سيدة المقام العراقي فريدة تشدو بأحلى أغاني الطرب الأصيل في حفل رائع بهولندا
    

الجديدة ـ أمستردام ـ د.تيسير الآلوسي: في أمسية فريدة واحتفالية من طراز خاص صدحت فيها سيدة المقام العراقي الأولى الفنانة فريدة بجديدها مع فرقة موسيقية تميزت بدقة الأداء وحرفيته العالية التي قدمها مبدعو الآلات الموسيقية النادرة، بإدارة وقيادة الفنان المميز عازف الجوزة الأول الفنان محمد حسين كمر.

 وحفلت تلك الليلة الغنائية بمقامات موسيقية مثل البيات والدشت والهمايون وغيرها من تلك المقامات التي أثارت الشجن العميق وتعاملت ببلسمها مع الأحاسيس الدفينة الغائرة في عروق محبي الموسيقى الشرقية وتحديدا هنا (التراثية المقامية). وجديد الفرقة التي عودتنا على تقديم المقام العراقي بأصوله المعروفة؛ أنها قدمت هذه المرة موسيقى معاصرة بنكهة تراثية لامست في بعض مناحيها رومانسية الستينات وجمعت بين المقام بتاريخيته وطبيعته التراثية المعروفة وعراقته من جهة وبين الأداء الغنائي المعاصر الأمر الذي استدعى توزيعا موسيقيا جديدا وإعادة بناء الجمل الموسيقية بطريقة أبرزت أصول الأغنية العراقية وموسيقاها طوال العقود الخمسة الأخيرة وبطريقة تجذب الجيل الذي بات تحت تأثيرات متنوعة لزمن السرعة والأداء الغنائي المختلف؛ فكسبته باستحقاق جمالي مذهل.
ونجحت الإبداعات الجميلة في أغنيات خاصة بالسيدة فريدة وأخرى تراثية بتقاسيم الفرقة المتألقة..يمكن للمتخصص أن يتحدث بإسهاب عن التكتيك الأدائي من وقفات وانطلاقات ومن أدوات تحكم وتفاعل مع الجمهور وتألقت الفنانة فريدة في بعض تلك الأغنيات بجملها اللحنية الطويلة حيث أنها تعرف بخبرة عريقة كيف تلوّن كي تعطي الأثر المنشود عند جمهور الأغنية السريعة وتعيده للأغنية الطربية بوسائلها الفنية وبتجديدها أيضا، ولعل من معالم النجاح ذاك التفاعل الذي انطلق من قاعة ضمت مئات المستمتعين بهذا اللون المعاصر وبنكهته التراثية من مختلف منابت جمهور ضم العراقيين والسوريين ومن الجنسيات العربية والشرق أوسطية ومن الهولنديين الذين اعتدنا اللقاء بهم في مثل هذه الاحتفاليات النادرة، وبحضور نخبة من متذوقي الفن والمتخصصين فيه أيضا.. وبين الحين والأخر كانت تتسامى الإيقاعات وتنصت الأسماع إصغاء لسلطنة مقامية نادرا ما نجدها ولكنها مع السيدة فريدة وأبرز العازفين تتكرر بروعة التألق في لمحات مهمة ممتعة.

 

هذا الفن ليس من ذاك النوع التجاري من الفن الذي يهبط بالذوق العام وإنما  هذا الفن الذي نلتقيه يمثل إبداعا جماليا مميزا ينطلق أولا من احترام الذائقة والقيم ومن استدعاء أغنى المشاعر الإنسانية ومن الانتماء لهوية تراثية بعيدة؛ فضلا عن التجديد وعن تقديم الإضافات التي لا تقف عند الإطار التقليدي بل تنقله إلى معايشة متغيرات العصر والحداثة بطريقة ملائمة.

كم تمنيت أن أجد فسحة من الوقت لأسجل تلك اللمحات التي سجلت جديد الإبداع الموسيقي من الألحان والتوزيع للفنان محمد كمر والعديد من التفاصيل التي تؤكد: إن الفنانة فريدة ما زالت ثرّة في عطائها وأن جديدها مازال حيا بعنفوان الإبداع بخاصة في أغنياتها التي تقدم لأول مرة في تلك القاعة الكبيرة بوسط هولندا.

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محرر الموقع : 2012 - 10 - 30