بمناسبة الانتفاضة الشعبانية: مفهوم النصر في القرآن الكريم (ح 5)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
من نتائج الانتفاضة الشعبانية: قطع صدام نسل الناس فقطع الله نسله كما قال الله جل جلاله "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (ال عمران 140). الانتفاضة الشعبانية في العراق كانت بذرة الربيع العربي التي أثمرت أن جعلت الشعوب تتنفس الحرية حيث كان صدام وزبانيته يجبرون الناس للانتماء والانتماء الى حزبهم الشوفيني المجرم حيث قال الله تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة 256)، وقوله عز وجل "أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس 99).
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله تعالى: "أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214) استئناف على تقدير القول. أى فقيل لهم حينما التمسوا من الله النصر بعد تلك الشدائد والأهوال التي نزلت بهم: ألا إن نصر الله قريب. تطييبا لأنفسهم، وبعثا للآمال في قلوبهم. وفي هذه الجملة الكريمة ألوان من المؤكدات والمبشرات بالنصر القريب، ويشهد لذلك التعبير بالجملة الاسمية بدل الفعلية فلم يقل مثلا ستنصرون والتعبير بالجملة الاسمية يدل على التوكيد. ويشهد لذلك أيضا تصدير الجملة بأداة الاستفتاح الدالة على تحقيق مضمونها وتقريره، ووقوع إن المؤكدة بعد أداة الاستفتاح، وإضافة النصر إلى الله القادر على كل شيء والذي وعد عباده المؤمنين بالنصر فقال، إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد: هذا، والمتأمل في الآية الكريمة يراها قد بينت للمؤمنين أن طريق الجنة محفوف بالمكاره، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات). وأنهم لكي يصلوا إلى الجنة عليهم أن يتأسوا بالسابقين في جهادهم وصبرهم على الأذى، فقد اقتضت سنة الله أن يجعل هذه الحياة نزالا موصولا بين الأخيار والأشرار، ونزاعا مستمرا بين الأطهار والفجار، وكثيرا ما يضيق البغاة على المؤمنين، وينزلون بهم ما ينزلون من صفوف الاضطهاد إلا أن الله- تعالى قد تكفل بأن يجعل العاقبة للمتقين. ولقد حكى لنا التاريخ أن المؤمنين السابقين قد صبروا أجمل الصبر وأسماه في سبيل إعلاء كلمة الله. روى البخاري عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون. وتعليقا على تفسير الدكتور الطنطاوي رحمه الله فإن وعد الله بنصره لثوار الانتفاضة الشعبانية القريب حصل للمنتفضين الاكراد، بينما تأخر نصر المنتفضين في وسط وجنوب العراق رغم استمرار النظام الصدامي بحفر الأرض لتكون مقابر جماعية واستخدام الحديد والمناشير في نهش لحوم الثوار فلم يصدهم عن ذلك شيء، وقد أتم الله تعالى نصره بصبر الثوار وعدم استعجالهم نصر الله.
جاء في الموسوعة الحرة عن انتهاكات مسندة إلى صدام حسين: الانتهاكات البيئية: تجفيف الأهوار: في جنوب العراق وبعد الانتفاضة الشعبانية بدأ الآلاف من المدنيين والجنود الهاربين والثوار بالهرب من بطش السلطة حيث هربوا إلى الأهوار الواقعة في جنوب العراق مثل هور الحويزة وهور الحمار وغيرها وحينها حدثت عمليات انتقام واسعة من قبل قوات الحرس الجمهوري والجيش العراقي ضد الثوار في الأهوار وفي نفس الوقت تم تجفيف أهوار العراق  من خلال تحويل تدفق نهري دجلة ونهر الفرات بعيدا عن الأهوار مع نقل إجباري للسكان المحليين إلى مناطق أخرى بالإضافة إلى إعدام وقتل الآلاف من الثوار الهاربين حيث قال كلاوس توبفر (المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة) عن جريمة تجفيف الأهوار أنها (كارثة بيئية كبرى ستبقى في ذاكرة الإنسانية كواحدة من أسوأ الكوارث البيئية التي سببها