فيزياء اللجوء من الذنب إلى الندب …
    

 أخيراً عثرت وتواصلت مع صديقي وأستاذي ومعلّمي د. ((X أستاذ الفيزياء الكوانتيّة في جامعة دمشق، كان آخر شخص أعرفه غادر مقهى الروضة في شارع العابد ثم غادر دمشق، ثم غادر سوريا ليعيش في أبعد قرية شمال أوربا، حقّقت له هذه القرية شرطان لازمان: مكتبة عامة وأنترنت، سألته عن ابنته الوحيدة؟ قال: أنّ إلكتروناتها تشابكت مع إلكترونات شاب لاجئ في فرنسا واتّحدا معاً، وزوجتي انعكس دوران إلكتروناتها فذهبت إلى أميركا، وأنا سأنجز كتابي عن فيزياء اللجوء، ثم سأدخل الثّقب الأسود وأصبح نسياً منسيّاً.

قلت: لماذا ابتعدت واختفيت وأنت من كان يمرح ويسخر، ويشرح الفيزياء بالأمثال الشعبية ويقول: (الحكي صابون القلب) ويُثبت ذلك بمعادلة رياضية، قال: ارجع إلى قول فولتير (حين تتخلى عن المنطق تمشي على أربع)! نحن السوريّون في حالة فوضى الآن، شحنات غامضة تحدث خللاً في نواة الخليّة لدينا، لدى كلّ أنثى وكلّ ذكر 50 ترليون خليّة متوتّرة لا تعيش في تناغم، نحن مرضى وإن غيّرنا المكان البيئي، هذا ضدّ العلم لكنه يحدث في حالتنا، زوجتي تبكي على الهاتف وتقول لقد فازت القسوة والجلافة والذّئبيّة في الانتخابات الأميركيّة! لن تهنأ البشريّة لقرون.

لم أفهم لمَ هي مذعورة لهذه الدرجة! أَلأنّ اليمين الذي اجتاح أمريكا سيجتاح قريباً أوربا وباقي العالم؟ أَلأنّ العنصريّة ستكون سمة هذا القرن؟ والتطرّف والانغلاق والتعصّب غدا السلوك السائد. بعد أن أزال التطوّر في عالم السرعة والاتصالات المسافات بين الدول والقارّات؟ وإن يكن! فالعرب عموماً هم يميّن ومعتادون على ذلك. ونفترض دائماً أنّنا أساتذة العالم ومتفوقون روحيّاً، نعتمد مع بعضنا البعض ومع الآخرين منطق القوة والإخضاع ونستبعد منطق التّفاهم والإقناع، ولسنا ملتزمين بأيّ من معايير إنسانيّة عامة أصلاً، وهذه ساحتنا ولعبتنا التراثية، الكلّ يُسّلم أنّ الله ربّ السماوات والأرض إلّا أساتذتنا التراثيّون فهم يصرّون على فصل هذه الثنائية، فلا أرض ولا دنيا ولا حياة، والمطلوب القفز من مرحلة الولادة إلى الموت! يصفون الحياة على الأرض بأبشع الأوصاف وكأن لا ربّ لها، ليصل بنا الخطاب القبوريّ الموجّه للناس إلى الشَّلل والتنقّل بين الذنب وبين الندب لتتحرّك كل طاقتنا بين هذين العنصرين.

من الآن فصاعداً أصبح السؤال: كيف نتعامل مع الغضب القادم من أميركا بجديّة؟ والذي يمكن أن لا يقتصر على أميركا، قريباً فرنسا على أبواب انتخابات و يمكن أن تفوز فيها السيدة  لوبان وتكرّ السبحة في أوربا، استراتيجيّة الشّتم واللّعن بأن تترمّل نساؤهم و يتيتّم أطفالهم أثبتت فشلها لسببين: أولاً أن الله يمقت الشتّامين اللعّانين، وثانياً لسبب فيزيائي إذ أنَّ ما يخرج من مصدر يعود إليه: الكلمة والفكرة وحتى السّلوك هو نتاج أفكار ومعتقدات، أي أنّنا نصنع متاهة مغلقة، لنا فيها أستاذيّة الدوران في المكان بلا منازع، وقد نواجه موقفاً قاسياً ومفاجئاً يطرح الصراع بشكل عار مع تراجع منظومة الحريّات و حقوق الانسان، فقضيّة اللّاجئين لم تطفو على السطح مع تصريحات ترامب واليمين الأوربيّ وإنّما هي كانت حاضرة دائماً، و المشكلات الدائمة حول أزياء اللاجئين وبناء دور العبادة والعلاقات الأسريّة داخل تجمّعات اللّاجئين مازالت مواضيع خلافيّة في المجتمعات الغربية، الآن ستصبح حدّية، فالمنطق اليمينيّ عادة فجّ و متبجّح ومتعال وعنيف والأخطر أنّه جماهيريّ جذّاب وغريزيّ و مترافق مع قوة وانجازات علميّة واقتصاد متوحّش، نحن أمامه مصابين بالسّمنة المفرطة و العجّز الحركي ، تكدّست في أجسادنا شحوم الأفكار المسبقة التي أراحتنا من تحمّل مسؤولية حياتنا ما دام من ماتوا قد فكّروا و قرّروا وانتهى الأمر، سنكون مطالبين بقائمة طويلة من قبل اليمين الجديد تضع البعض أمام خيارات أحلاها مرّ ، وربّما ستكون هذه الصدمة بداية لرجيّم قاس نحتاجه لإزالة الشحوم المتكدسة و دفن موتانا بشكل لائق، ومعالجة إدماننا على المخدرات التاريخيّة التي تجعلنا نرى أنفسنا وتاريخنا بغير حجمهما الطبيعي.

سألته: هل عبرنا بوابة جحيم دانتي؟ المكتوب عليها (أيها الداخلون هنا انسوا شيئاً اسمه الأمل).

 

أسامة شاكر

 

 
 
محرر الموقع : 2016 - 12 - 18