اشارات قرآنية من كتاب فقه الإمام الصادق للشيخ مغنية (ح 3)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
ويستطرد الشيخ محمد جواد مغنية عن واجبات الوضوء في كتابه فقه الإمام جعفر الصادق عليه السلام: 4 - مسح الرأس، قال الإمام الصادق عليه السّلام: (مسح الرأس على مقدّمه). وقال: (لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا) أي منكوسا وغير منكوس. وقال: (ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوءك، فإن لم يكن بقي في يديك من نداوة وضوءك شيء، فخذ ما بقي في لحيتك، وامسح به رأسك، ورجليك، وان لم يكن لك لحية فخذ من حاجبك وأشفار عينيك، وامسح به رأسك، ورجليك، فان لم يبق من بلة وضوءك شيء أعدت الوضوء). وسئل عن الرجل يمسح رأسه بإصبعه أيجزيه ذلك؟ قال: نعم. ولخّص الفقهاء هذه الروايات، وما إليها بقولهم: يكفي من مسح الرأس ما يسمى به مسحا، والمندوب مقدار ثلاث أصابع عرضا، ويختص المسح بمقدم الرأس، ويجب أن يكون بنداوة الوضوء، لا بماء جديد، ولو جف ما على يديه، أخذ من لحيته وأشفار عينيه، فإن لم يبق أعاد، ويجوز المسح منكوسا. 5 - مسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وهما قبتا القدم، أي العظمان الناتئان في وسطه، والأفضل المسح إلى حد الساق المتصل بظهر القدم على النحو الشائع المعروف. والذي ثبت هنا بالنص والإجماع هو ما ثبت في مسح الرأس من الاكتفاء بالأصابع إلى الكعبين، أو العكس. وبكلمة أن الشيعة يوجبون الابتداء من الأعلى في الغسل دون المسح، والفرق أخبار أهل البيت عليهم السّلام والأفضل البداية من الأعلى، ومسح ظاهر قدم اليمنى بباطن اليد اليمنى، وظاهر قدم اليسرى بباطن اليد اليسرى، ويجوز مسحهما معا ودفعة واحدة، ولا يجوز تقديم اليسرى على اليمنى. بين الشيعة والسنة: وهنا خلاف معروف بين الشيعة والسنة في تفسير الآية 6 من سورة المائدة: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" (المائدة 6). والخلاف حصل في الأرجل هل يجب غسلها، أو مسحها؟ وقد وردت فيهما قراءتان: إحداهما النصب، والأخرى الخفض. قال السنة: يجب غسل الأرجل، لأنها معطوفة على الأيدي، على القراءتين. أمّا على قراءة النصب فواضح، إذ الأيدي منصوبة لفظا ومحلا، وأمّا على قراءة الجر فللجوار والاتباع، أي أن الرؤوس مجرورة، والأرجل مجاورة لها، فجرت لعلاقة المجاورة، تماما كقول العرب: (حجر ضب خرب) مع العلم بأن خرب يجب رفعه، لأنّه صفة للحجر، لا للضب، ولكنه خفض لمجاورته للضب. وقال الشيعة: يجب مسح الأرجل، لأنها معطوفة على الرؤوس، أمّا على قراءة الجر فواضح، إذ الرؤوس مجرورة بالباء، وأمّا على قراءة النصب فمعطوفة على محل الرؤوس، لأن كل مجرور لفظا منصوب محلا. ثم قال الشيعة: ان العطف على الأيدي لا يجوز لأمرين: الأول: انّه خلاف البلاغة، لوجود الفاصل بين الأيدي والأرجل، وهو قوله تعالى: "وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ" (المائدة 6) ولو كانت الأرجل معطوفة على الأيدي لقال: (وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين)، ولم يفصل بين الأيدي والأرجل بالمسح. الثاني: ان العطف على الأيدي يستدعي أن يكون لكل قراءة معنى مغاير للآخر، إذ يكون المعنى على قراءة النصب الغسل، وعلى قراءة الجر المسح. وهذا بخلاف العطف على الرؤوس فان المعنى يكون واحدا على كلتا القراءتين، هذا، إلى أن الجر للجوار والاتباع رديء لم يرد في كلام اللَّه إطلاقا. سنن الوضوء: ذكر الفقهاء سننا للوضوء استنادا إلى روايات أهل البيت عليهم السّلام، منها التسمية وقراءة الدعاء المأثور، والسواك، والمضمضة ثلاثا، لاستنشاق ثلاثا، وأن يبدأ الرجل بظاهر اليد في الغسل، والمرأة بالباطن، إلى غير ذلك مما جاء في كتب الفقه فليراجعها من أراد.
 
