ماذا تعني صفقة توتال الفرنسية بالنسبة لقطاع الطاقة العراقي؟
    

توصل العراق إلى صفقة مع شركة النفط الفرنسية العملاقة “توتال” تشمل مشاريع كبرى للنفط والغاز والطاقة الشمسية والمشاريع المائية، والتي من شأنها تقديم مجموعة من المزايا إلى البلاد التي تعاني أزمة اقتصادية حادة وتدهورًا بيئيًا ونقصًا في الكهرباء.

وتضم الصفقة، الموقعة في أواخر مارس/آذار، 4 مشاريع تقدر بنحو 7 مليارات دولار، وفق ما قاله وزير النفط العراقي. وإذا تمت الصفقة، فإنها ستمثل أكبر استثمار أجنبي في العراق في السنوات الأخيرة.

وتعد جميع المشاريع المقترحة أساسية لاستدامة صناعة الطاقة في العراق، والتي تعد شريان الحياة لاقتصاد البلاد حيث تأتي معظم إيرادات البلاد الخارجية من صادرات النفط.

لكن هذه الإيرادات تلقت ضربة كبيرة بعد الانهيار في أسعار النفط وانخفاض صادرات النفط في عام 2020، فيما يعود جزئيًا إلى الركود في الطلب العالمي على النفط في ذروة جائحة “كورونا” وقيود إنتاج “أوبك”.

التحول للاعب مؤثر

كانت شركة “توتال” حتى الآن لاعبا صغيرا نسبيا في قطاع النفط العراقي بسبب الشروط التعاقدية الصعبة التي عُرضت على شركات النفط الأجنبية عندما دعت بغداد لأول مرة لتقديم عطاءات لعقود الخدمات الفنية الأولية في عام 2008. 

وتمتلك الشركة حصة أقلية في حقل نفط حلفايا الذي تبلغ قدرته 400 ألف برميل يوميا وتديره شركة “بتروتشاينا” في البصرة.

أما الشركات متعددة الجنسيات الأخرى مثل “بريتيش بتروليوم” و”إكسون موبيل”، فتدير مشاريع أكبر، في حين أن شركات النفط التابعة للحكومة الصينية لديها أكبر وجود في العراق، بفضل استحواذهاعلى مجموعة من الأصول على مدار العقد الماضي.

غاز العراق المهدور

وبحسب المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية في 2020 والتي تصدرها “بريتيش بتروليوم”، فإن إجمالي احتياطيات النفط في العراق تقدر بـ 145 مليار برميل في حين تبلغ احتياطيات الغاز 125 تريليون قدم مكعب.

وقبل عام 2008، تعطت التنمية الكاملة لهذه الاحتياطيات بفعل الصراع والعقوبات ونقص الاستثمارات، وأدى توغل مقاتلي “الدولة الإسلامية” في العراق والشام في عام 2014 إلى تلف في مرافق الطاقة الرئيسية.

وبعد سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عام 2003، كانت وزارة النفط العراقية تخطط لتوسيع الطاقة الإنتاجية النفطية من حوالي 2.5 مليون برميل يوميا إلى أكثر من 12 مليون برميل يوميا بمساعدة شركات النفط الأجنبية.

ولم يكن هناك بنود للتعامل مع الغاز المصاحب الذي يتم إنتاجه إلى جانب النفط، وكان الحرق هو الخيار الوحيد، لذلك كان لابد من التفكير في تجميع واستخدام الغاز الطبيعي. وقد استغرق الأمر سنوات لتطوير شبكة لمعالجة الغاز الخام من خلال ثلاثة من أكبر حقول إنتاج النفط في الجنوب. ومع ذلك، لا يزال العراق يشعل كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، ما يجعله مورد ضائع فضلا عن الخطر البيئي الذي تمثله هذه العملية.

بمرور الوقت، أدت ظروف السوق المتغيرة وقيود البنية التحتية إلى إجراء مراجعات هبوطية كبيرة من قبل وزارة النفط للهدف الأصلي لإنتاج النفط لعام 2008. وتبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية 5 مليون برميل في اليوم، مما يجعل العراق ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط في “أوبك” بعد السعودية. ويستهدف العراق الوصول إلى 8 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2029 وإنهاء حرق الغاز بحلول عام 2025.

