اقيمت صلاة العيد يوم الاربعاء في العاصمة البريطانية لندن بامامة ممثل المرجعية العليا في اوربا والذي اكد في خطبته على ما يلي
    

اقيمت صلاة العيد يوم الاربعاء في العاصمة البريطانية لندن بامامة ممثل المرجعية العليا في اوربا والذي اكد في خطبته على ما يلي : 
• المداومة على ما تعلمناه في شهر رمضان من الدروس والاخلاق. 
• اشار الى المآسي التي تعاني منها الشعوب الاسلامية في العالم لا سيما في غزة والعراق. 

 

كالعادة اقيمت صلاة عيد الفطر المبارك في لندن بامامة العلامة السيد مرتضى الكشميري مستهلا حديثه بالاية الكريمة ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) ثم ابتدأ مهنئا الحاضرين بقوله اسعد الله ايامكم وكل عام وانتم بخير: 

نقول هذا بعضنا لبعض مهنئين وقلوبنا تعتصر الما وحزنا وذلك لما جرى ويجري في العالم الاسلامي على المسلمين خصوصا في غزة والعراق، من قتل وهتك وسفك للدماء واستباحة للحرمات وهدم لقبور الصلحاء والاولياء وفساد وبطالة ونقص في الخدمات، وفي كل عام نقول سوف تتحسن الاوضاع الى الاحسن، ولكن مع الاسف هي للاسوء (اصبحنا في زمن لا يزداد الخير فيه الا ادبارا والشر الا اقبالا) فما بالك بما يجري اليوم من تفجير ونسف للمنازل واعتداء على الاعراض وقتل للاطفال كل ذلك بسبب المؤامرات التي يحيكها الاعداء ونحن عنها غافلون او متغافلين حرصا على مصالحنا الذاتية واهدافنا الشخصية وهو الذي اوقع العراق فيما اوقعه من احتلال لاراضيه وتهجيرا لاهاليه حتى اصبحوا لاجئين بعد ذاك العز. 

بالامس ابكاني منظر لطفلة تستلم بعض المساعدات وهي باكية فسالها الموزع لم تبكين يا بنية فقالت: كيف لا ابكي واصبحت ذليلة يتصدق علينا الناس وقد فقدنا كل ما عندنا بعد ان كنا في عز ومنعة، وانا الان مع والدتي لا منزل لنا ولا والد لي ولا اخ، قتلهم الارهابيون، وها نحن في هذا المكان لا محام ولا مدافع عنا. فجزى الله المرجعية خير الجزاء حيث قامت بدور كبير لتخفيف المعاناة عن هؤلاء المشردين الذين اصبحوا فلسطين اخرى، ولولا التقصير لما حصل ما حصل، فعلينا مساعدتهم بالطرق المعروفة والدعاء لهم وهو اضعف الايمان. 

ثانيا: امضينا وامضى المسلمون شهرا كاملا مع الله وفي رحاب شهر الله شهر المغفرة والرحمة والطاعة شهر رمضان المبارك شهر موسم العطاء الروحي والبناء النفسي والتربوي والاخلاقي، في هذا الشهر العظيم تربينا على مائدة السماء (القران) (نورا لا تطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يضل نهجه، وشعاعا لا يظلم ضوءه، وفرقانا لا يخمد برهانه، وتبيانا لا تهدم أركانه، وشفاء لا تخشى أسقامه، وعزا لا تهزم أنصاره، وحقا لا تخذل أعوانه .... ) وعشنا مع الادعية المباركة كدعاء ابي حمزة الثمالي والافتتاح والجوشن الكبير والادعية النهارية والليلية والتسبيحات وغيرها من الادعية في شهر رمضان التي تنقي القلوب وتزيل الادران عنها. 

والسؤال الذي يجب ان نطرحه على انفسنا هل اننا سنبقى محتفظين بهذا الوهج الروحي والعبادي لبقية اشهر السنة، ام تصاب انفسنا بالخمول والضمور وكأننا لم نكن بالامس نمارس هذه الفعاليات على اشدها ؟ 

ايها الاحبة، ليس من البطولة ان ننتصر على النفس في شهر رمضان ثم ننخذل امامها في بقية العام، وانما البطول ان نحافظ على هذا النصر على طوال الايام وتقلبات الزمان. 

