلاً عن نوع السيارة التي يفترض أنها حديثة وبمواصفات جيدة. فيما اضطر علي إلى استدانة جزء من مبلغ شراء السيارة ودفعه الى شركة صيرفة على شكل أقساط شهرية، بما يجنيه من عمله بالسيارة حمل 2 طن صينية الصنع ، وبالطبع هناك العشرات بل المئات مثل وليد وعلي كانوا يمنّون أنفسهم بوجود رزق يومي يوفّر لهم قوت عوائلهم ويسدّ احتياجاتهم ..

 

أحلام وليد تتبخر 
أتمّ وليد عملية التسجيل على سيارة (جنبي) حمل 2 طن، وأعطيّ موعد تسليم محدداً وفقه. ذهب وتسلّم السيارة، لكن بسبب قلة خبرته بهذا الشأن، لم يقم بإجراء عملية الفحص اللازمة، وصل بها الى البيت، وكعادة العائلة العراقية، نحر وليد خروفاً ووزّعه على الجيران والمعارف، لكنه في اليوم الثاني، تفاجأ بأن السيارة لاتعمل، أعاد تشغيلها من دون جدوى، استعان بشقيقه مع (دفعة) عملت السيارة، لكن الكهربائيات لاتعمل، وما يعرف بعدّاد السرعة، يدور بالعكس وأعطال أخرى أجبرته على العودة الى مركز الاستلام لمعرفة ما في السيارة. أخبروه بمراجعة مركز الصيانة، ولأن السيارة تتعكز بسيرها استعان بـ(كرين) سحبها وأوصلها الى مركز الصيانة. تم الفحص وبعد يومين تسلّم سيارته جاهزة. عاد الأمل وارتسمت صورة الأحلام بالعمل والسرعة بإعادة مصوغات زوجته، لكن سرعان ما تبخرت أحلامه بسبب أعطال السيارة وسوء التصليح في مركز الصيانة، ناهيك عن الأدوات الاحتياطية المرميّة في العراء، كما بيّن وليد بحديثه، وها هو اليوم يدور بسيارته في معارض بيع وشراء السيارات، عسى أن يجد من يشتريها، رغم أنه سيخسر بها مبلغاً ليس بقليل، لكنه حسبما بيّن، أخسر جزءاً أفضل من خسارة كل رأسمالي..


التخلّص من شر السيارة
من أهمّ عيوب السيارات الصينية هي سمعة المنتجات الصينية في السوق العراقية، حيث معروف لدينا، أن الصيني صناعة رديئة لاتتمتع بأيّ جودة. وهذا ما يتضح في سوق السيارات، فشراء سيارة صينية لنفترض ثمنها 8 آلاف دولار، بعد أشهر قليلة تصل الى 6 آلاف وربما أقل. عكس السيارات اليابانية أو الكورية. علي هو الآخر كان يحلم بإرجاع المبلغ الذي استدانه بسرعة بعد أن أمّل نفسه بذلك. لكنه سرعان ما صُدم بعدد الأعطال التي اكتشفها بالسيارة وموديلها الذي لم يكن مطابقاً لما كُتب في عقد الشراء، لكنه رغم ذلك ظل جاهداً كما وصف حاله، أن يعمل بالسيارة، إلا أن بمرور الأيام زادت الأعطال وارتفعت أجرة التصليح، خاصة أن مركز الصيانة لم يكن يبذل جهداً يذكر بإصلاح أيّ عطل، لينتهي الحال بعلي الى عرض سيارته بنصف سعر الشراء والأقساط التي يتوجب عليه دفعها شهرياً. 
معاناة أصحاب السيارات الصينية لم تتوقف عند هذا الحد، فالكثير منهم حمّل الشركات المستوردة مسؤولية هدر أموالهم من خلال استيرادات رديئة وبيعها بأسعار مرتفعة.
هيثم أحمد خريج جامعي، عمل لفترة في احدى الشركات المالية، استطاع جمع مبلغ من المال قبل أن يتم الاستغناء عن خدماته مع عدد من العاملين في الشركات. فكر في أن يشتري سيارة تاكسي، لكن المبلغ قليل ويكفي لشراء سيارة إما سايبا أو أيّ نوع من السيارات الصينية التي كانت مقصده، حسب قوله، إنه اشترى سيارة من شركة يفترض أنها تتعامل بالصدق حسب اسمها، لكنه كما الآخرين تفاجأ بذلك ودفع ثمن تلك المفاجأة جزءاً كبيراً من المال الذي جمعه، فالسيارة التي تسلّمها من مخازن الشركة، لم تكن صالحة للعمل ودون بعض الكماليات مثل الإطار الاحتياط (الاسبير) و(الجك) فضلاً عن خلوها من الوقود، ناهيك عن عطل عدد من الكهربائيات. هيثم بين متردد ومُجبر، تسلّم السيارة، وحتى اليوم هو مراجع دائم لمحال التصليح منتظراً أية فرصة مناسبة لبيعها والتخلص من شرّها مثلما يقول.


