التوسع شرقًا نحو البلقان..مأزق يهدد وحدة الاتحاد الأوروبي
    
جاءت المعارضة الفرنسية إزاء توسيع الاتحاد الأوروبي لتبرز قضية خلافية جديدة على الساحة الأوروبية، وتشكل تحديا صعبا أمام سياسة الاتحاد الأوروبي التوسعية.
كانت فرنسا قد عبرت، في وثيقة تم توزيعها على حكومات دول الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، عن أن عملية توسيع الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون "تدريجية" ، وأن تكون شروط الانضمام أكثر "صرامة" فضلا عن ضرورة أن يكون الانضمام فقط بعد إجراء إصلاحات للاتحاد، وأن يتم هذا الانضمام على المدى الطويل.
وجاء ذلك عقب رفض الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الشهر الماضي بدء محادثات قبول ألبانيا ومقدونيا الشمالية في الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن أن عملية التوسيع بشكل عام تحتاج إلى إصلاح، وهو ما أثار جدلا واسعا داخل الكتلة الأوروبية.
في هذا السياق، ناقش الوزراء الأوروبيون الثلاثاء الماضي إمكانية إجراء إصلاحات بشأن عملية توسع الاتحاد الأوروبي. وأوضحت الوزيرة الفنلندية للشؤون الأوروبية، تيتي توبوراينن، والتي تتولى بلادها رئاسة الاتحاد الأوروبي حاليا، أن الاقتراح الفرنسي غير مطروح للنقاش، داعية العواصم الأوروبية إلى انتظار تشكيل المفوضية الجديدة الشهر المقبل لاقتراح تعديلات جديدة، ومؤكدة أنه يتعين على أوروبا إعادة إحياء آمال هذين البلدين العام المقبل.
ويبدو أن قضية توسيع الاتحاد الاوروبي أصبحت إحدي القضايا الخلافية حاليا على الساحة الأوروبية. فالموقف الرافض لبدء المباحثات مع مقدونيا الشمالية وألبانيا، والذي تبناه الرئيس ماكرون وصمم عليه، لم يلق قبولا واسعا من قبل الأعضاء الأوروبيين. 
فعلى سبيل المثال عبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن استنكارها لعدم البدء في مفاوضات الانضمام مع هاتين الدولتين الواقعتين غرب البلقان، موضحة أن مقدونيا الشمالية "عملت الكثير" لاستيفاء الشروط التي وضعتها الكتلة الأوروبية، وأن "ألبانيا هي الأخرى حققت تقدما في عملية التدقيق، فتعيين قضاة جدد هو إجراء سيكون له أثر عميق، ولم يبدأ كثير من بلدان منطقة البلقان الغربية بعد في اتخاذه"، مؤكدة اعتقادها أنه "من مصلحة أوروبا " أن تتعامل مع هاتين الدولتين".
أما جان كلود يونكر، رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، فقد وصف الرفض الفرنسي لبدء محادثات الانضمام بأنه "خطأ تاريخي" بينما أعرب دونالد تَوسك، رئيس المجلس الأوروبي، عن خيبة أمله إزاء هذا الأمر واصفا إياه بالـ "غلطة"، في الوقت الذي صرّحت فيه فون دير لايين، الرئيسة المنتخبة للمفوضية الأوروبية، مؤخراً في برلين بأن الاتحاد الأوروبي "طلب الكثير من مقدونيا الشمالية وألبانيا"، مضيفةً "الآن، علينا أن نترجم كلامنا وأن نبدأ مفاوضات الانضمام".
وانقسمت مواقف الدول الأوروبية إزاء الموقف الفرنسي الرافض لعملية التوسيع حيث وجهت كل من النمسا والتشيك وإيطاليا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا رسالة إلى رئيس المفوضية الأوروبية المنتهية ولايته، جان كلود يونكر، تعهّدت فيها "الانخراط البناء في جهود تحسين عملية توسيع الاتحاد، مشيرة إلى أن "تعزيز أوروبا لا يمكن أن يتم من دون دول غرب البلقان"، وداعية الدول الأعضاء إلى فتح مفاوضات انضمام ألبانيا ومقدونيا الشمالية في مارس 2020.
وفي الوقت الذي أبدت فيه كل من بولندا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا، التي تُعرف بـ"مجموعة فيشغراد"، دعمها لقبول شمال مقدونيا وألبانيا في الاتحاد الأوروبي، انضمت الدنمارك وهولندا إلى فرنسا في رفضها لمساعي هذين البلدين البدء في مفاوضات الانضمام.
