تكاليف رعاية الأطفال تدفع الأسر إلى العزوف عن الإنجاب
    

تطرح عمليّة رعاية الأطفال تحدّياً مالياً كبيراً أمام العديد من الأسر، التي بات حلمها بإنجاب الطفل الثاني، بمثابة الطموح المؤرق، لذلك، عليها التفكير ملياً قبل الإقدام على هذه الخطوة. ويؤكّد الخبراء أنَّ الزيادة الحادّة في تكاليف الولادة وتربية الأطفال في غالبية الدول، أدّت إلى ارتفاع مصاريف الأسر ذات الدخل المتوسط، ووضعها تحت ضغط مالي شديد.

ولا تتوافر في الدول العربيّة إحصائيات دقيقة حول تكلفة تنشئة الطفل الواحد داخل الأسرة، لكنّ صعوبة الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة، فرضت على عديد من الأزواج، التّخطيط المسبق لعدد أفراد العائلة.

وتؤيّد العديد من الأسر اليوم ثقافة تحديد النسل، والاكتفاء بإنجاب عدد معيّن من الأطفال، بما يتماشى وإمكاناتها المادية المتاحة، لضمان تمكين كل طفل من حقه في الاهتمام والرعاية.

وتبدي أغـــلب النـــساء العربيات رغبـــتهن في كسر النموذج التقليدي للمرأة، والخروج من دائرة الأعراف الاجتماعية التي تــفرض عليهن إنجاب العــديد من الأطفال، بالــرغم من أن قضية ضـبط الإنجاب، لا تزال تثير الكثير من الجدل في صفوف التـــيارات الديــنية، وتتراوح الفتاوى فيها بين التأييد والتحريم.

ويرى خبراء التنمية، أنّ المجتمعات العربيّة مدعوة لإعادة النظر في ثقافة تنظيم النسل، حتى يبلغ معدل النمو الاقتصادي ثلاثة أمثال النمو السكاني، وهو ما يفرض تحقيق التوازن الأمثل بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي، للحدّ من المشكلات الاجتماعيّة.

وتتوقّع الإحصائيّات الحديثة لوزارة الزراعة الأميركية، أن تنفق الأسرة في المتوسط ما بين 10.950 دولاراً و30.640 دولاراً على كلّ طفل في العام الواحد. وتعتبر رعاية الأمّهات والأطفال حديثي الولادة، من أكبر فئات المدفوعات في معظم المستشفيات وشركات التأمين التجارية، والبرامج الطبية الخاصة في الولايات المتحدة الأميركية. وقال تقرير حديث لمكتب تعداد السكان، إنَّ عدد الأميركيات اللائي يقرّرن عدم الإنجاب، زاد عما كان عليه الحال قبل أكثر من ثلاثة عقود.

أما في المملكة المتحدة، فالملايين من النساء لا يفكّرن في الإنجاب أصلاً، بسبب ضغط الظروف المعيشية، وعدم توافر المال الكافي لذلك. وأظهر الاستطلاع، أنَّ غالبية النساء هناك لا يعتقدن أنّ أوضاعهن المالية سوف تكون مريحة إلا بعد سنّ الثلاثين، ولا يفكّرن في الإنجاب إلا إذا زاد راتبهن السنوي عن 46 ألف دولار أميركي في السنة.

وأشارت "فاميلي آند جايلدكير تراست"، وهي مؤسَّسة بريطانية خيريّة لرعاية الأسرة والأطفال، في تقرير حديث، إلى أنّ متوسّط ما تدفعه الأسر على تربية أطفالها ورعايتهم، أكثر مما تنفقه على توفير المسكن لهم في المستقبل.

وتلتهم رعاية الأطفال نصف مداخيل الأسر السويسرية، وفق ما كشفه تقرير يحمل عنوان "من أجل تحسين أوضاع العائلات"، لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وهي النسبة الأعلى على المستوى العالمي.

وهذه التكاليف تؤثّر في طبيعة القرار الذي تتخذه المرأة بشأن رعاية أطفالها خارج العائلة، ويمكن أن يصل الأمر إلى حدّ التأثير في قرار إنجاب الأطفال. وتعدّ السويد من أفضل الدول في العالم في مجال رعاية الأطفال، إذ تبلغ تكلفة تربية الطفل الواحد حتى بلوغه سن الـ18 عاماً، 1.4 مليون كرون. وذكر مصرف "سويدبنك" للتمويل الشخصي، أنَّ السنة الأولى من عمر الطفل، هي الأعلى تكلفة بالنسبة إلى الوالدين، وبمبلغ قدره 110600 كرونة، فيما سجّل الأطفال ذوو الأربعة أعوام أقلّ تكلفة، بقيمة بلغت قرابة 67 ألف كرونة في السنة الواحدة.

وتزداد التّكلفة في سن المراهقة، من خلال الصرف على أمور شتّى، كشراء الملابس، والمصروف الأسبوعي، وشراء الهدايا للأصدقاء، وتكاليف الهوايات التي يمارسونها في وقت الفراغ. أما العائلات الدانمركية، فعليها أن تكدح كثيراً حتى تتمكّن من دفع مصاريف رعاية كل طفل من أطفالها، وهي تكلفة تزيد بعدة أضعاف على ما هو عليه الحال في السويد.

ولاننسى قول الله سبحانه وتعالى ، {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف: 46]. وعن النبيّ(ص): "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له".

محرر الموقع : 2014 - 04 - 22