تعدد الزوجات في العراق.. صونٌ لكرامة المرأة أم إهانة؟
    

بدأت ظاهرة تعدد الزوجات في المجتمع العراقي تأخذ منحى تصاعديا وبشكل ملحوظ خلال السنوات التي تلت عام 2003. وكانت الحرب وظروف اجتماعية واقتصادية من أسباب انتشار هذه الظاهرة. DW عربية سلطت الضوء على تعدد الزوجات في العراق

لم تكن فاتن هادي سلطان، تحلم يوماً بأنها سوف تتحرر من قبضة العنوسة لتكون زوجة ثانية، بعدما طال انتظارها سنين طويلة لشريك حياتها. لكن قطار حياة فاتن فات ولم يتوقف عند فارس أحلامها، فارتضت أن تكون زوجة ثانية. "فضلت أن أكون ضرة على أن أبقى عانس"، تقول فاتن. وتعزو الموظفة الحكومية في حوار مع DWعربية سبب زواجها من رجل متزوج إلى حالتها الاستثنائية، "تقدم بي العمر وأصبحت في الرابعة والثلاثين، ولم يكن لي خيار حينها سوى أن أقترن بأبي أحمد".

أبو أحمد (46عاماً)، المتزوج منذ 16 عاماً والمعروف بقدرته المادية ومكانته الاجتماعية، قدم أسبابا عدة لفاتن منها حاجته إلى امرأة متعلمة ومثقفة تواكب متطلبات الحياة الاجتماعية، "بعدما شكى لي من جهل زوجته الأولى من هكذا أمور"، كما تقول فاتن، التي تضيف إن "الأسباب كانت مقنعة". واختتمت حديثها بالقول إن "كثرة العوانس في بلدي تشجع الرجال على الزواج بأكثر من امرأة".

الرغبة بإنجاب الذكور

 Public servant, Mustafa Hamid, Baghdad, Iraq.
 
Place and, Date: Baghdad, Iraq, July, 30,2012. 
DW/Munaf Al-Saidy

زواجها من رجل متزوج، بعد أن برر الأخير طلب زواجه منها بحجة أن زوجته الأولى لا تنجب ذكوراً ولديه أربع بنات منها، فوافقت على طلبه.

وتقول سمر، المتزوجة منذ نحو سنة وحامل بذكر في شهرها الثامن، في حديث لـ DWعربية: "كان اتفاقنا قبل الزواج هو أن يوفر لي سكن مستقل ويعدل بيني وبينها"، في إشارة إلى زوجته الأولى. "حياتي الآن مستقرة"، تقول سمر، التي كانت تعاني من مشاكل مستمرة مع أهلها عندما كانت ما تزال تعيش في كنف أسرتها قبل الزواج.

"المجتمع العراقي يتطلب تعدد الزوجات"

"الزواج هو خيمة المرأة. لكل مجتمع ظروفه، ومجتمعنا يتطلب تعدد الزوجات"، يقول الموظف الحكومي مصطفى حميد، مبيناً أن "الظروف الاقتصادية والحروب التي مرت على البلاد من شأنها أن تنشر مثل هذه القناعة"، في إشارة إلى تعدد الزوجات.

ويوضح حميد (26 عاماً) في حديث مع DWعربية: أن "تشجيع النساء من العانسات أو الأرامل أو المطلقات على أن يصبحن ضرات يعتبر الحل الأمثل لمعالجة مشاكل العنوسة في المجتمع العراقي"، الذي كان فيه للحرب ما كان في تغيير بنيته الديموغرافية. ويشير إلى أن بعض الرجال يلجأ إلى تعدد الزوجات "لحاجته إلى الأبناء في استمرار اسم عائلته".

"نظرة متدنية للمرأة"

 Active in the field of civil rights of women Mariam Mohammed Jafar, Baghdad, Iraq.
 
Place and, Date: Baghdad, Iraq, July, 30,2012. 
DW/Munaf Al-Saidy


وعلى العكس من هذه الآراء، تقف الناشطة المدنية في مجال حقوق المرأة، مريم محمد جعفر، ضد ظاهرة تعدد الزوجات، وترى بأن "الظاهرة تعكس النظرة المتدنية للمرأة"، مضيفة :"عندما يريد الرجل أن يقترن بزوجة أخرى فإنها (الزوجة) ستكون أمام تعسف ذكوري".