السيارة الصينية (كالرقّي) 
حتى هذه الساعة أشاهد في الشارع، سيارات يعود صنعها الى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، مثل الكرونا والكراون والداستن ومازدا، وغير ذلك من سيارات يابانية وكورية متينة. قبل فترة وجيزة، استأجرت سيارة تاكسي نوع شيري صيني، وبعد تبادل الحديث مع السائق عن تاريخ صنعها، ذكر انها موديل 2012، لكنه اشتراها على أنها موديل 2014، وعن توفر سيارات بموديل آخر، ذكر السائق، لن تجد سيارة صينية أو سايبا بعد نزولها الى الشارع بأربع سنوات، فعمر هذه السيارات محدود لايتجاوز الأربع أو الخمس سنوات من تاريخ صنعها، وهذا ما أكده المختص بالشأن المالي والصناعي أحمد خضير، حيث قال: ينبغى أن نعلم أن العمر الافتراضي للسيارات الحديثة سواء الصينية منها أو الكورية التي يكون ثمنها أقل من 8 آلاف دولار لايتعدى 4 سنوات، أي تبدأ مشكلاتها بعد السنوات الأربع، شرط المحافظة على مواعيد الصيانة الدورية، أما السيارات التي تدوم لمدة اكبر من 6 سنوات، فسعرها أعلى، وهكذا بالنسبة لسيارات منخفضة السعر.
وحسب المختص المالي، أن السيارة الصينية بكل انواعها، تعاني أعطالاً عديدة، وربما يختص كل نوع من السيارات بعطل معين. يتم جلب كمية كبيرة من المواد الاحتياطية التي هي الأخرى لا تدوم طويلاً.. محذراً من المخاطرة وشراء سيارة صينية من أي شركة مستوردة، إذ تعتمد اغلبها على استيراد اردأ النوعيات وبأسعار مخفّضة جداً تصل قيمتها الى 5 آلاف دولار، لكنها تباع بضعف السعر على أنها صناعة متينة وترخيص ياباني، وهذا غير صحيح. واصفاً السيارة الصينية كـ(الرقّي) كل مشترٍ وحظّه.
وينبّه خضير من الأموال التي تًهدر على شراء السيارات الصينية، إن كانت عبر استيرادها كسيارات أو كمواد احتياطية استهلاكية، نظراً لكثرة عيوبها، منها ضعف التبريد صيفاً والتوقف بشكل مفاجئ شتاءً، بخاصة أيام المطر وغرق الشوارع، ناهيك عن هيكلها الذي لايقاوم ضربة رجل، كما ينبّه من أهمية أن تضع الدولة شروطاً محكمة لاستيراد السيارات الصينية بشتى أنواعها، وأن تكون وفق متانة صناعية وقوة محرك وغير ذلك مما نجده في السيارات اليابانية والأميركية والألمانية، متأسفاً على تعمد الشركات المستوردة جلب الأنواع الرديئة جداً وغش المواطن بها على أنها سيارات جيدة، بل للأسف، بعض هذه الشركات يبيع سيارات صينية على أنها يابانية.


