السيد الكشميري: يؤبن عميد آل بحر العلوم
    

أقامت مؤسسة الامام علي (ع) في لندن أول مجلس فاتحة على روح العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم مساء الاربعاء 8 نيسان 2015م وقد شاركت الجالية العراقية بمختلف طبقاتها في الحضور الى ديوان المؤسسة. وأبّن المرحوم كل من العلامة الدكتور السيد فاضل الميلاني والدكتور ابو محمد الوكيل والشاعر جابر الجابري، واختتم المجلس بمجلس عزاء على سيد الشهداء (ع). أما السيد الكشميري فقد أبنه بكلمة تنبئ عن عمق علاقته بالفقيد الراحل وصلته القديمة به منذ ايام النجف قائلا: 

عرفت سماحة الدكتور السيد محمد بحر العلوم منذ أواسط الستينات وأنا أقرأ مقدمة للخطيب السيد حبيب الأعرجي في مجلس آل بحر العلوم السنوي في العشرة الثالثة من محرم، وصرت أتردد على هذه الديوانية التي تفتح أبوابها قبيل الغروب وحتى وقت متأخر من الليل ويرتادها مختلف الطبقات وعلى رأسهم العلماء وأساتذة الحوزة، ويتصدر المجلس سماحة آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي (قدس سره)، وتدور فيه النقاشات الفقهية والأصولية، وكان هو المرجع إليهم فيما يختلفون فيه من المسائل، وكأن هذه الديوانية مدرسة لكبار العلماء يتناقشون فيها مختلف المسائل العلمية والعقائدية والخلافية. وأتذكر فيها دور أستاذنا المرحوم آية الله السيد محمد تقي الحكيم الذي كان له باع طويل في القضايا الخلافية نتيجة مهارته التي نشأت له من أسفاره المتكررة للمنتديات والمؤتمرات التي كانت تقام في القاهرة وغيرها، التي كان يمثل فيها حوزة النجف الأشرف، وكان رحمه الله ينهدر كالسيل في الإجابة على الشبهات التي تطرح من الآخرين في هذا المجلس، ولعل كتابه (الأصول العامة في الفقه المقارن) وغيره من مؤلفاته القيمة تعكس هذا الوجه النير من أفكاره. 

مضافاً إلى ذلك كانت تطرح في هذه الديوانية القضايا الاجتماعية والسياسية وطرق حلها خصوصا التجاذبات السياسية آنذاك بين أركان الحكومة المختلفة في بغداد وربما يكون الحسم لمعظمها من هذا المكان لقربه من مركز القرار أي مرجعية السيد الحكيم رحمه الله. ولا انسى المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد علي بحر العلوم والد الفقيد الراحل الذي كان له دور كبير في حسم النزاعات العشائرية والقبلية في منطقة الفرات الأوسط وغيرها، وذلك للاحترام الكبير الذي يكنه رؤساء العشائر والقبائل لشخصه المبجل ولرأيه السديد وأمره المطاع، وكان الى جانبه الفقيد يشاطره الرأي ويكتسب منه الخبرة والمهارة في هذا المجال بل وربما كان يستقل في معالجة القضايا الاجتماعية في حياة والده. أما بعد وفاته فقد تحولت هذه الأمور إليه لمعرفته بخصوصيات الأمور الآنفة الذكر. ولقربه من السيد الحكيم اصبح هو الرابط السياسي بينه وبين الدولة مع زميله الشهيد السيد مهدي الحكيم آنذاك فكانت كلما استجدت قضية أو عصفت عاصفة تخص العراق والعراقيين تصدّرا لها باسم المرجعية آنذاك. فترى الفقيد الراحل أكثر أيامه بين بغداد والنجف سواء لمعالجة القضايا العامة أو الخاصة حيث تقصده الناس بحوائجها وتجد ضالتها عنده. وما رأيت شخصاً يُقصد من أهل العلم سواه، إذ كانت السمة البارزة فيه خلقه الرفيع وسعة صدره لمختلف الطبقات يستقبلهم بوجه منفتح تعلوه البسمة والبشر دائما، وأستطيع أن أقول أن أبا إبراهيم كان محبوباً من الجميع. 

ولقوة شخصيته وموقعه ومحبة الناس له قامت السلطة الغاشمة باصدار حكم الاعدام ضده في قضية ملفقة من صناعة البعث البائد غير أن الله أنجاه من أيديهم، فانتقل إلى الكويت في أوائل السبعينات وبقي فيها فترة قاضيا في القضاء الجعفري إلا أنه بقي على صلابته ومواجهته للنظام. وعلى إثر هذا هدد بالتصفية الجسدية فانتقل إلى بريطانيا ليقوم بواجبه التبليغي مع رفيق دربه الشهيد السعيد السيد مهدي الحكيم رحمه الله، فأسسا مركز أهل البيت (ع) في جنوب لندن وشكلا فيه المعارضة العلنية للإطاحة بالنظام البائد وكانت معظم الاجتماعات تقام هناك، وكان هو المحور الذي اجتمعت عليه المعارضة بعد وفاة زميله، حيث لم تجتمع بعدها على أحد سواه. وتوثقت علاقتي مع الفقيد عندما دعاني لإحياء العشرة الأولى من شهر محرم في مركز أهل البيت (ع) وبقيت خطيبه لعدة سنوات وكان هو المجلس الوحيد الذي يضم مختلف الشخصيات السياسية والطبقات الاجتماعية. وكانت رابطتي به رابطة الابن مع أبيه لما كان يغدقه علي من عطف وحنان ولطف وإحسان، حتى أنني كنت أعبر عنه بعمنا السيد أبي إبراهيم. 

وحين اطيح بطاغوت العراق انتقل إلى الوطن مباشرة وانتخب أول رئيس مجلس حكم لدولة العراق فانقطع تواصلنا معه برهة من الزمن لانشغاله بأمور الدولة. وبعد فترة التقيته في لندن فوجدت أخلاقه وسعة صدره كما هي لم تتغير حين يستقبل من يقصده في قضاء الحوائج. وكان آخر لقاء لي معه عندما ادخل المستشفى في لندن فزرته فوجدته بنفس الروحية وربما كان يسال بعض خصوصيات من كان يعرفه، وخرج اخيرا من لندن بتلك الروح العالية كما دخلها، حتى وفد على رب الكريم تاركا مؤلفات قيمة ناهزت الخمسين مؤلفا، بالاضافة الى تأسيسه لمعهد العلمين في النجف الأشرف التي دفن فيها والذي يعتبر من صدقاته الجارية الى جانب غيرها. 

فسلام الله عليك يا سيدنا أبا إبراهيم يوم ولدت ويوم عشت ويوم رحلت ويوم تبعث حياً.

 

 

محرر الموقع : 2015 - 04 - 21