المعرض الدولي للكتاب في العاصمة الفنلندية هلسنكي ... ومآثر آلـــ كعب !
    

 ضياء ليلوة، هلسنكي

استضافت العاصمة الفنلندية هلسنكي فعاليات المعرض الدولي الثاني عشر للكتاب للفترة 25- 28/10 حيث شهدت ايامه الاربعة حضور واسع لمئات الوفود المشاركة من حول العالم التي تضم نخبة من كبار المثقفين من شعراء وكتاب وروائيين، إلى جانب فنانين من مختلف مجالات الفن، بالاضافة لحضور اكثر من (86842) زائر  فنلندي.  وفقاً لما اعلنته السيدة يوحنّا كيوسما رئيسة الجنة المنضمة للمعرض.
ويعّد المعرض الدولي للكتاب واحد من اهم الاحداث الثقافية ذات اولوية وشعبية كبيرتين لدى اوساط المجتمع الفنلندي، لاعتبار هذا الحدث بمثابة ملتقى مثالي لعدد كبير من القرّاء والكتّاب، ومجموعة كبيرة من الناشرين، وبائعي الكتب، ودور النشر التي تمتاز بالانتاجات والابداعات الادبية على المستوى الوطني والاقليمي والعالمي، حيث تهدف فنلندا من دور هذا الملتقى الى تعزيز هويتها الثقافية المنفتحة الى العالم في اطار  التواصل الثقافي بين شعوب.
فإذا كانت امة اقرأ .. لا تقرأ ، نجد أن المواطن الفنلندي هو الاكثر استعارة للكتب بين الشعوب. وفقاً لاحصائية منظمة المكتبات عالمية لعام 2010. لذا  ليس الكتاب شيئاً زائداً في تفاصيل حياة المواطن الفنلندي رغم كثرة مشاغلها واتساع رقعة تحدياتها الاقتصادية وجمة مسؤولياتها ، فالقراءة، رغم كل هذا تبقى،، سلوك يومي ملحوظ لدى الفنلندي ومعرّف اساسي لبنيته الاجتماعية كما هي اولى الاسس التي ساعدته على تجاوز فكرة التفاوت الاجتماعي الطبقي، وهي المصدر التنويري الاقوى التي ساعدته لاختيار فكرة الانسان وترجيحها على طبيعة الامتيازات الطبقية او العرقيه الاخرى، وهي جميعها .. قوة و�وده التي اجتازت اختبارها التاريخي و عززت دوره على المشاركة في بناء الوعي الجمعي وفي التأسيس لمجتمع حداثي ديمقراطي نيّر وعادل ومنفتح على التعدُّد والاختلاف وعلى الفكر النقدي.
ومما لا شك فيه ان الكتاب بالنسبة للمواطن الفنلندي لا يعد خير جليس فحسب، بل يعد مصدراً مهماً يرفد العقل بالمعرفة إجمالاً في معترك الحياة، إذ فيه يكمن سر  رقيّ هذا البلد ما لا تكاد تجده في بلدانٍ اخر. هذا الذي جعل الحكومة الفنلندية عام 2008 تكاد ان تدفع قرابة اكثر من تسعة ملايين جنيه استرليني كتعويضات مقابل امتياز استضافتها للمعرض الدولي للكتاب، على اثر رفض ومعارضة المانية شديدة احتجاجاً على غلق شركة نوكيا الفنلندية لمعملها في هامبورغ.
وللمرة الثانية عشر، تفتتح فعاليات المعرض الدولي للكتاب في هلسنكي وسط رضا كبير للزوار، حيث بلغ عدد الزوار لليوم الاول 23811 زائر بزيادة تقدر 21% لليوم الاول عن الدورة السابقة. شارك معظمهم بجميع فعاليات المعرض حيث اجتمع الكتّاب والقراء على رحب الكتاب. ومن هذا الفائض الكمّي والنوعي، على حد سواء، كان للممثليات الدبلوماسية العربية والاسلامية ايضا حصة في المشاركة، وسط مشاركة اكثر من 300 دولة والف منظمة ثقافية، حيث قدمت الممثليات العربية وفودها بنخبة متميزة من الكتّاب والشعراء والروائيين في اطار التواصل الثقافي والتعريف بابداعات وجهود تلك النخبة من المثقفين والذي �هدف حضورهم المتحمس، الاعلاء من شأن الثقافة العربية رغم جم التحديات التي تحاصرها على صعيدها السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ورغم الاستعدادات المكثفة طيلة الثلاثة اشهر الاخيرة واصرار السفارة العراقية ايضا بالمشاركة في المعرض، وانطلاقاً من مبدأ العفة بالعمل، نجد ان السفارة العراقية في هلسنكي برئاسة السفير عبدالكريم مهدي طعمة كعب (حزب الفضيلة)، قد انفردت كالعادة بتواجد وحضور متواضع لا يلبي الطموح  ومخيب للآمال.  فلقد تم اختزال الارث الثقافي العراقي على مدى آلاف السنين بكتاب يحمل كل شروط الفشل الادبي والفني الذي تجاوز عمله في إيثار الغريب، حتى تكاد لا تفرق بينه وبين رؤبة والعجاج!  صادر عن دار نشر يهودية يملكها الناشر لينول روز  وموقها في مانشستر. كما تجد لوحة كبيرة تتصدر الموقع للت�ريف عن الكاتب الكبير نفسه وهي الانسة آسيا عبدالكريم مهدي طعمة كعب (22 سنة)!