مواصفات مختلفة جداً
المواطن قاسم ابراهيم، اطلع على اعلان عبر احدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لشركة بيع ضمن مجموعة معروفة لاستيراد السيارات، لديها اكثر من فرع في بغداد والمحافظات. يقول الاعلان الذي أرسل لنا نسخاً منها..( نوع السيارة : جنبي JIN BEIباص المنشأ : الصين المواصفات : - سعة المحرك: 2000 – كير عادي - مسجل راديو ريمونت كونترول - منشأ المحرك امتياز ياباني تويوتا - نوع الدفع: 2WD - نظام تدفئة و تبريد - حجم الاطارات R15 - عدد المقاعد: 14 وسائد هواء AIRBAGاللوحة : لوحة مرورية حسب محافظة السكن، السعر النقدي : 22,050,000 دينار عراقي المقدمة : 2,205,000 دينار القسط الشهري : 416,745 ديناراً عراقياً مدة الاقساط : 5 سنوات مع ثلاثة أشهر الأولى إمهال). ابراهيم لم يجد الكثير من الذي ذكر بالإعلان بدقة أو بذات المواصفات، بقدر ما وجد الالتزام بالسعر، ووقت دفع القسط على حساب متانة وقوة السيارة التي للأسف لم تكن بالمواصفات المعلنة عنها، ناهيك عن الأعطال الكثيرة.
قاسم استعان بمركز الصيانة اكثر من مرة، لكن من دون جدوى، حتى اضطر الى التصليح في ورش القطاع الخاص التي لاتتوفر لديهم قطع الغيار الأصلية الخاصة بنوعية السيارة. الأمر الذي حمّله صعوبة أخرى.
لايتوقف الخلل بالسيارات الصينية بكل أنواعها على جزء من دون آخر، وكما يقول فهد الشويلي (عطلاتها من الدعامية إلى الدعامية) حسب تجربته مع سيارات "جنبي" التي تصل الى سنوات، إذ اختص بالعمل بها والمتجارة أيضاً من خلال البيع والشراء. إذ عدّ السيارات الصينية بالتجارة الخاسرة، فحتى لو حافظ الشخص على السيارة بشكل تام، بالنهاية سينخفض سعرها بحدود الربع حال ما تعرضت للبيع، إن كان في مواقع التواصل الاجتماعي أو معارض البيع المباشر. محمّلاً الجهات المستوردة من شركات ومجموعات تجارية إغراق السوق بسيارات لاتصلح للتنقل بين المدن القريبة، إن كان بسبب مواصفاتها الميكانيكية الرديئة أو حجمها وقوة المحرك وغير ذلك.
محمود العزاوي، لديه تجربة خاصة مع سيارة "جنبي" لخّصها، بأن دشبول السيارة يعمل بالمزاج. فتارة تشغل أضوية أعطال معينة تختفي بعد ساعة لتظهر أضوية أخرى وهكذا، أما "الفيشي" فتحتاج الى ضبط وتبديل بشكل دائم، بسبب نوعيتها الرديئة. أما المشكلة الكبرى التبريد، الذي لايمكن أن يعمل لربع ساعة بشكل جيد وصحيح.. محمود ألقى بلومه على جميع الجهات، إن كانت الحكومية التي يفترض أنها تراقب وتفحص ما يدخل ويستورد والشركات المستوردة التي تبحث عن الربح على حساب ما أدخره المواطن الفقير الباحث عن رزق حلال.
أما وسام ياسين، فقد ذكر، ما دخلت أيّ كراج تصليح أو حي صناعي أو ورشة تصليح سيارات، إلا وشاهدت سيارة صينية تشكو أعطالاً عدّة، أما تجربته مع تلك السيارات فقد كانت لمرّة واحدة، فقط اشترى فيها سيارة لزوجته، لكن بعد شهرين من تسلمها، أخذت الأعطال تظهر بين يوم وآخر، الامر الذي دفعه الى بيع السيارة بخسارة حدود 2500 دولار من ثمنها البالغ نحو 10 آلاف دولار. لكنه طرح سؤالاً، لنفترض غياب الرقابة الحكومية، لماذا يغيب الضمير عند الاستيراد وتختفي الأخلاق بالتعامل في مرحلة ما بعد الشراء من الشركة المستوردة؟.


