اللاجئون العراقيون وتجربة الحياة في ألمانيا
    

ضمن إطار برنامج إعادة التوطين التابع للاتحاد الأوروبي الذي أطلق عام 2009، حصل حوالي 2500 لاجئ عراقي على تصريح إقامة والعمل في ألمانيا. عائلة عراقية تتحدث عن انطباعاتها عن ألمانيا وما إذا كانت ترى فيها موطناً جديداً لها.

أسلاك أجهزة استقبال البث الفضائي متدلية طولاً وعرضاً، هكذا تماماً يبدو شكل المبنى الذي تقطن فيه عائلة حامد من الخارج، إذ تسكن هذه العائلة في إحدى المناطق السكنية الهادئة في مدينة هامبورغ. أما من الداخل فتتألف الشقة من ثلاث غرف نوم مفروشة بشكل بسيط، وفيها شاشة تلفاز كبيرة ومسطحة تتمركز في غرفة الجلوس.

عائلة حامد عراقية الأصل، وحامد اسمها المستعار فهي لا ترغب في الإفصاح عن اسمها الحقيقي، ولا عن السبب الذي دفعها للجوء إلى ألمانيا، كما أنها لا تريد أن تنشر صورها عبر صفحات الإنترنيت. وتتألف العائلة من ستة أشخاص، جاؤوا إلى ألمانيا منذ عامين، وذلك ضمن إطار برنامج إعادة التوطين التابع للاتحاد الأوروبي الذي انطلق عام 2009. وبلغ عدد العراقيين الذين قدموا إلى ألمانيا ضمن هذا البرنامج حتى صيف 2010 حوالي 2500 لاجئ عراقي.

احترام المواعيد أساس للحياة في ألمانيا


 جوازات السفر للاجئين العراقيين  ويعد أمر احترام المواعيد في ألمانيا هو أكثر ما لفت انتباه أحمد وزوجته ليلى، فالأب أحمد لم يكن ملتزماً بالمواعيد التي تحددها  المشرفة المعينة من قبل السلطات الألمانية من أجل مساعدتهم وحل مشاكلهم، إذ لم يكن متعوداً على ذلك في العراق، إلا أنه يرى أن الأمر مختلف تماماً في ألمانيا. ويستطرد قائلاً: "لن أفعل ذلك فيما بعد ففي ألمانيا احترام الموعد شيء مهم".

حظي أحمد وعائلته باحترام المجتمع الألماني، إذ قدموا له الكثير من المساعدات على حد قوله، وبالرغم من أنه يبدو سعيداً بوجوده في ألمانيا، إلا أن أحمد يخفي بداخله واقع أسرته الحقيقي، فبالرغم من مرور عامين على إقامتهم في هامبورغ إلا أن عائلته لم تتمكن بعد من تسوية أوضاعها في ألمانيا.

بدون إتقان اللغة يصعب إيجاد عمل

وبالرغم أن برنامج مساعدة استقرار اللاجئين في ألمانيا  يتيح للاجئين إمكانية العمل مباشرة إلا أن أحمد لم يتمكن من كسب قوة يوميه حتى الآن، ويعود سبب ذلك إلى عدم إتقانه للغة الألمانية، رغم التحاق جميع أفراد العائلة بدورات خاصة لتعلم اللغة الألمانية، إلا أن ضعف تواصلهم بالألمان يؤثر على إتقانهم للغة الألمانية بشكل جيد.

 أما ليلى (42 عاماً) فكانت تعمل كمدرسة في العراق، وهي لا تعلم ما إذا كان سيتم الاعتراف بشهادتها أم لا. وتمكن أحمد (44 عاماً) من تحقيق خطوة  نحو الأمام، إذ سيبدأ التدريب كمساعد تقني في المجال الطبي. ويضيف في هذا الصدد قائلاً: "للأسف شهادتي لم يُعترف بها، ما دفعني إلى تعلم مهنة مارست العمل فيها في بلدي العراق على مدار 18 عاماً". ورغم تفهم أحمد لسبب عدم الاعتراف بشهادته إلا أنه من الصعب إخفاء خيبة أمله "أريد أن أعمل بمهنتي بأسرع وقت ممكن فأنا لدي خبرة واسعة في هذا المجال".