إنسان). تجريف بساتين الدجيل: إصدار قرار بتدمير وتجريف ما يقارب 1000 كم2 من الأراضي الزراعية والبساتين المثمرة من الطريق من قضاء بلد إلى الدجيل لمنع تكرار محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت صدام حسين عام 1982 م. حرق آبار النفط: تعرض العراق والكويت ودول الخليج العربي لأحد أسوأ الكوارث البيئية جراء ممارسات النظام العراقي في ذلك الوقت برئاسة صدام حسين. فقد كان لحرق أكثر من 727 بئر نفطي الأثر المدمر لجميع عناصر البيئة. ولم يقتصر تأثير حرائق الآبار النفطية على الكويت فقط، حيث وصل آثار الدخان المرئي إلى اليونان غرباً والصين شرقاً، بل حتى وصلت آثار السحابة الدخانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإن كانت بتركيزات منخفضة. فمرصد (هون لاوا) في هاواي رصد معدلات سخام أعلى بخمس مرات عن معدلات الثلاث سنوات السابقة. ونتيجة لقيام الجيش العراقي بضخ النفط في مياه الخليج العربي بدءاً من الأسبوع الثالث من شهر يناير لعام 1991 تكوّنت أكثر من 128 بقعة نفطية مسببةً أكبر حادث انسكاب نفطي. وتعرضت البيئة الصحراوية للتلوث نتيجة لعدة عوامل أهمها تشكل البحيرات النفطية الناتجة من تدمير الآبار. كما كان لقيام الجيش العراقي بحفر الخنادق الدفاعية وزرع الألغام الأرضية أثر كبير في تفكك التربة. أوامر الإعدام والاغتيالات: خلال فترة حكم الرئيس صدام حسين حدثت عمليات قتل وإعدامات إما بصورة متقطعة أو اتخذت شكلا آخر هو أشبه بشكل الحرب الواسعة. القتل المتقطع نفذ تطبيقا لسلسلة من القوانين والأوامر التي أصدرها أو أمر بتنفيذها. كان القتلى في هذه الحالة إما معارضين سياسيين حقيقيين أو مشتبه فيهم أو هاربين من الخدمة العسكرية. في حالة العنف الجماعي، كانت نسبة كبيرة من الضحايا من المدنيين. في حالة القتل المتقطع كان القتلى إما قد حوكموا وأعدموا في مؤسسات الأمن والمخابرات أو أعدموا علانية. أغلبية الجثث في هذه الحالة سلمت إلى أقارب القتلى. في حالة العنف الجماعي كان الضحايا إما قد قتلوا خلال الحرب والعمليات العسكرية أو قد تم أسرهم ثم إعدامهم بعد ذلك من دون محاكمة. وفي كلتا الحالتين نفت السلطة علمها بمصيرهم. قال صدام حسين في حديث مسجل له أثناء تأدية مهامه في العام 1978 كنائب للرئيس، أي قبل سنة من توليه الحكم كرئيس لجمهورية العراق: (بس كل واحد يوكف بوجه الثورة. يصير ألف.. يصير ألفين ثلاثة آلاف عشرة آلاف. أقص رؤوسهم من دون ما ترجف شعرة واحدة مني أو يرجف قلبي عليه.) وهناك أيضا حديثه المسجل الشهير في أوائل حرب الخليج الأولى عندما طرد كل من لم يتطوع من الحزب للقتال وهددهم بالقتل في خطاب مسجل بالصوت والصورة نصه: (كل الرفاق اللي مسجلوا للتطوع يكونون على الجناح الأيمن من هذه القاعة.. من الصفوف ال حتى خمسة كراسي الآن من هذا الجناح الآن الخمسة كراسي من هذا الجناح تفرغ للرفاق الذين لم يتطوعوا) (صدام مخاطباً أحد الرفاق: اقعد اقعد الكل تطلعون تروحون على بيوتكم أنتم مفصولمن من الحزب يلله) صدام مخاطبا الرفاق الذين فصلهم: بس الرفيقات الرفيقات فقط يرجعن بس الرفيقات يرجعن لأن الرفيقات ما مطلوب منهن عمل كالرجال). (ما نريد مانريد مناقشة كلمن ما مسجل أسمه بالتطوع قبل هذه الندوة يطلع يغادر يلله يلله حماية كل من ما يطلع اضربوه) أحد الحضور المفصولين ابتدأ بالهتاف (ماريد كلام ماريد كلام ماريد كلام الثورة إلها رجالها وإلها قادتها وإلها جماهيرها راح تطلعون انتوا مفصولين من الحزب قسماً بالله الذي أسمعه همساً يحكي مع مواطن عراقي أو بعثي إلا أطره بيدي أربع وصل سمعتوا زين إلى أن تقرر القيادة مصيركم يلله اطلعوا لعنة الله على هالشوارب).
