آيات قرآنية من كتاب أبو طالب ثالث من أسلم للسيد الحسني (ح 1)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
جاء في کتاب أبو طالب عليه السلام ثالث من أسلم للسيد نبيل قدوري الحسني: إنّ الحديث عن الحقيقة التاريخية في زحمة التلاعب بالنصوص وتوظيفها للمصالح الشخصية و الميولات النفسية، حديث عسير كعسر من جمد في أحشائها جنينها فاشتد عليها المخاض وأعياها الألم. وكانت بين أمرين إمّا الاستسلام لهذا الواقع مع ما فيه من خطورة وألم على أنّه واقع حال؛ وإما الخضوع لعملية جراحية تخرج الجنين من بين زحمة العمل الجراحي والنفسي. هكذا حال الحقيقة التاريخية إذا أريد لها الظهور؛ وهكذا يكون حال من ينتظرها، فهو إمّا أن يستقبلها بالانبساط وإمّا: "ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)" (النحل 58-59). لكنّ هذا العسر وجهد البحث لم يكن حائلاً لمن استعان بالله تعالى وعقد العزم على المضي في إخراج الحقيقة إلى النور: بل مجموعة حقائق ضمها الكتاب بين دفتيه من خلال مباحثه التي شكلت بمجموعها ملامح صورة نقية لواقع تاريخنا الإسلامي وشخصياته التي كانت مادته الأساسية؛ ومن بينها شخصية أبي طالب عليه السلام. فهذا العملاق الذي أعيا رقاب الأقزام عند النظر إليه، وانحدر الأعراب عن سفح شموخه حينما أرادوا الصعود إليه، فأجهدهم هذا الحال وأضناهم التكرار أن قالوا: (إنه مات على دين قومه ولم يسلم) وتناسى أولئك الأعراب أنّ العاقبة لمن اتقى وإنّ الأيام لكفيلة بإعادة تركيب ملامح الحقيقة التاريخية لتظهر بصورتها التي خطها قلم الواقع.

وعن الأعراب الذين وقفوا ضد أبو طالب عليه السلام يقول السيد الحسني: فكان أبو طالب عليه السلام كما عرفه التاريخ الإسلامي والإنساني والحضاري رمزاً من رموز الإيمان؛ وعنصراً من عناصر تكوين الإنسانية؛ وحرفاً من حروف أبجدية الحضارة الإسلامية؛ فبه يكتمل مفهوم هذه الأبجدية، وبدونه يظهر الإسلام كشيفرة وقف عندها الأعراب كثيراً. حتى حارت فيها عقولهم وعجزت عن إدراكها أذهانهم؛ واستنكرتها قلوبهم. وأنى لهم الوصول إلى معرفة هذه الشخصية والإحاطة بها والقرآن ناطق بعجزهم إذ: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" (الحجرات 14). ولما دخل هؤلاء الأعراب إلى الإسلام وجاءوا إلى هذه الأبجدية وحاولوا قراءتها، احتارت عقولهم عند أحد رموزها، واضطربت قلوبهم من وجودها. فكيف ترضى تلك القلوب التي لم يدخلها الإيمان ان ترى أبا طالب أحد رموز هذا الإيمان، وأحد عناصره؟. بل كيف لهذه العقول ان تفتح أبوابها لترد عليها هذه الأبجدية وأحد حروفها أبو طالب عليه السلام. بل كيف لهذه القلوب ان تهدأ نيران حقدها وغيظها على أبي طالب وقد فوت عليهم مراراً فرص النيل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فكان هذا التحسس وهذا الشعور بالألم حتى التضور بفعل نيران بغضهم وأحقادهم التي تغلي منها أكبادهم ان قالوا: (ان أبا طالب في ضحضاح من النار يغلي منها دماغه). وفي الواقع ان أدمغتهم هي التي تغلي من نيران أكبادهم وتتلظى من أجمار قلوبهم.
 
ويستطرد السيد نبيل قدوري الحسني عن الأعداء في كتابه أبو طالب عليه السلام ثالث من أسلم: لكن الأمر هنا يختلف تماماً فلقد عمد أعداء الله إلى صياغة الأمور بشكل محكم ليضلّوا كثيراً من الناس، و يصدوهم عن السبل المؤدية إلى الطريق المستقيم. ولكن مهما كان العمل محكماً يبقى ضعيفاً لأنه مستمد من كيد الشيطان، والله تعالى يقول: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" (النساء 76)، وهو في نفس الوقت منحصر بهم، "وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ" (فاطر 43). وإنّ الله عز وجل غالب على ما يمكرون، "وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (ال عمران 54). ومن هنا فأننا سرنا مستعينين بالله و بعترة النبي الهادي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين غير مدخرين جهداً في الوصول إلى هذه الحقيقة، سائلين الله تعالى القبول وله الفضل والمنّة.

وعن معاجز وآيات كانت ترافق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حله وترحاله يقول السيد الحسني: وهي ظاهرة، بينة، عند أبي طالب عليه السلام وهو مؤمن إيماناً قاطعاً بأنه نبي هذه الأمة، ولقد كان يصرح فيما بعد بذلك قائلاً: ألم تعلموا أنا وجدنا * محمداً نبياً كموسى خط في أول الكتب. إلا أنه لا يعلم الوقت الذي سيبعث فيه، فلما جاء ورأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وولده علياً يصلون ابتدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسؤال قائلاً: (ما هذا الذي أظهرته)؟. ولذلك أجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (هذا دين الله الذي ارتضاه لنفسه، لا يقبل الله من أنبيائه ورسله غيره). وهنا، في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تظهر عدة أمور منها: 1 ــ إنّ هذا الدين الذي ظهر هو دين الله عز وجل، وأنه يمتاز على بقية الأديان والرسالات السابقة التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله بميزتين: الميزة الأولى: هي (أن الله عز وجل ارتضاه لنفسه) وهو ما نص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" (ال عمران 19). الميزة الثانية: هي أنّ هذا الدين، دين الأنبياء والرسل عليهم السلام أجمعين وأنّ الله تعالى لا يقبل منهم أن يدينوا بدين غيره، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ" (ال عمران 85). 2 ــ إنّ جميع الأديان السابقة كانت ممهدة لهذا الدين. 3 ــ إنّ جميع الأنبياء والمرسلين يأتون يوم القيامة والحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم شهيد عليهم وعلى ما بلغوا به أقوامهم، قال سبحانه: "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا" (النساء 41).
محرر الموقع : 2024 - 03 - 19