العمل بدلاً من الدراسة

حتى أبناء أحمد عليهم أن يقدموا بعض التنازلات في ألمانيا، فسارة (22 عاماً) حصلت على الشهادة الثانوية في العراق، وتخولها شهادتها الدراسة في الجامعة، إذ كانت تطمح بأن تصبح محامية. وبسبب انتقالها إلى ألمانيا توجب عليها تعديل شهادتها الثانوية، وحال اختلاف نظم التعليم بين البلدين دون حصولها على شهادة ثانوية تخولها متابعة دراستها في الجامعة. ودفعت رغبة سارة الملحة في دخول الجامعة إلى التفكير في الحصول على الشهادة الثانوية اللازمة من أجل الدراسة في الجامعة، إلا أن وكالة التوظيف التي تقدم الدعم المادي للعائلة لم توافق على ذلك حسبما تقول سارة: "قالوا لي بأن عمري 22 عاماً وعلي أن أعمل بدلاً من الدراسة".


 أكثر من 2500 لاجئ عراقي وصلوا إلى ألمانيا منذ إطلاق برنامج إعادة التوطين

أما نورا (19 ربيعاً) فتأمل أن تكون طبيبة، وبإمكانها أن تنتقل إلى المدرسة المناسبة التي تمنحها الشهادة الثانوية التي تمكنها من دخول الجامعة وتحقيق حلمها في دراسة الطب. ويسعى عمر (18 ربيعاً) إلى إعادة ترتيب أوراقه من جديد، فهو يأمل أن يتخصص في مجال تصليح السيارات، ويلزمه لذلك شهادة الثانوية العامة الألمانية. وبسبب عدم تمكنه من الحصول على هذه الشهادة، يبحث الآن على مكان تدريب في أحد  المخابز، إذ يكفيه الحصول على شهادة إنهاء المدرسة. أما أصغر أولاد عائلة حامد فهو أمير وجميع الأبواب مفتوحة أمامه، فأمير لا يزال يذهب إلى رياض الأطفال.

الحفاظ على الدور التقليدي للأنثى

وعلى عكس أختيه، تمكن عمر من إنشاء علاقات صداقة مع بعض الألمان وشباب من ذوي أصول مهاجرة، ويذهب عمر في عطلة نهاية الأسبوع مع أصدقائه إلى السينما وإلى نادي تدريب للملاكمة. ويقضي أغلب أوقاته خارج المنزل، إذ لا يشعر براحة كافية لضيق المكان، وهو ما يمنعه من إقامة أي علاقة حميمة، حتى و لو كان لديه رغبة بالتعرف على فتاة ألمانية.

أما بالنسبة لسارة ونورا فيبدو أن الأمر مختلفاً، إذ ينصب جل اهتمامهم على الأمور المنزلية، كما تعودتا على ذلك في العراق. ورغم تأكيد والدهم أحمد على منحهم الحرية الكاملة في الذهاب للقاء أصدقائهم، إلا أنهن يفضلن التنزه مع عائلتهم حسبما تؤكد سارة "الخروج في المساء ليس جزءا من ثقافتنا".

بعد مرور عامين على وصولهم إلى ألمانيا، إلا أن عائلة حامد العراقية لا تزال مُخيبة الآمال، فبرغم العيش الآمن الذي ينعمون به إلا أنهم يأملون أن يتمكنوا من تحقيق التقدم في حياتهم، كأن يتمكنوا من كسب قوة يومهم وأن يصبح لديهم منزلهم الخاص، غير ن الطريق لتحقيق ذلك يبدو أطول من المتوقع.

 

كاترين إيردمان/ دالين صلاحية

مراجعة: عماد غانم

 

محرر الموقع : 2012 - 11 - 08