حكومة الكاظمي أمام التحدي الأكبر في حوار واشنطن المقبل
    

يستعد العراق في مقبل الأيام إلى إرسال وفد رسمي إلى واشنطن لمناقشة العلاقة الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة. وقد سبق التحضيرات طلب هادي العامري، لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بأن على الاخير، ان يضم في تشكيلة الوفد العراقي المفاوض، أعضاء من تحالف الفتح، إضافة الى الاحتفاء بالحشد الشعبي في المحافل الأمريكية. فما كان من الكاظمي إلا أن قام بتعيين قاسم الأعرجي من تحالف الفتح، على رأس مستشارية الأمن الوطني، وعبد الغني الأسدي على رأس جهازالأمن الوطني؛ ليتسنى لهما المشاركة في الوفد العراقي المفاوض.

إلى الآن ورئيس الوزراء الكاظمي، لم يقم بإجراءات إصلاحية حاسمة وجذرية، باستثناء السيطرة على المنافذ الحدودية. إن تنظيم العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، تصطدم بالكثير من المطبات والمصدات، والرؤى المختلفة، بل المتناقضة بين أطراف العملية السياسية، والرؤية الأمريكية لهذه العلاقة.

الامريكيون ليس في قاموسهم شيء اسمه الانسحاب من العراق، على الرغم من تأكيدهم على أنهم إذا ما طُلب العراق منهم الانسحاب سوف ينسحبون، فيما واقع الحال، أو الواقع على الأرض لا يدعم هذا التأكيد. هادي العامري قال وفي التصريح ذاته، المشار له أعلاه؛ بأن على الوفد المفاوض، التأكيد على انسحاب كامل القوات الأمريكية من العراق، وبلا جدول انسحاب، وهو عين الصواب، فالقوات الأمريكية، لا بد من مغادرتها أرض العراق، عاجلا وليس آجلا. لكن من المهم هنا التأكيد على الطريق الصحيح والسبيل السيلم لهذا الطلب السيادي، وكيفية تهيئة هذا الطريق والسبيل، فهذا يحتاج الى الآتي:

*أولا: إبعاد التأثيرات الإقليمية بالشكل الواقعي والموضوعي وليس فقط بالأقوال، أي أن يكون القرار عراقيا بالكامل، يأخذ في الاعتبار مصلحة العراق وسيادته واستقلاله، مع استعداد العراق ببناء علاقة من نوع ما، أو شراكة اقتصادية على قاعدة حاجة العراق لها، طبقا لرؤية عراقية صرفه، بما يؤكد بالملموس إلى الجانب الامريكي، أن القرار، قرار الشعب العراقي، وأن رؤية الوفد تأتي على خلفية قرار البرلمان والحكومة والشعب.

الأمريكيون ليس في قاموسهم شيء اسمه الانسحاب من العراق، رغم تأكيدهم أنهم إذا ما طُلب العراق منهم الانسحاب فسوف يفعلون

*ثانيا: من المهم مناقشة العلاقة مع الولايات المتحدة، مع جميع أطراف العملية السياسية من جميع الجوانب، والاتفاق على موقف ورؤية واحدة، متفق عليها، وليس بطريقة فرض الإرادة السياسية على الأطراف الأخرى، أو إخراجهم من صيرورة الموقف الموحد، بل إشراكهم في المناقشة، على تبني هذا الموقف الموحد، كي يكون القرار مستنداً إلى أرض صلبة وقوية وراسخة، ما يدفع الجانب الأمريكي إلى النزول من الشرفة المتعالية إلى الأرض، حيث الواقع المتبلور الجديد (افتراضا).

*ثالثا: إن ما ورد في ثانيا لا يمكن أن يتحقق إلا في حالة تهيئة الظروف الملائمة والمناسبة، التي تتكفل بإزالة القلق والخشية من بقية أطراف العملية السياسية. أما كيف الوصول لهذا، فهو بالانفتاح والمشاركة، والأهم مغادرة منصة الطائفية، والوقوف بدلا منها، على منصة الوطن والمواطنة، بالشكل الحقيقي والواقعي، وليس بالكلمات فقط، التي تزيد الطين بلة، على ما فيه من بلل عميم. إن هذا التوجه، إذا ما حدث فإنه يزيل أهم هراوة يلعب بها الأمريكيون، بل يهددون بها، العراق على شاكلة القول، إن خروج القوات الأمريكية سوف يقود العراق إلى الفوضى والاحتراب الداخلي.. متناسين أن الحرب الأهلية المقيتة، حدثت والقوات الأمريكية، تحتل العراق.