جاء في موقع هرو عن علي حسن المجيد ومذبحة البصرة عام 1999: العقاب الجماعي: هدم المنازل والتشريد: قامت الحكومة العراقية بشكل متكرر بهدم منازل من اشتبهت في اشتراكهم في انتفاضة الصدر. وقد وصف جميع المعتقلين الذين أجرت معهم منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات هذا النوع من العقاب الجماعي. وقد زار باحثو المنظمة أربعة مواقع في البصرة لمنازل تم تدميرها عام 1999 عقاباً على الاشتراك المزعوم لقاطنيها في الانتفاضة: واحد في منطقة الشمشومية، واثنان في معقل، وواحد في التنومة. وقد تم تدمير هذه المنازل بالجرافات مباشرة بعد إلقاء القبض على العائلات المقيمة بها. وقد قال سيد حيدر الحسن، رجل الدين البارز بمسجد الجمهورية والزعيم المحلي، لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنه بنهاية الأسبوع الأول بعد الانتفاضة كان أفراد إحدى وخمسين أسرة قد تعرضوا للاعتقال وتم هدم منازلهم. وكما جرى مع بقية المشتبه فيهم، فقد قامت الحكومة بتدمير منزل عائلة ناصر كعقاب جماعي للاشتباه في انخراطهم في الانتفاضة ضد الحكومة. وقد وصف ناصر ما حدث: في ظهر 12 إبريل/نيسان جاءوا إلى منزلنا وألقوا القبض على العائلة بكاملها. يومها استطعت أن أهرب، وفي اليوم التالي جاءوا وأزالوا المنزل بالجرافات. قاموا بتسويته بالأرض. وأنا بقيت بعيداً، ذهبت إلى العشار ومكثت عند أصدقائي ومعارفي. كنت أتنقل طوال الوقت. حاولت أن أحصل على معلومات بشأن أسرتي من الأقارب والأهل، ومن خلالهم علمت أن أسرتي في سجن التسفيرات. أما ناصر، والذي كان قد سبق له العمل كمدرس للرياضة البدنية، فقد خسر عمله أيضاً. كنت مدرساً للرياضة البدنية. كنت وقتها لاعب كرة قدم شهير. لا تنظروا إليّ الآن، كل أهل البصرة كانوا يعرفونني. حتى أننا لعبت ضمن فريقنا القومي، ضد إنجلترا، ضد إيران، ضد روسيا، في السبعينات. عندما خرجنا من السجن لم أستطع أن أعمل. لم يتركوني أعمل. كنا في منتهى الفقر. فقال بعض الناس الذين يعرفون أناساً في الحكومة لهم "ماذا يمكن أن يفعل هذا الرجل؟ اتركوه يحصل على وظيفة". وهكذا حصلت على وظيفة تسليم كوبونات برنامج النفط مقابل الغذاء. كان لي مجرد كشك صغير، بحجم شخص واحد، بعت فيه الكوبونات وأشياء أخرى. وبهذا استطعت الحصول على المال من أجل أسرتي وأسر أبنائي. والآن أتمنى أن أعمل من جديد، ربما في التدريس، ولكنني أصبحت عجوزاً. الحاجة إلى المحاسبة وتحقيق العدالة: بعد جنازة ولده، وصف جواد كاظم علي صراعه بين الرغبة في الأخذ بالثأر وبين انتظار نظام لتحقيق العدالة. حتى أنا أصبحت الآن أملك سلاحاً مثل الجميع. ولكنني أخفيته ولم أخبر عائلتي بوجوده. فلو علموا أنني أملك هذا المسدس لأخذوه مني ليقتلوا به أعضاء حزب البعث الذين كانوا يعيشون هنا. فهم يعلمون أنهم المسئولون عن موت مصطفى. ولدي باسم سيقتلهم، ولكن ماذا بعد؟ سيلقى القبض عليه هو الآخر؟ ليس هذا هو الطريق. إننا في انتظار أن يقبض الإنجليز على هؤلاء. لماذا لا يلقون القبض عليهم؟ الجميع يعرف من هم. ولكنني أخشى أنهم لو لم يتم إلقاء القبض عليهم، أو ظلوا هنا، أو لا قدر الله لو وصلوا إلى السلطة من جديد، فإننا لن نستطيع منع العائلات من مهاجمتهم. حتى أنا يصعب علي ضبط نفسي. لقد عشت حتى دفنت ولدي إنني أطلب العدل. قد يساعد نظام قضائي قائم على الشفافية والإنصاف على إرساء أسس لاحترام حكم القانون في العراق. لقد أظهر استطلاع لآراء سكان ثلاث مدن عراقية كبرى في جنوب العراق تم إجراؤه بعد شهرين من سقوط صدام حسين أن الأغلبية الساحقة 98 في المائة يتطلعون إلى تحقيق العدالة والمحاسبة. ولكن ما يقرب من نصف هذه المجموعة قالت إنها تريد تطبيق مبدأ "العين بالعين". دور علي حسن المجيد، والذي كان يشغل وقتها منصب قائد القطاع الجنوبي، دور مهدي الدليمي، ضابط الجيش الذي تشير المعلومات إلى كونه تولى إدارة مديرية الأمن العام في البصرة في ذلك الوقت، دور قيادة وأعضاء حزب البعث في البصرة وأم المعارك.
 
 
 
 
 
محرر الموقع : 2024 - 02 - 28