(صيني) صنع في العراق
وبحسب مختصين، أن الأموال التي تم بها استيراد سيارات صينية، تجمع في بلدان مجاورة كان بالإمكان بناء عشرات المعامل الإنتاجية بها إن كانت لصناعة السيارات أو موادها الاحتياطية أو الكماليات، فحتّى العام 2015 كان حجم التبادل التجاري بين البلدين قد ارتفع إلى 30 ضعفاً، ووصل قيمة التبادل بينهما إلى 30 مليار دولار.
عن ذلك يقول المختص بشؤون التجارة والاستيراد، مصعب العلوان، بعد التغيير عام 2003 برزت حاجة العراقيين بتعويض ما فاتهم أيام الحصار، ومع تبدد الاحلام بالعيش بمستوى يوازي دول الخليج، لجأ الكثير منهم الى البضائع الرخيصة التي تسد الحاجة، حيث وجدوا ضالتهم في البضائع الصينية ومنها السيارات. لافتاً الى: التسهيلات الكبيرة التي تمنحها الشركات الصينية للتجّار والمستوردين العراقيين وبشكل خاص مستوردي السيارات بأنواعها. عاداً السوق العراقي الأهم والأوسع للسيارات الصينية نظرة لكلفتها المناسبة لشرائح كثيرة من المجتمع العراقي وسهولة إصلاح الأعطال فيها.
وذكر العلوان بحديثه لـ(المدى) انه من المفترض أن يتم فتح مصنع لصناعة السيارات الصينية وتجميعها في العراق أسوة بالمصنع الموجود في إيران لإحدى شركات السيارات الصينية، وعلى ما اعتقد (ليفان)، مستدركاً: لكن الذي يبدو أن هناك اجراءات وربما صفقات حالت دون ذلك. منوهاً الى المصالح الاقتصادية للكثير من الأطراف المستفيدة من استيراد السيارات من الصين، الأمر الذي يعرقل افتتاح أيّ مصنع في العراق، إذ سيقلل من كلفة النقل والرسوم الكمركية.
كان من المفترض أن تبلغ القدرة الإنتاجية سنوياً 10 آلاف سيارة، ثم ستتوسع لتصل إلى 20 ألف سيارة، وسيتم إنتاج سيارات الدفع الرباعي من نمط X60 والسيارات من أنماط 630 , 320. سبق وأن أعلن مدير عام الشركة العامة لصناعة السيارات في الإسكندرية، المهندس عدنان أحمد رزين، إعلانه عن المباشرة بتشغيل مصنع تجميع سيارات الشيري الصينية لإنتاج سيارات التيكو والكوين الأجرة موديل 2015 وبنسبة تجميع 100% وبطاقة إنتاجية تبلغ 25 سيارة / اليوم. مبيناً: أن هذا المصنع سيغطّي ما نسبته 25% من حاجة السوق من سيارات الشيري، مؤكداً تسويق الوجبة الأولى من سيارات التيكو والبالغة 60 سيارة إلى وزارة التجارة. وأشار رزين، إلى أنه ستكون هناك قائمة بالأسعار وأرقام الشواصي وبعد إكمال المعاملة المستندة من قبل المواطن الراغب بالشراء والتي تتم عن طريق الشركة العامة لتجارة السيارات، يكون تسلّم السيارة من مقر الشركة في الإسكندرية، مشيراً إلى أن الكلفة الإنتاجية لهذا الخط بلغت 25 مليون دولار. وأضاف رزين، أن للشركة مشروعاً آخر يتمثل بمشروع نصب مصنع لإنتاج سيارات كيا، وتجري أعمال البنى التحتية والتهيئة لهذا المشروع في معمل الشركة الكائن في الحلة، حيث سيكون هناك نوعان لسيارات كيا، هي الصالون المتمثلة (سيرنتو – اوبتما) وسيارات الكيا الحمل (2 طن)، كما ذكر أيضاً بداية لإنتاج سيارات هونداي وبأربعة أنواع (فيرنا – اكسنت – النترا- سوناتا) وبنسبة تجميع 40% من الممكن زيادتها، لافتاً إلى أن الكلفة الإجمالية لهذا المعمل بلغت 20 مليار دينار.
كل ذلك مازال على الورق فقط دون أن يقتني أيّ مواطن سيارة كيا (صنع "تجميع" في العراق).

المدى

محرر الموقع : 2017 - 12 - 13