الجالية و خطب صلاة الجمعة (ح 4) (ذكر الإنسان بعد موته)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
بسم الله الرحمن الرحيم "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا" تحدث خطيب جمعة مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية الشيخ حسن العامري عن موضوع (ذكر الإنسان بعد موته): ابتدأ بآية الكهف 46، وقال ان على كل انسان يجب ان يفكر ماذا ستكون الذكرى عنه عند الناس بعد رحيله من هذه الدنيا بحيث يدعوا له خيرا مما يزيد ثوابه عند كل دعاء. وكما قال الشافعي في ابياته: ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ    ﻭﺍﻟﻌﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕ    ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺭﺟﻞ  ﺗﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺎﺕ     ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻦ ﺃﺣــﺪ    ﻣـﺎ ﺩﻣـﺖ ﺗـﻘﺪﺭ ﻭﺍﻷﻳـﺎﻡ ﺗـــﺎﺭﺍﺕ    ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﺫ ﺟﻌﻠﺖ    ﺇﻟﻴﻚ ﻻ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟـــﺎﺕ    ﻗﺪ ﻣﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣــﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ      ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻣﻮﺍﺕ‬. ويقول امير المؤمنين عليه السلام (خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ). 
كل النجاحات المادية في الحياة هي نجاحات وهمية كالحصول على الاموال والاملاك والشهادات "مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ" (النحل 96) فالذي يعمل لله وليس للدنيا يبقى اثره في الدنيا والاخرة "وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ" (يس 12). قال أمير المؤمنين عليه السلام (إنما حظ أحدكم من الأرض ذات الطول والعرض قيد قده متعفرا على خده.) وهو قول بليغ أي سوف تضع خدك على التراب في القبر تاركا ممتلكاتك وسوف لا تفيدك في منام القبر. ويقول الامام الهادي عليه السلام: أيـن  الوجوه  التي كانتْ  منعمةً   من  دونها تُضربُ الأستارُ والكللُ     فـافـصـحَ  القبرُ  حين  ساءلهم   تلك  الوجوه عليها  الدودُ  يقتتلُ. فاين الوجوه الجميلة التي تنظر اليها امام المرآة فقد تغيرت وهي في القبر فلا مال ولا بنون انما الباقيات الصالحات هي التي تفيد الانسان "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا" (الكهف 46). 
الأعمال الحسنة تعني كيف تتعامل مع مخلوقات الله. فسعادة الانسان تحصل بمحبة الاخر فكيف بمحبة الله التي اساسها محبة الناس وليس فقط المؤمنين كما قال امير المؤمنين عليه السلام (النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ). والكلمة لها اثر كبير عند الله "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (ال عمران 159) و "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" (البقرة 83) و "فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ" (المائدة 85). وأشار الشيخ العامري بما جاء في قناة الجزيرة إن عدد الناس تحت خط الفقر مليار ونصف المليار من الفقراء الذين يقل دخلهم اليومي عن دولار يوميا فاعداد من الفقراء يموتون جوعا كل ثانية، بينما نلاحظ الاف الاطنان ترمى يوميا ولا تعطى للفقراء. وجاء في الحديث النبوي (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه) و (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم). و الايمان بالله ومنفعة الناس وليس فقط المؤمنين هو الاحسان "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة 195). ومن الامثلة على اهتمام الفقهاء بالناس ان الفقيه المرعشي النجفي اعطاه احد الاغنياء مبلغ ليحج به اول مرة "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97) ولكنه بدل ذهابه الى الحج تبرع به الى احدى المستشفيات لحاجتها الى اجهزة لانقاذ حياة الناس. 
وعندما طلب الله سبحانه من ابراهيم عليه السلام بناء الكعبة "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ" (البقرة 127) فنظر الى البيت الحرام وكان سعيدا فنزل جبرائيل وقال له هل اطعمت جائعا وهل كسوت عريانا، بعدها لم يجلس النبي ابراهيم عليه السلام إلا ومعه أحد على مائدته "فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ" (الذاريات 26). وكان الله يطلب من الانبياء ان يعلموا الناس ذكر الله عند البدأ بالاكل وان يطعموا حتى غير المسلمين "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات 13)
 
 
 
 
 
 
محرر الموقع : 2024 - 03 - 02