ان عملية تجيير احداث شبيهة ثقافية ، اقتصادية او سياسية مهمة لمصالح شخصية تهدف الى تسويق احد ابناء السلطة بات امراً مقضياً في حياة الشعب العراقي، تحدث  امام مواقف محتشمة  لا ينبض عنها حياء ادانة يوازي فعل الجريمة، حتى اصبحت احدى مسلمات المجتمع التي تؤطر حياته اليومية. ان الصلة الوثيقة بين صمت المجنى عليه والشاهد شجع استمرار عملية الاستئثار بالسلطة بطريقة تبز احيانا عهود ماضية. ومما لا شك فيه ان ممارسة السفير العراقي بطريقة تحمل اكثر من تساؤل، تنشأ من حقيقة يؤمن بها معظم ساسة العراق الجديد، ومفادها ... مليون ربيع عراقي يوميا .. لن يغير شئ! فلا حرج اذن من الخروقات ولا ضير من اقامة علاقة وثيقة مع دار نشر يهودية تجاهر بعدائها للهوية العربية والاسلامية.
ان التجاوز الاخرق هذا، على الهوية الثقافية العراقية والعبث فيها من قبل اعلى صفة دبلوماسية تمثل العراق، لا يمكن ان يمر امامنا، مراً مُرضياً من دون الاشارة لهذا الفعل المهين بأعلى درجات الامتعاض. إذ انه لا يحمل دلالات ربيع جديد كما يتمناها ويجدّ في تحقيقها وزير الثقافة العراقي الدكتور سعدون الدليمي.  ولا ندري بتة، كيف يتفق هذا التنظير من حيث الخطابة والمنجز! مع مشاركة البعثة الدبلوماسية العراقية في هلسنكي بمحفل ثقافي عالمي! وبين الاثنين، تهان الثقافة العراقية من قبل ممثليتها الدبلوماسية ، وتزعزع دورها التاريخي بكل منجزاتها الفكرية واختزالها بشخصية واحدة ج�ءت بغفلة صامتة مع حقائب سفر وجوازات دبلوماسية لا تمت للثقافة بصلة وغير قادرة على استيعاب فكرة الحضور الدولي والتمثيل الثقافي في اهم محفل ثقافي عالمي. ورغم المأساة التي وقعت عبر المحيطات، تعد وزارة الثقافة العراقية كقطاع مهم ومُحَرِّك للفعل الثقافي، في الدرجة الاولى، شريكاً اساسياً بهذا الفعل وتتوجه نحوها اصابع الادانة، لتواضع المشاركة لبلد يعد الام الشرعية للانسانية جمعاء، ولإجازتها كتاب لا يمثل الضمير الثقافي العراقي وتتعارض قيمته كمّاً ونوعاً، مع البنية الاساسية للهوية الثقافية العراقية ومنجزاتها الكبيرة.
ففي الوقت الذي نتوجه به نحو انظار وزير الثقافة العراقية الدكتور سعدون الدليمي لاتخاذ اجراءات صارمة للحد من ممارسات لا تكن للثقافة العراقية وحضورها الدولي اي احترام او حرص او تقدير، نتوجه ايضا للملحق الثقافي في الممثلية الدبلوماسية العراقية في السويد وهلسنكي الدكتورة بتول هليل الموسوي بالعمل الرصين مستقبلاً بهدف عدم تكرار المأساة والتعاون الجاد باعلى مستوياته مع الجامعات العراقية ودور النشر والمنظمات الثقافية والاخذ بزمام المبادرة وتقديم العراق في المحافل الثقافية الدولية بأحسن صوره بما يوازي وجوده ويتوافق مع طموح شعبه ، بعيداً جداً ومحمياً من اي اسا�ة او تكرارها قد تجلب الضرر للثقافة العراقية ودورها، وحتى لا تنتهي الصفة الدبلوماسية، مجرد فكرة للاثارة والتباهي وتخفق مهامها امام  الفقر المعرفي الذي يعاني منه البعض، لذا نجد من الضروري ان يتم اتخاذ سبل معرفية جديدة وتصور منهجي جديد يساعد على تحويل هيمنة المنجز الفردي السلبي الى منجز مؤسساتي ايجابي خاضع لضوابط واسس النجاح فى عملية تفاعل طبيعية لا تنفى أصالة العمل الرصين ولا تضعفه. ومجرد من اي عمل عبثي غير معني بتقديم الثقافة العراقية في المحافل الدولية ولا يحمل في اداءه سوى الحضور الفاشل والمنفعة الشخصية على حساب  المبادئ العامة والتي ترسل دوما، دلالØ!
 �ت لا تبعث الامل.

محرر الموقع : 2012 - 10 - 30