وليست البطولة ان نغمض ابصارنا عن محارم الله وان نضبط شهواتنا غير المشروعة في شهر رمضان ثم نعود الى ماكنا عليه بعده، فنكون عندها من مصاديق قوله تعالى ((وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً))، لكن البطولة ان تصوم جوارحنا عن كل معصية في رمضان وبعده حتى نلقى الواحد الديان. 
وليس البطولة ان ننحر الحلال في شهر رمضان خوفا من ان يرد علينا صيامنا ثم نتهاون في تحريره بعده. 
وليس من البطولة ان نتورع عن المحارم في شهر رمضان ونعود الى عدمها بعده وانما البطولة ان يكون الورع مبدأ ثابتا وسلوكا مستمرا. 
وليس البطولة ان نبتعد عن حضور المجالس التي لا ترضي الله اكراما لشهر رمضان ثم نعود اليها وكأن الله عز وجل ليس لنا بالمرصاد في بقية الشهور والاعوام. 
وليست البطولة ان نراقب الله في واجباتنا واعمالنا ما كنا صائمين فاذا ودعنا شهر الصيام اثرنا حضوض انفسنا على امانة اعمالنا وواجباتنا. 

ايها الاعزة، ان مثل الانسان الذي لم يفقه حقيقة الصيام ولا جوهر الاسلام كالناقة التي عقلها اهلها ثم اطلقوها فلا تدري لم عقلت ولم اطلقت، فكذلك البعض من الصائمين لا يدري لم صام ولم افطر وهو المشار اليه في الحديث الشريف (كم من صائم ليس له من صيامه الا الجوع والضمأ وكم من قائم ليس له من قيامه الا التعب والعنا) . 

ايها الاحبة ان شهر رمضان شهر التوبة والغفران وهذا لا يعني بان التوبة مقصورة ومحصورة عليه بل ان ابوابها مفتحة على مصاريعها في كل اشهر العام وكان الديان ينادينا في كل وقت ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) انه جل وعلا يدعو المسرفين الى التوبة فكيف بالمقتصدين وهو القائل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً)) والتوبة النصوح كما قال بعض العلماء الندم في القلب والاستغفار باللسان والاقلاع عن الذنب. 

اذا علينا ان لا نفوت الفرصة في هذا اليوم وهو يوم الجائزة حتى نكسب غفران الله ورضوانه ولا نكون كما قال الله تعالى ((أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)). اذا ينبغي لكل انسان ان يحاسب نفسه ويذكرها بما ذكرنا. 

هذا ولاكتمال صورة العيد في اذهاننا بالصورة الجميلة المواسية للاخرين علينا ان نتذكر الام الاخرين وان نتحسس لامالهم والامهم وعلينا ان نفكر فيمن حولنا من اقارب وجيران وفقراء وايتام ممن لا يمتلكون شيئا لتكتمل صورة العيد في اذهانهم خصوصا ما نشاهده من وضع المهجرين عن ديارهم واوطانهم وليحاول كل واحد منا ان يتحسس دوائره القريبة الاقرب فالاقرب ليعيش معهم العيد في صورته البهية ويرسم البسمة على شفاههم التي قد لا تعرف طعم الفرح، فهناك المئات من الذين استشهدوا وقتلوا في هذا الشهر فترملت نساؤهم وتيتمت اطفالهم وكم من الاسر ابيدت فلم يبقى منهم الا الرجل الطاعن في السن والمرأة المسنة والطفل الرضيع، وكم من الثكالى التي تأن على شهدائها فتلك على اخيها واخرى على زوجها وثالثة على ابيها فهل بعد هذه المآسي يبقى للعيد طعم وهل فكر احد منا ان يزور هؤلاء الارامل ويمسح على رؤوس اليتامى ويواسيهم بما يستطيع عليه من المواساة ليخفف من الامهم واحزانهم وما فقدوه من اعزائهم، وهل فكر احد منا بزيارة مقابر المسلمين في ايام العيد ليراها تعج بالبكاء والنياحة، وكم هو جميل نرى بعض المؤمنين في ايام العيد يقصدون زيارة المقابر وقراءة الفاتحة لامواتهم واموات المؤمنين ويزورون دور العجزة والطاعنين في السن ويحملون اليهم من الورود والهدايا ما يعيد فيهم روح الامل والبقاء. 

مضافا الى هذا كله فقد اكد الاسلام في هذا اليوم على صلة الارحام وزيارة الاخوان، فالحديث يقول (صلوا ارحامكم ولو بالسلام، صلوا ارحامكم ولو بشق تمرة) ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)) وعلينا البر بابائنا وامهاتنا فان لهم حق علينا ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)). 

واخيرا ندعو بما جاء في دعاء يوم الثلاثين في شهر رمضان (اللهم اجعل صيامي بالشكر والقبول على ما ترضاه ويرضاه الرسول، محكمة فروعه بالاصول، بحق سيدنا محمد واله الطاهرين، والحمد لله رب العالمين).


 

محرر الموقع : 2014 - 07 - 30