*رابعا: إن كل دولة على سطح كوكب الأرض تبحث في الأول والأخير، عن مصالحها وليس عن مصالح أي دولة أخرى، مهما كانت علاقتها بتلك الدولة، بل أحيانا حين تكون الظروف مناسبة ومؤاتية لها، تستخدمها كأداة للحصول، أو لانتزاع مكاسب لها، أي أداة ضغط على الولايات المتحدة.. عليه فإن من مصلحة العراق، أن لا يأخذ في الاعتبار إلا مصلحة شعبه ووطنه، بما لا يضر دول الجوار، بل يحافظ على ممرات الصداقة والجيرة، من عبث الأمريكيين، بإبقائها، سليمة وصالحة للمسار عليها..

إن ما كُتبَ أعلاه، وللحقيقة والواقع العراقي المؤلم، ليس سوى افتراضات، نتمنى أن تتحول إلى واقع يجري العمل على تأسيسه، لإنقاذ الوطن من هذه الغمة التي أتت على كل جميل فيه. ويفتح الطريق لعراق قوي ومتماسك وواحد، ينظر شعبه بأمل وثقة وأطمئنان إلى المستقبل. لكن المعرقلات، أو الخنادق عميقة الغور، التي تعترض هذا الطريق، واسعة وعديدة، وهي بالتأكيد من صنع الولايات المتحدة، التي تلاقت وتوافقت من حيث الأهداف في نهاية المطاف مع سياسة قوى إقليمية كبرى في الجوار.

الكاظمي جاء بإرادة أمريكية وبضوء أخضر ايراني ( اضطرارا، تحت ضغط مصالحها في ظروفها الحالية) فهو لم يقم حتى هذه اللحظة بما كان وقد وعد به، من محاسبة قتلة المتظاهرين، إلى التهيئة إلى انتخابات مبكرة، إلى محاربة الفساد، سوى بعض الإجراءات التي تحسب له، ولكنها ليست حاسمة وجدية ـ على طريق القيام بداية بإصلاحات عميقة وواسعة النطاق ـ لا يمكن إلا وضعها في خانة الترضيات، وليست أحداث بداية لتحول عميق في الواقع.. أما ما يخص الحوار المقبل مع الولايات المتحدة، فسيتم إخراج البيان الختامي لهذا الحوار، بلغة إنشائية وضبابية، تلتف على جوهر وصلب ودوافع الحوار، وبالتالي تمييع ما يتم الاتفاق عليه. واثناء كتابة هذه السطور، أعلن ما يسمى التحالف الدولي لمحاربة « داعش»، أنه سيعمل على تشكيل مجموعة عمل من المستشارين للعمل في العراق، للمشورة والتدريب (أكثر من 95% من التحالف الدولي في العراق، هم أمريكيون أهذا الإجراء، هو إجراء استباقي لما سيتمخض عنه حوار واشنطن؟

في الختام، إن العالم سائر لا محالة إلى عالم متعدد الأقطاب، بما يوفر فرصة، بل فرصا لدول العالم الثالث، ومنها العراق، يوفر لهم مكانا تحت شموس التطور في المعمورة. صحيح أن الولايات المتحدة، التي غزت الوطن واحتلته، لأهداف استعمارية وليس لأي أهداف أخرى، كما تروج له في الزور والبهتان، سوف، إذا ما أصرَ العراق على جلاء قواتها من أرض الوطن؛ تسبب ضررا بليغا للوطن والشعب، لكن في المقابل أن انتزاع السيادة الكاملة والاستقلال، تستحق هذه التضحية، بل أكبر منها.. وأن هذا الهدف الاخير، سوف يتحقق، بصرف النظر عن الذي ستأتي به، حوارات واشنطن، ولو بعد حين، حتى إن طال هذا الحين، لكنه في النهاية سيتحقق لا محالة، بالاستناد إلى تاريخ هذا الشعب العظيم، وروحه الممتلئة بالكرامة والكبرياء، وأديم أرضه التي أحرقت أقدام الغزاة في جميع حقب التاريخ.

مزهر جبر الساعدي

محرر الموقع : 2020 - 07 - 11