المرجعية الدينية توضح الاسس الصحيحة في شخصية الانسان وكيفية معالجة حالات التناقض في نفسيته
    

اوضحت المرجعية الدينية العليا مجموعة من الاسس غير الصحيحة في بيان شخصية الانسان وشرحت كيفية المعالجة في حالات التناقض العديدة في شخصية الانسان ونفسيته وكيف ان هذه التناقضات هي سبب للكثير من الامراض القلبية والسلوك غير السوي لدى شخصية الانسان.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة اليوم 20/جمادي الثانية/1439هـ الموافق 9/3/2018م:يقول امير المؤمنين (عليه السلام): ولا تكن ممَّن (يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ يُرْشِدُ غَيْرَهُ وَيُغْوِي نَفْسَهُ فَهُوَ يُطَاعُ وَيَعْصِي وَيَسْتَوْفِي وَلَا يُوفِي وَيَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ وَلَا يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ).
نبدأ في الصفة الاولى صفة التناقض (يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ)
اخواني واخواتي من جملة مقومات الايمان الصادق عند الانسان انه في مجال الحكم والقضاء لا نعني به الحكم القضائي بل نعني به بصورة عامة في الامور الاجتماعية والمالية وغيرها.. ان الايمان الصادق والحقيقي ان حكم الانسان وقضائه يدور مدار الحق ويتبعه وان كان هذا الحكم والقضاء بالحق يستتبع ضرراً في المصلحة الشخصية وخسارة له..
وبين الكربلائي ان هناك شكلان من الشخصية الانسانية منها هناك الانسان الذي اذا كان الحق له على غيره حكم بهذا الحق، واذا كان الحق لغيره على نفسه لم يحكم بالحق بل حكم بالباطل لماذا؟! لأنه هذا الشخص يريد ان تكون الاحكام والاقضية تدور مدار المصلحة الشخصية وتستتبع المصلحة الشخصية لا يهمه ان يكون هذا حق فيتبعه وهذا باطل فيجتنبه وانما هو دائماً يتبّع في مساره في الحكم والقضاء مدار ما تريده مصلحته الشخصية وتقضي به المصلحة الشخصية واهواؤه وارادته المتعلقة بنفسه خاصة..

واشار ممثل المرجعية  ان المقصود بالنفس هي الذات واحياناً النفس قد يكون المعنى الشيء الذي ينتمي اليه الانسان في مقابل الانتماءات الاخرى، لذلك ورد في الآية القرآنية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) النساء: 135.
فلابد ان يكون حكم الانسان دائماً ان يدور مدار الحق ويتبعه.. لذلك اخواني احياناً ربما يصعب على الانسان ان يحكم بمسألة بينه وبين شخص آخر بين عشيرته وعشيرة اخرى بين انتمائه وانتماء آخر انه اذا وجدَ على نفسه لغيره حكم بذلك، وان وجدَ الحق لغيره على نفسه لابد هنا ان يحكم بالحق وان كان هنا الحكم بالحق يسبب ضرراً وخسارة وربما يسبب ضرراً وخسارة كبيرة..
صفة الايمان الحقيقي ان تستتبع وتسير وراء الحق وتحكم بالحق وتتبع الحق وان كان فيه الضرر على نفسك.. البعض انما يأخذ بالحق ان كان فيه نفع شخصي له، لا يأخذ بالحق ان كان فيه ضرر شخصي عليه، المؤمن دائماً يتبّع بوصلتهُ مسارهُ يجري وراء الحق.. لذلك الامام (عليه السلام) يقول هذه صفة تناقض في شخصية الانسان لا ينبغي للمؤمن ان يحمل هذه الصفة..
قول الامام (عليه السلام): (يُرْشِدُ غَيْرَهُ وَيُغْوِي نَفْسَهُ فَهُوَ يُطَاعُ وَيَعْصِي وَيَسْتَوْفِي وَلَا يُوفِي)
البعض ينصح الاخرين يتوجه اليهم بالموعظة وتخويفهم من عذاب الله تعالى وترهيبهم به ويوجه الارشادات والنصائح والمواعظ.. الآخرون يقبلون منه هذه النصائح والمواعظ ويتستيجبون له ويعملون بهذه النصائح والمواعظ لكن هو على نفسه لا يتبّع هذه النصائح والمواعظ التي يدعو الآخرين اليها..
هناك المشكلة اخواني: الآخرين يطيعونه في هذه النصائح والمواعظ فينتفعون بهذه الطاعة، هو يعصي نفسه ويعصي هذه النصائح والمواعظ فيخسر أشد الخسارة..
واضاف “لاحظوا اخواني حديث نحتاج ان نتأمل فيه.. في نار جهنم هناك ندامة وحسرة ولكن هذه الندامة والحسرة متفاوتة، هناك ندامة وحسرة عظيمة جداً وشديدة أشد من حسرة وندامة الاخرين في نار جهنم.. من أين تأتي هذه المرتبة من الأشدية في الندامة والحسرة.. في هذا الحديث الذي ينقله أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن أشدَّ أهلِ النار ندامة ً وحَسْرَة رجلٌ دعا عبداً الى الله فاستجاب له وقَبِلَ منه فأطاع فأدخَلَهُ اللهُ الجنة وأدْخلَ الداعيَّ النار بتركه عِلمَهُ واتِّباعِه الهوى وطُولِ الأمل). – الكافي ج1 ص44 ح1-.
يسأل الانسان لماذا ؟ هذا الانسان الذي يدعو وينصح ويدعو الاخرين ويدعوهم الى طاعة الله تعالى هو لا يعمل بهذه النصائح والمواعظ لماذا؟!