وتضيف جعفر (23 عاماً)، في حوار مع DWعربية: "بأن الظاهرة باتت تنذر بتفكك المجتمع، على خلفية المشاكل العائلية التي تثار بشأنها والتي تصل إلى ًالطلاق أحيانا (...) ناهيك عن زواج القاصرات اللواتي أُدخل بعضهن قسراً إلى قفص الزوجة الثانية أو الثالثة".

وتوضح الناشطة بأن "تعدد الزوجات لا يسهم في القضاء على العنوسة أو ينهي مشاكل الأرامل والمطلقات، خاصة في مجتمع يتحسس من هكذا شرائح"، على حد قولها. داعية المنظمات والهيئات النسائية إلى إيجاد حلول ناجعة تكون أكثر ملائمة من أن تجعل المرأة ضحية الضرة.

زوجة سرية؟

أما الباحثة الاجتماعية في مجال الأسرة، هدى صبري عزام، فلا تبدي اعتراضاً على مشروعية تعدد الزوجات "إذا كان ضمن إطار القانون و الشريعة، وعن طريق موافقة المرأة مع مراعاة حفظ كرامتها وصون حقوقها الزوجية".

وتشير عزام في حوار مع DWعربية: إن تقاليد المجتمع العراقي وعاداته تدفع المرأة أحياناً إلى الزواج برجل متزوج، "على الرغم من أنه تقليل من كرامة المرأة بحد ذاته"، موضحة أن "المرأة ليست سلعة تباع أو تشترى"، في إشارة إلى حالات اقتران الرجل بزوجة ثانية أو ثالثة وأحياناً رابعة.

وتقول إن "أخطر حالات تعدد الزواج هي عندما يقترن الزوج بزوجة جديدة سراً دون أن يكون للزوجة الأولى علم بالأمر"، وترى الباحثة أن " تحسن المستوى المعيشي للفرد العراقي بعد عام 2003 أنعش أيضاً تعدد الزوجات".

وتلاحظ الباحثة عزام، ذات الخبرة الواسعة في هذا المجال، أن "مناطق القرى والأرياف تكثر فيها نسبة تعدد الزوجات، فيما تقل هذه النسبة في المدن"، على اعتبار أنه "كلما ازداد وعي المرأة انخفضت فرص تعدد الزوجات".

يُشار هنا إلى أن قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959 ينص على وجوب حصول الرجل على موافقة الزوجة الأولى أمام قاض، ليتمكن من الزواج بامرأة ثانية. وتتم غالبية حالات تعدد الزوجات في العراق بعد موافقة الزوجة الأولى.

ماذا يقول الدين؟

 Polygamy in Iraq

Sabah al.saidy, Cleric, Baghdad, Iraq.
 
Place and, Date: Baghdad, Iraq, July, 30,2012. 
DW/Munaf Al-Saidy


ويستند معظم من يؤيد تعدد الزوجات في العراق في موقفه إلى الشريعة الإسلامية، التي تبيح تعدد الزوجات. ويبين رجل الدين صباح الساعدي أن "الدين الإسلامي حلل تعدد الزوجات وفق أحكام عدة. ويجب أن يبنى ذلك على أساس العدل والمساواة بين الزوجات وتوفير الحياة الكريمة لهن".

ويقول الساعدي في حوار مع DWعربية: إن "تعدد الزوجات مفضل في الحالات التي يضطر فيها الرجل إلى الزواج بامرأة أخرى". ومن هذه الحالات حسب الساعدي: "عقم المرأة أو عدم تمكنها من إعطاء زوجها كامل حقوقه الزوجية فضلاً عن ازدياد أعداد العوانس والأرامل في المجتمع. وهذه أسباب  تدفع إلى تعدد الزوجات".

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن المجتمع العراقي يعاني من وجود نسبة عالية في العنوسة وتأخر سن الزواج بين أعمار 18 إلى 45 سنة، إذ تزيد نسبة الفتيات العوانس على 30 بالمائة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي. كما تشير إحصائيات رسمية إلى أن عدد الأرامل في العراق يبلغ نحو مليون أرملة، أغلبهن من ضحايا الحروب وموجة العنف التي اجتاحت العراق بعد 2003.

مناف الساعدي/ بغداد

مراجعة: عبد الرحمن عثمان

 

محرر الموقع : 2012 - 08 - 16