بمناسبة الانتفاضة الشعبانية: مفهوم النصر في القرآن الكريم (ح 7)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
تكملة للحلقات السابقة جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن كلمة نصر "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ" ﴿العنكبوت 10﴾ ومن الناس من يقول: آمنا بالله، فإذا آذاه المشركون جزع من عذابهم وأذاهم، كما يجزع من عذاب الله ولا يصبر على الأذيَّة منه، فارتدَّ عن إيمانه، ولئن جاء نصر من ربك أيها الرسول لأهل الإيمان به ليقولَنَّ هؤلاء المرتدون عن إيمانهم: إنَّا كنا معكم أيها المؤمنون ننصركم على أعدائكم، أوليس الله بأعلم من كل أحد بما في صدور جميع خلقه؟ و"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" ﴿الروم 47﴾ ولقد أرسلنا مِن قبلك أيها الرسول رسلا إلى قومهم مبشرين ومنذرين يدعونهم إلى التوحيد، ويحذرونهم من الشرك، فجاؤوهم بالمعجزات والبراهين الساطعة، فكفر أكثرهم بربهم، فانتقمنا من الذين اكتسبوا السيئات منهم، فأهلكناهم، ونصرنا المؤمنين أتباع الرسل، وكذلك نفعل بالمكذبين بك إن استمروا على تكذيبك، ولم يؤمنوا. ان ابناء الانتفاضة الشعبانية استمروا على ايمانهم بالله رغم الابادة الجماعية من صدام وزمرته المشركة الكافرة فهم لم يرتدوا كما يحصل وحصل في حالات سابقة وكما قال الله سبحانه "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ" ﴿العنكبوت 10) فنصر الله ابطال الانتفاضة ولو بعد حين وانتقم سبحانه من صدام وعصابته "فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" ﴿الروم 47﴾.
تكملة للحلقات السابقة جاء في الموسوعة الحرة عن انتهاكات مسندة إلى صدام حسين: الانتفاضة الشعبانية: انتفاضة 1991 في العراق أو الانتفاضة الشعبانية هي مجموعة من عدة مظاهر للاضطراب وعدم الاستقرار في مناطق جنوب وشمال العراق وقعت مباشرة بعد حرب الخليج الثانية، وسميت بالانتفاضة الشعبانية لقيامها في شهر شعبان من العام الهجري حيث شملت الاضطرابات قيام مواطنين عزل بمحاصرة المعسكرات والدعوة إلى إسقاط النظام وبعد قيام القوات العراقية بعمليات قمع للمواطنين تحول الأمر إلى انتفاضة شارك فيها مسلحون وعناصر من الجيش العراقي بأسلحتهم و آلياتهم العسكرية، إضافة لعناصر من فيلق بدر التابع المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وقوات البيشمركة والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وكذلك مسلحون من المواطنين العراقيين في الجنوب. اندلعت الانتفاضة في أربعة عشر محافظة من أصل ثمانية عشر محافظة التي يتكون منها العراق أي بمعنى خروج أكثر من 77% من الشعب العراقي منتفضاً على النظام الحاكم آنذاك واستمرت الانتفاضة إلى أن أُبيدت بتدخل عسكري وإبادة بشرية كبيرة من قبل النظام الحاكم الذي كان يرأسه صدام حسين. مارس النظام الحاكم آنذاك الذي كان برئاسة صدام حسين عدة انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان خلال تصديه للانتفاضة الشعبانية وقد شملت هذه الانتهاكات كل مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 217أ (د - 3) في 10/ 2/ 1948 والذي وقع عليه العراق واتفاقيات جنيف لعام 1949 في حماية الجرحى والمرضى المنكوبين وقرار الجمعية العامة الصادر في 9/ 9/ 1946 الداعي إلى تحريم إبادة الجنس البشري. بدأت الاضطرابات في البصرة في 1 مارس 1991، بعد يوم واحد من وقف إطلاق النار حرب الخليج الثانية، عندما عادت دبابة تي-72 إلى العراق بعد الخروج من الكويت وأطلقت قذيفة على صورة ضخمة لصدام حسين معلقة في ساحة المدينة الرئيسية وسط تصفيق الجنود الآخرين. شجع انتشار أخبار هذه الواقعة لهذه الحادثة والبث الإذاعي لها عبر الإذاعة الأمريكية العراقيين على الثورة ضد النظام في مدن أخرى. قام المتمردون بالقبض على كميات هائلة من الوثائق الحكومية المتعلقة بحملة الأنفال سيئة السمعة التي نفذتها القوات الحكومية وقتلت عشرات الآلاف من الأكراد العراقيين وأفراد الأقليات العرقية الأخرى قبل ثلاث سنوات في العام 1988، وتم الحصول على 14 طن من هذه الوثائق من قبل