احياء اليوم السادس من شهر رمضان الأحد (آيات من سورة الواقعة)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
أقام مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية جلسة قرآنية يقرأ كل حاضر آيات من الجزء السابع من القرآن الكريم بإشراف السيد عبد السلام الموسوي، فقراءة دعاء الافتتاح، ومحاضرة للشيخ حسن العامري، فأذان المغرب وصلاتها، ومأدبة الإفطار للمتبرع مؤسس المسجد الحاج عطا علي.

كان عنوان محاضرة الشيخ حسن العامري (آيات من سورة القارعة) فعن أمير المؤمنين عليه السلام (وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص) تكملة لتفسير سورة الواقعة، قوله تعالى "إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا" (الواقعة 4) يتحدث جل جلاله عن الواقعة كونها تقع فيها حوادث عظام كما تسمى الحوادث العظام التي تحصل في الدنيا مثل واقعة الحرة ووقاعة الطف. واول حدث أن الأرض ترتج، والرج يعني خلخلة الشيء كما الوتد عندما تريد قعله من الأرض عليك بخلخلته أولا ثم سحبه، واحيانا يعبر الحدث بالزلزلة "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا" (الزلزلة 1)، و "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ" (الحج 1).

قوله عز وجل "وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا" (الواقعة 5) أصل البس هو تليين الشيء لدرجة أن الجبال تصبح هباء "فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا" (الواقعة 6) الهباء المنبث الذي ليس له قيمة كالغبار الذي يطير في الهواء قد لا تراه العين كونه خفيف الوزن، كما قال الله عز وعلا "وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا" (الفرقان 23) فالعمل الصالح الذي لا يرافقه ايمان لا قيمة أو لا وزن له كالهباء. فالمخترعون أو العاملون في المنظمات الإنسانية الذين لا ايمان لهم ليس لهم من الأعمال سوى المظاهر الدنيوية. فكل من هابيل وقابيل قربا قربانا وهو عمل صالح ولكن تقبل الله من أحدهم ولم يتقبل من الآخر "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" (المائدة 27) قبول العمل الصالح من المتقي حيث انما أداة حصر اي حصر قبول العمل الصالح من المتقين ولا يشمل القبول غير المتقين. والشرط الثاني من قبول العمل الصالح أن أصل العمل يجب أن يكون من الحلال، فالذي يعمل بالربا ويصرف أموال الربا في مساعدة الفقراء وهو عمل صالح ولكنه غير مقبول عند الله تعالى "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" (النساء 124) فالعمل الصالح مقيد بالايمان. كما في حالة عمل نبي الله داود عليه السلام "وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" (النمل 19). ومن الأمثلة يصلي ويصوم في مسكن مغصوب فان عبادته لا تقبل، او يجعل البيت المغصوب موكبا حسينيا فهذا عمل صالح غير مقبول. فالشيطان يعبد الله بالشروط التي هو يضعها وليس الله عز وجل. ومن الأعمال الصالحة التي فيها رياء لا تقبل.

قوله تعالى "وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً" (الواقعة 7) آيات عديدة تقسم الازواج الى اثنين عدا هذه الآية فالازواج تقسم إلى ثلاثة. من مصاديق الازواج الذكر والأنثى. ومن المصاديق أيضا التماثل "احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ" (الصافات 22) ازواجهم هنا امثالهم بالقول والفعل "كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ" (البقرة 118)، و "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ" (طه 131) الازواج هنا التشابه في ملذات الحياة.

قوله تعالى "فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ" (الواقعة 8) الميمنة أصلها اليمن أي السرور والخير. ما أصحاب الميمنة يعني قمة الحياة الطيبة. أصحاب الميمنة هم الذين يأخذون كتبهم بيمينهم. قوله جل جلاله "وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ" (الواقعة 9) الشؤم يعني الشقاء. وما أصحاب المشئمة يعني قمة الحزن والشقاء والحياة غير الطيبة. ولو ان اصحاب المشئمة يأخذون كتبهم بشمالهم ولكنهم يخفونها وراء ظهورهم خجلا "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)" (الانشقاق 10-11). وكما جاء (والبعث حق والنشور حق، والصراط حق، والميزان حق، وتطاير الكتب حق) "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)" (الاسراء 13-14)
 
 
محرر الموقع : 2024 - 03 - 18