بمناسبة الانتفاضة الشعبانية: مفهوم النصر في القرآن الكريم (ح 8)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَ وَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ" (العنكبوت 10) التّفسير: شركاء في الانتصار أمّا في الشدّة فلا: حيث أنّ الآيات المتقدمة تحدثت عن المؤمنين الصالحين و المشركين بشكل صريح، ففي الآيات الأولى من هذا المقطع يقع الكلام على الفريق الثّالث أي المنافقين فيقول القرآن فيهم: "وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ‌" (العنكبوت 10) فلا يصبرون على الأذى و الشدائد، و يحسبون تعذيب المشركين لهم و أذى الناس أنّه عذاب من اللّه‌"وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ‌" (العنكبوت 10) فنحن معكم في هذا الافتخار و الفتح. ترى هل يظنون أن اللّه خفيّ عليه ما في أعماق قلوبهم فلا يعرف نياتهم‌"أَ وَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ‌" (العنكبوت 10). ان شجعان الانتفاضة الشعبانية لم يجزعوا من اذى الطاغية صدام وأعوانه كما حصل للذين جزعوا من الأذى "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ" ﴿العنكبوت 10﴾ واستمروا في جهادهم داخل وخارج العراق حيث كانت الاهوار وجنوب العراق مسرحا لثوار الانتفاضة خلال تسعينات القرن الماضي لحين سقوط النظام.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي:  قال سبحانه "وأخرى تحبونها" (الصف 13) أي وتجارة أخرى أو خصلة أخرى تحبونها عاجلا مع ثواب الآجل وهذا من الله تعالى زيادة ترغيب إذ علم سبحانه أن فيهم من يحاول عاجل النصر إما رغبة في الدنيا وإما تأييدا للدين فوعدهم ذلك بأن قال"نصر من الله وفتح قريب" (الصف 13) أي تلك الخصلة أو تلك التجارة نصر من الله لكم على أعدائكم وفتح قريب لبلادهم يعني النصر على قريش وفتح مكة عن الكلبي وقيل يريد فتح فارس والروم وسائر فتوح الإسلام على العموم عن عطاء وقريب معناه قريب كونه وقيل قريب منكم يقرب الرجوع منه إلى أوطانكم"وبشر المؤمنين" أي بشرهم بهذين الثوابين عاجلا وآجلا على الجهاد وهو النصر في الدنيا والجنة في العقبي. جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "وأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" (الصف 13). المراد بالنصر والفتح القريب فتح مكة كما يتبادر إلى الأذهان. وكان الصحابة يتلهفون على هذا النصر لكثرة ما لا قوه من مشركي أهل مكة، فأمر سبحانه نبيه الكريم ان يبشرهم بهذا النصر وقربه بعد البشارة بالغفران والجنان.
عن کتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ بالنظر إلى ما سبقه من قوله"وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ" (ال عمران 126) هو المقام الربوبي الذي ينتهي إليه كل أمر وحكم، ولا يكفي عنه ولا يستقل دونه شيء من الأسباب، فالمعنى: أن الملائكة الممدين ليس لهم من أمر النصر شيء بل هم أسباب ظاهرية يجلبون لكم البشرى وطمأنينة القلب،وإنما حقيقة النصر من الله سبحانه لا يغني عنه شيء، وهو الله الذي ينتهي إليه كل أمر،العزيز الذي لا يغلب، قوله تعالى: "وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب" إلخ، عطف على قوله: "يغفر لكم" إلخ، و"أخرى" وصف قائم مقام الموصوف وهو خبر لمبتدء محذوف، وقوله: "نصر من الله وفتح قريب" بيان لأخرى، والتقدير ولكم نعمة أو خصلة أخرى تحبونها وهي نصر من الله وفتح قريب عاجل. وقوله: "وبشر المؤمنين" معطوف على الأمر المفهوم من سابق الكلام كأنه قيل: "قل يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم" إلخ، وبشر المؤمنين. وتحاذي هذه البشرى ما في قوله: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ" (التوبة 111)، وبه يظهر أن الذي أمر أن يبشروا به مجموع ما يؤتيهم الله من الأجر في الآخرة والدنيا لا خصوص النصر والفتح. هذا كله ما يعطيه السياق في معنى الآية وإعراب أجزائها، وقد ذكر فيها أمور أخرى لا يساعد عليها السياق تلك المساعدة أغمضنا عن ذكرها، واحتمل أن يكون قوله: "وبشر" إلخ استئنافا.