هل يقع النسر الأمريكي في كمين التنين الصيني والدب الروسي؟
    

يبدو ان نصائح ثعلب السياسة الامريكية العجوز هنري كيسنجر، التي تركها لرؤساء امريكا، حول مبدأ الابقاء على روسيا بعيدة عن الصين، والعمل على بذل كل ما يمكن لدق اسفين في اي تقارب بين التنين الصيني والدب الروسي، يبدو ان هذه النصائح، لم يعد هناك من يأخذها بنظر الاعتبار، او ان الاساليب التي يتم اعتمادها لتطبيق تلك النصائح من جانب الرؤساء الامريكيين، لم تعد تجدي نفعا، وباتت بالية.

الفوضى العارمة التي ضربت السياسة الامريكية، على صعيد العلاقات الخارجية، خلال فترة الرئيس الامريكي المتقلب والساذج دونالد ترامب. والسياسة غير المستقرة وغير الواضحة ، والتي مازالت تتحرك في المجال المغناطيسي لسياسة ترامب، للرئيس الامريكي الحالي جو بايدن، تدفعان وبشكل عنيف الخصمين اللدودين لامريكا، روسيا والصين ، الى مزيد من التقارب، حتى بات الخبراء يتحدثون عن تحالف روسي صيني، بدأ يتبلور، لمواجهة السياسة الامريكية، الرامية للابقاء على امريكا كزعيمة للعالم، من دون ان تمتلك ذات المقاومات السابقة، التي جعلت منها زعيمة للعالم.

امريكا التي بدات تتراجع اقتصاديا وعسكريا امام الصين، ترى ان هذا التراجع سيكون اسرع في حال تحالفت الصين مع روسيا، لذلك بدأت محاولات لمنع هذا التقارب، انتهت جميعها بالفشل، بعد استخدام ترامب المفرط و غير المنطقي لسياسة العقوبات، التي فقدت قيمتها من كثرة استخدامها، وباتت لا تعطي اي ثمار مرجوة فحسب، بل تحولت الى اهم عمل للتقارب بين الصين وروسيا.

اللافت ان الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن، استعاض عن العقوبات والحظر، بالضغط على روسيا والصين عبر استخدام “شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان”، ضد النظامين في روسيا والصين، باعتبارهما نظامين استبدادين، ولكن فات بايدن ان مثل هذه الشعارات قد اكل عليها الدهر وشرب، بعد الحروب المدمرة والدموية التي شنتها امريكا على اكثر من بلد في العالم، وبعد سياسات الحظر الاقتصادي، التي جاع بسببها عشرات الملايين من البشر، ومات مئات الالاف ، وبعد سياسة الكيل بمكيالين ازاء قضايا حقوق الانسان والديمقراطية وحرية التعبير، فهي تستخدم هذه السياسة بطريقة انتقائية، فمن جانب تناصب العداء لدول ديمقراطية تشهد انتخابات نزيهة وتداول للسلطة، بينما تتحالف مع انظمة استبدادية قمعية, فالشعارات التي يرفعها بايدن اليوم لم تعد تقنع احدا، بل على العكس تماما تكشف حجم النفاق الامريكي.

اللافت ايضا ان الصين وروسيا، لم تكتفيا بالتقارب بينهما، بل تقارب كل منهما، مع دول اقليمية كبرى، تشارك البلدين عدائهما لامريكا والسياسة الامريكية، مثل ايران، التي وقعت معها الصين اتفاق شراكة استراتيجية على مدى 25 عاما، ومن المتوقع ان توقع ايران مع روسيا اتفاقا مماثلا، كما ان تركيا وباكستان والعديد من البلدان الاقليمية الكبرى بدأت بالتفكير بنسج علاقات استراتيجية، مع الصين وروسيا، الامر الذي بدا يهدد زعامة امريكا للعالم.

ان استخدام امريكا لسلاح الدولار والحظر والعقوبات، وبشكل واسع، ضد كل من يعارض سياستها، او وضع اسرائيل كحجر زوية في سياستها الخارجية، بحيث تتعامل مع دول العالم، من خلال علاقة هذه الدول باسرائيل، لذلك تتخذ مواقف عدائية مع دول لا تناصب امريكا اي عداء، الا انها تعارض سياسة اسرائيل ازاء الشعب الفلسطيني، كل هذه القضايا جعلت امريكا مكروهة من قبل العديد من دول العالم، التي كانت تتحين الفرض للتحرر من الهيمنة  الامريكية، فوجدت في وجود دول مثل الصين وروسيا وايران ، فرصة للتحرر، وهذه الفرصة بدات تتسع شيئا فشيئا ، حتى باتت امريكا تخشى على زعامتها للعالم، وبدات في التلويح باستخدام القوة العسكرية من اجل التشبث بهذه الزعامة، وهو خيار سيعجل اكثر من تراجع امريكا على الصعيد الدولي.

*فيروز بغدادي

محرر الموقع : 2021 - 04 - 11