ولكي يحقق العراق أهدافه، يحتاج بشكل عاجل لإحياء مشروع ضخ المياه المتأخر للحفاظ على ضغط الخزانات في حقول الإنتاج في البصرة. وفي الوقت نفسه، يحتاج إلى معالجة كميات أكبر من الغاز الطبيعي المصاحب (بالتزامن مع النفط) لتوليد الطاقة وتقليل الحرق.

صفقة مفيدة للطرفين

ستمكن المشاريع التي حددتها “توتال” ووزارة النفط العراقية، من إنتاج النفط وتحقيق النمو من خلال إحياء مشروع إمدادات مياه البحر المشتركة لتوفير المياه المحلاة لضخها في الحقول المنتجة وكذلك تطوير محطات إضافية لمعالجة الغاز، للحد من الحرق.

وفضلا عن ذلك، فإن هناك مشروع كبير للطاقة الشمسية مشمول في الحزمة، ويمثل ذلك خطوة كبيرة في تطوير صناعة الطاقة المتجددة في العراق وسيساعد في تخفيف نقص الكهرباء الذي أثار غضب الجمهور.

ويتناسب هذا المزيج من تطوير الوقود الأحفوري ومشروع للطاقة المتجددة مع استراتيجية شركة “توتال” لتحويل نفسها إلى شركة طاقة منخفضة الكربون من خلال إعطاء الأولوية لمشاريع الطاقة المتجددة.

وفي مقابلة في 6 أبريل/نيسان مع صحيفة “ذا ناشونال”، تحدث رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي”، عن أسفه لنقص الغاز الطبيعي الذي أجبر العراق على الاعتماد على واردات الغاز والكهرباء من إيران، والتي تتوقف على منح الولايات المتحدة إعفاءات من العقوبات.

وفي حين أن عقود الخدمة التقنية لم تدرج سابقًا أحكاما للتعامل مع الغاز الطبيعي، فإنه لم يكن هناك أيضا سعة تخزين كافية وخطوط أنابيب للتعامل مع الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط والغاز.

تشير البيانات التي جمعتها “الشراكة العالمية للحد من حرق الغاز العالمي” إلى أن روسيا والعراق وإيران والولايات المتحدة والجزائر شكلوا نحو 50% من 145 مليار متر مكعب من الغاز الذي تم حرقه عالميا في عام 2018.

وحرق العراق نحو 18 مليار متر مكعب في عام 2019، مما يضعه في المرتبة الثانية بعد روسيا وفوقى الولايات المتحدة بقليل. وتحسن الوضع إلى حد ما مع معالجة شركة غاز البصرة للمزيد من الغاز (الشركة مشروع مشترك يجمع شركات شيل وميتسوبيشي وشركة الجنوب العراقية).

وتستقبل الشركة الغاز المصاحب من 3 من أكبر حقول الإنتاج في جنوب العراق (الرميلة، غرب القرنة 1، وزبير). ومن بين 26.6 مليار متر مكعب من الغاز الخام التي أنتجها العراق في عام 2019، تم حرق نصفها تقريبًا فيما تمت معالجة النصف الآخر من قبل شركة غاز البصرة واستخدامها لتوليد الكهرباء.

مشروع إمدادات المياه المتأخر

ومن بين “المشاريع العملاقة” التي أدرجها وزير النفط العراقي “إحسان إسماعيل” بعد أن وقع الاتفاقية مع الرئيس التنفيذي لشركة توتال “باتريك بوياني”، فإن تلك التي تتعامل مع الغاز والمياه تأخرت كثيراً.

وكان من المقرر أن تقود شركة “إكسون موبيل” مشروع الإمدادات المشتركة لمياه البحر، ولكن المشروع ذهب في غياهب النسيان منذ أن تخلت عنه الشركة الأمريكية العملاقة في عام 2011، كما أخفقت الجهود اللاحقة لإحياء المشروع مع المستثمرين الجدد.

وكان الهدف الأصلي للمشروع المتعثر الذي قُدّر بالمليارات، هو إنتاج 12 مليون برميل يوميا من مياه البحر المعالجة لإعادة ضخها في 6 حقول رئيسية لإنتاج النفط في الجنوب، بما في ذلك حقل نفط الرميلة، الذي تديره شركة “بريتيش بيتروليوم”.