كانت المفوضية الأوروبية قد أوصت في مايو الماضي ببدء المباحثات مع هاتين الدولتين نتيجة التزامهما بالشروط الأوروبية اللازمة لعملية الانضمام. فعلى سبيل المثال، طالب الزعماء الأوروبيون كثيرا "مقدونيا"، التي كانت جزءا من يوغوسلافيا السابقة، تخليها عن اسمها لإنهاء خلاف استمر عقودا مع اليونان، مشيرين إلى أن ذلك سيٌعجل بقبول طلب عضويتها وهو ما حققته بالفعل وغيرت اسمها إلى "مقدونيا الشمالية"، وهو الأمر الذي كان ذو تكلفة سياسية باهظة إذ واجه القرار معارضة من جانب القوى القومية المحلية.
في السياق ذاته، كانت هناك معارضة واسعة في المجلس الأوروبي لفتح المباحثات مع ألبانيا، التي يرى عدد من القادة الأوروبيين أنها لم تحقق تقدما كافيا في مجال الإصلاحات، بما فيها سيادة القانون، وهو ما دفع دولا مثل فرنسا والدنمارك وهولندا إلى معارضة انضمامها.
ورغم وجود مساع لفصل طلبي البلدين عن بعضهما البعض، وبدء مفاوضات الانضمام مع مقدونيا الشمالية، إلا أنها باءت بالفشل حيث رفض زعماء الاتحاد الأوروبي عملية الفصل بين الطلبين.
ودفع الرفض الأوروبي رئيس وزراء مقدونيا الشمالية، زوران زئيف، إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، حيث بذل جهودا كبيرة واستثمر كافة إمكاناته السياسية لضمّ بلاده إلى الاتحاد الأوروبي في مهمّة محفوفة بمخاطر سياسية، وهو ما أصابه بإحباط شديد.
وتثير هذه القضية جدلا واسعا بين المراقبين ، حيث يعارض فريق كبير منهم التوجه الفرنسي الرافض للتوسع حاليا ، مشيرا إلى أن هذا الأمر بمثابة إيقاف لعضوية الاتحاد الأوروبي حيث أن هذا الرفض لم يقتصر فقط على جعل عضوية البلدين في الاتحاد الأوروبي أكثر صعوبة بل إنه قلص من فرص انضمام دول أخرى في المنطقة إلى ذلك الاتحاد.
وأوضح هذا الفريق أن هذا الموقف يسمح بتنامي نفوذ دول أخرى مثل الصين وروسيا في منطقة غرب البلقان. كما أن هذا التوجه من شأنه إضعاف أوروبا وتقويض طموحاتها في تعزيز مكانتها على الساحة الدولية، حيث تحتاج أوروبا إلى ضم دول جديدة تحت مظلتها لضمان الاستقرار والظهور بمظهر الكيان القوي، لاسيما في الوقت الذي تغادر فيه بريطانيا هذا التكتل الأوروبي، فضلا عن أهمية التنسيق المشترك بينهم والتصدي للتهديدات والمخاطر الناتجة عن التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة.
وأكد هذا الفريق أن هذا الموقف الرافض يتعارض مع سياسة توسيع الاتحاد الأوروبي ، التي تعد إحدى أدوات السياسة الخارجية الأساسية له، حيث شكل احتمال عضوية الاتحاد الأوروبي حافزاً قوياً بالنسبة إلى كثير من الدول لإجراء إصلاحات بداخلها وحل العديد من النزاعات.
أما الفريق الثاني من المراقبين فهو يتفق مع الموقف الرافض لسياسية التوسيع حيث يعتقد أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تعزيز سياساته ومؤسساته الحالية قبل ضم أعضاء جدد إليه، موضحا أن عملية التوسيع تقدم للأعضاء الجدد ميزات كاملة منذ البداية، دون أي وسيلة لتصحيح السلبيات الراهنة كما أنها تشكل عبئا على الأوروبيين في تحقيق طموحات الدول المنضمة حديثا.
في ضوء ما سبق يبدو أن قضية توسيع الاتحاد الأوروبي مرشحة خلال الفترة القادمة لأن تكون إحدى أبرز القضايا الخلافية على الساحة الأوروبية خاصة أنها تعكس حدة التباينات بين الدول الأعضاء أكثر من كونها تعبر عن سياسة عامة للاتحاد، وهو ما يجعلها على الأرجح أكثر تعقيدا على المدى الطويل.
محرر الموقع : 2019 - 11 - 23