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "إذا جاء نصراللّه والفتح" (النصر 1) 1 ـ (النصر): في الآية اُضيف إلى اللّه"نصر اللّه" (النصر 1) وفي كثير من المواضع القرآنية نجد نسبة النصر إلى اللّه. يقول سبحانه"ألا إنّ نصر اللّه قريب" (البقرة 214)، ويقول: "وما النصر إلاّ من عند اللّه" (ال عمران 126) (الانفال 10) وهذا يعني أن النصر في أي حال لا يكون إلاّ بإرادة اللّه، نعم، لابدّ من إعداد القوّة للغلبة على العدو، لكن الإنسان الموحّد يؤمن أنّ النصر من عند اللّه وحده، ولذلك لا يغتّر بالنصر، بل يتجه إلى شكر اللّه وحمده. 2 ـ في هذه السّورة دار الحديث عن نصرة الله، ثمّ عن (الفتح) والإنتصار، وبعدها عن اتساع رقعة الإسلام ودخول النّاس في دين الله زرافات ووحداناً. و بين هذه الثلاثة ارتباط علة ومعلول. فبنصر الله زرافات يتحقق الفتح، وبا الفتح تزال الموانع من الطريق ويدخل النّاس في دين الله أفواجاً. بعد هذه المراحل الثلاث التي يشكل كل منها نعمة كبرى تحّل المرحلة الرابعة وهي مرحلة الشكر والحمد. من جهة أُخرى نصر الله، والفتح هدفهما النهائي دخول النّاس في دين الله وهداية البشرية. 3 ـ (الفتح) هنا مذكور بشكل مطلق، والقرائن تشير أنه فتح مكّة الذي كان له ذلك الصدى الواسع المذكور في الآية. (فتح مكّة) فتح في الواقع صفحة جديدة في تاريخ الإسلام، لأن مركز الشرك قد تلاشى بهذا الفتح، انهدمت الأصنام، وتبددت آمال المشركين وأزيلت السدود والموانع من طريق إيمان النّاس بالإسلام. من هنا، يجب أن نعتبر فتح مكّة بداية مرحلة تثبيت أسس الإسلام واستقراره في الجزيرة العربية ثمّ في العالم أجمع. لذلك لا نرى بعدفتح مكّة مقاومة من المشركين (سوى مرّة واحدة قمعت بسرعة) وكان النّاس بعده يفدون على النّبي من كل أنحاء الجزيرة ليعلنوا إسلامهم. 4 ـ في نهاية السّورة يأمر الله سبحانه نبيّه (بل كل المؤمنين) بثلاثة أُمور ليجّسد آلاء الشكر و ليتخذ الموقف الإيماني المناسب من النصر الإلهي وهي:(التسبيح) و (الحمد) و (الإستغفار). (التسبيح) تنزيه الله من كل عيب ونقص. و (الحمد) لوصف الله بالصفات الكمالية. و (الإستغفار) إزاء تقصير العبد. هذا الإنتصار الكبير أدى إلى تطهير الساحة من أفكار الشرك، وإلى تجلي جمال الله وكماله أكثر من ذي قبل، وإلى اهتداء من ضلّ الطريق إلى الله. هذا الفتح العظيم أدى إلى أن لا يظن فرد بأن الله يترك انصاره وحدهم (ولذلك جاء أمر التسبيح لتنزيهه من هذا النقص) وإلى أن يعلم المؤمنون بأن وعده الحق (موصوف بهذا الكمال)، وإلى أن يعترف العباد بنقصهم أمام عظمة الله. أضف إلى ما سبق، أن الإنسان عند النصر قد تظهر عليه ردود فعل سلبية فيقع في الغرور والتعالي، أو يتخذ موقف الإنتقام وتصفية الحسابات الشخصية، وهذه الأوامر الثلاثة تعلمه أن يكون في لحظات النصر الحساسة ذاكراً لصفات جلال الله وجماله وأن يرى كل شيء منه سبحانه، ويتجه إلى الإستغفار كي يزول عنه غرور الغفلة ويبتعد عن الإنتقام.
 
 
 
  
 
محرر الموقع : 2024 - 03 - 04