ويعد رميلة أكبر حقل في العراق، حيث ينتج حوالي 1.4 مليون برميل من النفط الخام يوميا، ولكنه يحتاج إلى ضخ كمية ثابتة من الماء للحفاظ على هذا المستوى من الإنتاج وزيادته.

تقدر وكالة الطاقة الدولية، في تقرير خاص صدر في أبريل 2020 عن قطاع الطاقة العراقي، أن العراق لديه القدرة على أن يصبح ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم بعد السعودية بحلول عام 2030. ولكن الوصول إلى ذلك يتطلب حوالي 8 مليون برميل من المياه في اليوم للحفاظ على إنتاج النفط. 

وبموجب الخطط المعدلة، ستطور “توتال” منشأة أصغر مما هو مقترح في الأصل بإنتاج يبلغ 2.5 مليون برميل في اليوم، وهو ما لا يكفي لتغطية جميع الحقول الستة التي توفر الجزء الأكبر من إنتاج النفط العراقي، ولكنها خطوة أولى لضمان استمرار الاستقرار في الخزانات النفطية.

تغطي بنود النفط والغاز في صفقة “توتال”، تطوير حقل أرطاوي النفطي وبناء منشأة غاز مركزية لمعالجة الغاز المصاحب من 5 حقول نفط في الجنوب. ومن شزن ذلك أن يكمل منشآت معالجة الغاز الحالية لشركة البصرة ويغطي التوسع المخطط له، مما سيساعد على تغطية عجز الغاز في العراق.

ستعتمد الاتفاقية النهائية مع “توتال” على الشروط التجارية، وهي شئ من المهم وضعه في الحسبان في ظل بيئة مالية صعبة تحاصر بغداد وشركات النفط الدولية. وقالت الوزارة إن أرطاوي لديه سعة إنتاجية قدرها 60 ألف برميل في اليوم وإن الاتفاقية الأولية مع “توتال” سترفع من قدرة الإنتاج إلى 200 ألف برميل في اليوم.

مخاطر تهدد الصفقة

يمثل نقص الغاز ضربة مزدوجة من حيث عدم كفاية الغاز لتوليد الطاقة مما يجبر العراق على الاعتماد على الواردات المكلفة، مع منع تطوير البتروكيماويات والصناعات الأخرى التي تستخدم الغاز كمواد وسيطة. وقد تم تعليق مشروع بتروكيماويات بقيمة 8 مليارات دولار مع شركة “شيل” لسنوات في انتظار توافر فائض الغاز.

ولا يزال يتعين تطوير حقول الغاز غير المصاحبة التي إذا تم تطويرها ستوفر أيضًا الغاز الذي تشتد الحاجة إليه لتوليد الطاقة مع زيادة الطلب على الكهرباء. 

وقد وافق العراق على الانضمام إلى شبكة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي، وهي خطوة من شأنها تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بشكل غير مباشر مع دول الخليج العربية، وخاصة السعودية والإمارات، وكلاهما يريد إضعاف نفوذ إيران في العراق. 

في غضون ذلك، يبدو أن فرنسا كانت تغازل العراق بزيارة الرئيس “إيمانويل ماكرون” في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وبالتالي ليس من المستغرب هذا التعاقد الضخم مع شركة “توتال”. كما إن تضمين محطة توليد طاقة شمسية بقدرة 1 جيجاوات في الاتفاقية، يتناسب مع استراتيجية خفض الكربون للشركة الفرنسية مع توفير أساس متين للطموح العراقي بزيادة الطاقة المتجددة، حيث  يتطلع العراق إلى توليد 20% من احتياجاته من الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية بحلول عام 2030.

وبمجرد الاتفاق على التفاصيل والتوصل إلى اتفاق نهائي بين عملاق النفط الفرنسي والعراق، يجب أن ترفع العقود إلى مجلس الوزراء العراقي للموافقة عليها. لكن احتمال حدوث تغيير في الحكومة بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول، يهدد بوقوع العقود كفريسة للأجهزة السياسية العراقية المعروفة بالبطء والبيروقراطية، في وقت لا يتحمل فيه الاقتصاد العراقي الهش أن يخسر استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار.

المصدر: الخليج الجديد

محرر الموقع : 2021 - 04 - 15