وعن الجبيرة يقول الشيخ مغنية قدس سره: الجبيرة في عرف الناس رباط يشد على العظم المكسور، وعند الفقهاء ما يوضع على العضو المريض مكسورا كان، أو غير مكسور. وجواز المسح على الجبيرة وعدمه يرتبط بخوف الضرر وعدمه، فإذا لم يخف الضرر من نزعها، نزعها عن الجرح، وغسل العضو إن كان واجب الغسل، ومسحه إن كان واجب المسح. وإذا خاف الضرر من نزعها وجب المسح عليها، على شريطة أن لا يتجاوز الرباط موضع الداء إلَّا بقدر الاستمساك على العضو، ثم يغسل أو يمسح بقية الأجزاء. ويتفرع على ذلك ما يلي: 1 - إذا كانت الجبيرة على جميع بدنه أو أكثره أو على أعضاء الوضوء بكاملها تعين التيمم، لقوله تعالى: "وإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّبا" (النساء 43). ولأن أدلة المسح على الجبيرة منصرفة عن مثل هذا. وإذا كانت مستوعبة لعضو واحد فقط من أعضاء الغسل أو المسح، اكتفى بالمسح عليها، ولا يجب التيمم. 2 - إذا كانت الجبيرة على العضو الذي يجب غسله، وأمكن وصول الماء إلى البشرة بتكرار الصب عليه، أو بغمس العضو في الماء، حتى يصل إلى البشرة دون أن يتضرر الجرح، ودون أن يتنجس الماء، إذا أمكن ذلك وجب، وإلَّا مسح على الجبيرة. 3 - الجرح المكشوف إذا أضر به الماء يوضع عليه خرقة طاهرة، ويمسح عليها. 4 - يجوز أن تكون الجبيرة من الحرير، وما إليه مما لا تجوز الصلاة فيه، ما عدا المغصوب، على شريطة أن يكون ظاهرها طاهرا، ليجوز المسح عليه. واستدل السيد الحكيم في المستمسك على ما جاء في هذه الفقرة بقوله: (هذا مما لا إشكال فيه، وإطلاق أدلة الجبيرة تقتضيه). 5 - إذا كان العضو صحيحا، وعليه نجاسة لا يمكن إزالتها بحال، تعين التيمم، ولا يجري عليه حكم الجبيرة، لأنها تختص في العضو المريض. ويجدر التنبيه إلى أن المراد بالعضو الصحيح المتنجس هنا هو العضو الذي يجب غسله أو مسحه، أما إذا كان في مكان آخر كساقه أو ظهره، وما إليه، فيجب الوضوء، ولا يجوز التيمم.
 
وعن غسلة الجنابة يقول الشيخ محمد جواد مغنية قدس سره في كتابه: غسل الجنابة الأغسال في الشريعة الإسلامية، منها واجبة ومنها مستحبة، والواجبة على ستة أقسام: غسل الجنابة، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، والميت، ومسّ الميت بعد برده وقبل تطهيره. الجنابة: قال تعالى: "وإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا" (المائدة 5). وقال الإمام الصادق عليه السّلام: غسل الجنابة واجب. وقال: من ترك شعرة متعمدا لم يغسلها من الجنابة فهو في النار. وسئل: متى يجب الغسل على الرجل والمرأة ؟ قال: إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم. وعن حفيده الإمام الرضا عليه السّلام: إذا التقى الختانان وجب الغسل. وسئل عن المفخذ: هل عليه غسل ؟ قال: نعم إذا أنزل. وسئل عن المرأة ترى ما يرى الرجل؟ قال: إن أنزلت فعليها الغسل.
 
وعن غايات غسل الجنابة يقول الشيخ مغنية: الصوم والجنابة: من الأنحاء ترتب عليه آثاره، ولذا أفتى الفقهاء بأنه لا يجوز لأحدهما أن يستأجر الآخر لكنس المسجد، لأنّه والحال هذه، يكون واحدا من اثنين: امّا مباشرا لدخول المسجد، وأمّا مسببا للدخول فيه، وكلّ من المباشرة والتسبيب محرم. وأيضا لا يجوز أن يقتدي أحدهما في الصلاة بالآخر، للعلم بأن الجنب الإمام أو المأموم، وإذا ترددت الجنابة بين ثلاثة جاز أن يكون أحدهما إماما للاثنين، إذ من الجائز أن يكون الجنب هو المأموم الثالث، وحينئذ لا يحصل العلم لكل واحد بفساد صلاته. غايات الغسل: قال تعالى: "والله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ" (التوبة 109). وقال الإمام الصادق عليه السّلام: كانت المجوس لا تغتسل من الجنابة، والعرب تغتسل، والاغتسال من شرائع الحنفية. وسئل عن الجنب يجنب، ثم يريد النوم؟ قال: أن أحب أن يتوضأ فليفعل، والغسل أحب إليّ. تدلّ هذه النصوص، وما إليها على أن الغسل راجح في نفسه، وان للجنب أن يغتسل ابتغاء مرضاة اللَّه متى شاء، ودون أن يقصد أيّة غاية من الغايات، وأيضا يكون الغسل مستحبا للغايات المستحبة، وواجبا لغاية واجبة، كالصلوات الخمس، والطواف الواجب. الصوم والجنابة: سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل احتلم أول الليل، أو أصاب من أهله. وسئل الإمام الصادق عليه السّلام: عن النفساء والحائض والجنب، هل يقرؤون القرآن؟ قال: يقرؤون ما شاؤوا. وفي رواية ثانية يقرؤون سبع آيات، وثالثة وسبعين آية. وقال عليه السّلام: لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم اللَّه. وقال عليه السّلام: الجنب لا يجلس في المسجد، ولكن يمر فيه إلَّا المسجد الحرام ومسجد المدينة. وقال عليه السّلام: الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه، ولكن لا يضعان في المسجد شيئا. سئل الإمام الصادق عليه السّلام: عن الجنب والحائض، هل يقرءان من القرآن شيئا ؟ قال: نعم، ما شاء إلَّا السجدة ويذكران اللَّه على كل حال. أراد الإمام عليه السّلام بالسجدة السور التي تحتوي على آية السجدة، ويجب السجود عند سماعها، وهي أربع سور: اقرأ باسم ربك، والنجم، وحم السجدة، وفصلت.
 
 
 
 
 
محرر الموقع : 2024 - 04 - 28