واشار ان هنا هذه السلطنة للأهواء والشهوات والرغبات والامزجة الشخصية تتسلط على النفس، ينسحب العلم الى الوراء وينسحب العقل الى الوراء، تأتي هنا الاهواء والشهوات والامزجة الشخصية والقضايا الشخصية هي التي تكون مهيمنة ومتسلطة فيترك هذا الانسان النصائح والمواعظ التي ينصح بها الاخرون..فهو لم يتبع.. الاخرين اطاعوه أدخلهم الله تعالى الجنة، ولكن هو لم يطع نصيحته وموعظته فأدخله الله النار وجعله في أشد الندامة والحسرة..انت اولى بالنصيحة من غيرك انت اولى بالاتباع لهذه النصيحة من غيرك.. انتبهوا حينما تنصحون وتعظون الاخرين ابتداءً ارجعوا الى انفسكم هل تجدون انفسكم تتبعون النصائح والمواعظ أم ان هذا الانسان يريد ان يظهر أمام الاخرين انه يمتلك علم لديه قدرة على النصيحة والى الدعوة الى الله تعالى ويمتلك هذه القابلية في الكلام وغير ذلك من هذه الامور وهو لكن لا يتبع هذه النصائح نقول هنا انت أولى من غيرك ان تتبع هذه النصائح لذلك سيجعلك الله في اشد الحسرة والندامة..
قول الامام (عليه السلام): (وَيَسْتَوْفِي وَلَا يُوفِي)
احياناً اخواني هناك حقوق متبادلة ونلتفت هذه الحقوق المتبادلة ليست فقط حقوق مالية..حقوق في المال وحقوق في العمل حقوق في العهود والوعود.. وهذه تشمل الجميع..
هذا الانسان حينما يريد حقوقه ويطالب بها بأجمعها لا يُنقص مِنها شيئاً ولا يترك شيئاً منها ويستوفيها تامّة كاملة لكن حقوق الاخرين التي عليه لا يوفّيها ولا يعطيها كاملة بل ناقصة.. ولاحظوا احياناً الحقوق بالمال وأحياناً حقوق الاستيفاء والوفاء بالعمل..
التفتوا اخواني الى هذه القضية.. هناك عمل مكلّف به هذه الانسان وله اجر ومال مقابل هذا العمل.. نريد ان نركّز على هذه القضية.. انت مطلوب منك عمل معيّن اذا اردت ان تكون مؤمناً حقيقياً صادقاً تطالب وتستوفي حقك بإزاء العمل وساعات العمل من المال ولكن العمل للاخرين له حقٌّ عليك، توفي هذا العمل في تمام ساعاته لا تُنقص منه دقيقة واحدة.. تُوفي هذا العمل شرائطهُ، توفي هذا العمل إتقانهُ، تُوفي هذا العمل إتمامهُ ومواصفاته حينئذ لك الحق ان تستوفي جميع المال الذي جُعل بإزاء هذا العمل.. انت عليك اذا كُنت مؤمناً صادقاً تستوفي حقكَ مما كُلفتَ به تاماً ولكن انت عليك ايضاً ان تَفي هذا العمل حقّهُ.. كيف ؟! ساعات العمل تفيها بتمامها..عليك ان تفي هذا العمل حقّهُ في تمام ساعاته واتقانه..
البعض في مقام الاستيفاء يستوفي الكل وفي مقام الوفاء لا يفي..
وأما في مقام الوعود والعهود..
الانسان الذي يَعد الآخرين بالخدمة ويطلب من الاخرين الحق مقابل الخدمة يريد الحق مالياً امتيازات وغير ذلك يريدها كاملة ً ولكن حينما يقدّم الخدمة لا يقدّمها بتمامها فيستوفي ما بإزاء هذا الوعد والعهد الذي قطعه ُعلى نفسه.. ولكنه في مقام الوفاء بما يقتضيه هذا الوعد والعهد في جميع مجالات الحياة لا يَفي هذا العهد والوعد حقّه..
(وَيَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ وَلَا يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ).
كثير من الناس يخافون الاخرين في امور معينة ويرتكبونها ولكن لا يخشون الله، قد يظلمون ويتجاوزون على الاخرين لأنهم يخشون من الآخرين ولكنهم لا يخافون الله في ان يرتكبوا هذه المظالم والتجاوزات ولا يخشون الله تعالى في خلقه فَهُم من الخلق خائفون ولكنهم ليسوا من الله بخائفين..
الامام (عليه السلام) يقول لا تكن من هؤلاء فإن هؤلاء هم شرُّ الناس، الشرّ مراتب أشدّها الذي يخشى الخلق في غير ربه ولا يخشى ربّه في خلقه..
التفتوا اخواني.. ابن عباس يقول لولده عن هذه الوصايا مجموع الوصايا التي ذكرنا اربعاً منها حيث ان الوصايا بتمامها هي ثمان وعشرين وصية، يوصي ابن عباس لولده: ليكن هذا كنزك الذي تدّخره وكن به أشدَّ اغتباطاً منك بكنز الذهب الأحمر، فانّك إن رَعيتَهُ اجتمع لك به خير الدنيا والاخرة..
نسأل الله تعالى ان يوفقّنا ممن يكنزون هذه الكنوز ولا يكنزون كنوز الذهب والفضة والمال فإنها فانية نسأل الله تعالى ان يوفقنا لمراضيه ونكون من المنتفعين بهذه المواعظ العظيمة انه سميع مجيب وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

*وكالة نون خاص

محرر الموقع : 2018 - 03 - 09