هيومن رايتس ووتش وإرسالها إلى الولايات المتحدة. كان عدد القتلى عاليا في جميع أنحاء البلاد. وتم قتل العديد من المسؤولين في حزب البعث العربي الاشتراكي من قبل المتمردين في العديد من المدن الجنوبية. وردا على ذلك تم قتل الآلاف من المدنيين العزل بنيران عشوائية من دبابات الموالين ومدفعياتهم وطائرات الهليكوبتر. في وقت لاحق، عندما دخلت قوات الأمن الموالية لصدام للسيطرة على الوضع، استخدمت النساء والأطفال كدروع بشرية، بعدها قام الجيش بتنفيذ الإعدام الجماعي والإخفاء القسري لآلاف الأشخاص بشكل عشوائي متبعا سياسة المسؤولية الجماعية. جرى تعذيب المشتبه بهم واغتصاب النساء وإحراق المعتقلين وهم على قيد الحياة. وفي 5 أبريل، أعلنت الحكومة العراقية (السحق الكامل لأعمال التخريب والفتنة وأعمال الشغب في جميع مدن العراق). كما صدرت الأوامر بقصف المدن الشيعية المقدسة كربلاء والنجف بصواريخ أرض أرض وقصف سكانها المدنيين بالطائرات مما أدى إلى مقتل المئات من المدنيين. وإلحاق الضرر بمساجد الشيعة ومزاراتهم في كربلاء والنجف ومهاجمة عتباتهم المقدسة في المدينتين بالطائرات وإلحاق دمار واسع بالأضرحة وقباب الإمام علي بن أبي طالب في النجف والإمام الحسين وأخيه العباس في كربلاء وتخريبها عمدا وعن سابق إصرار، و سقوط ومقتل آلاف المدنيين أغلبهم تم دفنهم في مقابر جماعية. الاعتذار الأمريكي: في عام 2011، قام سفير الولايات المتحدة لدى العراق جيمس فرانكلين جيفري بالاعتذار عن تخلي الولايات المتحدة عن ثورة عام 1991 كما أسماها، مضيفا "على الأقل لو كنا دعمناهم وقتها كان يمكن أن يكون حلا أفضل بكثير من الحل عام 2003، في ذلك الوقت كان دور الشعب العراقي أساسيا وليس مثل العام 2003" وعلق الناطق باسم الزعيم الشيعي آية الله بشير حسين النجفي أن (اعتذار الولايات المتحدة جاء بعد فوات الأوان، ولا يغير ما حدث والاعتذار لن يعيد إلى الأرامل أزواجهن، ولن يعيد إلى الأمهات الثكلى أبنائهن وأشقائهن الذين فقدوهن من بعد المجزرة التي تلت الانتفاضة).
جاء في صحيفة الشرق عن جريمة الإبادة الجماعية للكاتب فتحي أبو الورد: وتعد عمليات الإبادة التي قام بها النازيون، أثناء الحرب العالمية الثانية أشهر عمليات الإبادة في العصر الحديث، حيث تذهب بعض التقديرات إلى أن عدد من قتلوا حوالي 11 مليونا من المدنيين، من بينهم سلافيون وشيوعيون ومعاقون ومعارضون سياسيون وغجر من الشعوب غير الألمانية. وقد وقعت جرائم إبادة جماعية حديثة على أساس طائفي أو ديني أو عرقي، مثلما حدث في رواندا والبوسنة وكوسوفو وبورما، حيث ذبح في رواندا 800 ألف عام 1994 من التوتسيين الروانديين على يد قبائل الهوتو التي تمثل الأغلبية على أساس عنصري، وفي البوسنة تم إبادة أكثر من 300000 ألف مسلم من البوسنيين المسلمين على يد الصرب على أساس ديني عام 1992 حتى عام 1996، وفي كوسوفا قتل آلاف الكوسوفيين المسلمين على أساس ديني على أيدي الصرب عام 1998، وعشرات المساجد التي هدمت عقب انتهاء الحرب مباشرة، وفي بوروندي تعرضت الأقلية المسلمة للإبادة على أيدي البوذيين، وقتل الآلاف منهم على أساس ديني، حتى قال أحدهم بعد أن قتل أشهر أربعة أئمة هناك، إنه قتلهم بسبب رفضهم أكل لحم الخنزير. ومن العجيب أن من بين الدول العربية التي صدقت على الاتفاقية مصر وسوريا والعراق، وقد ارتكبت الأنظمة القائمة فيها جرائم إبادة جماعية على أساس ديني وطائفي وسياسي، راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء، وقد طالت يد العدالة - الضعيفة عمدا في كثير من الأحداث - في العصر الحديث بعض من ارتكبوا جرائم إبادة جماعية على أساس طائفي أو ديني أو عرقي بالسجن مدى الحياة، مثلما حدث في رواندا والبوسنة وكوسوفو، وإن كانت العقوبة بالسجن مدى الحياة لا تمثل عقوبة عادلة بالنسبة لجرائم الجناة، ولا تمثل عقوبة مناسبة توازي الجريمة في المنظور الإسلامي إلا أنها شيء أفضل من تركهم بلا عقوبة، فهل تطال يد العدالة الدولية من ارتكبوا جرائم إبادة جماعية في البلاد العربية المنكوبة؟ أم تكون يد الشعوب إليهم أسبق؟
 
 
محرر الموقع : 2024 - 03 - 03