قراءة في الصفحة الثانية من قرار أعتزال الصدر...
    

هل يشكل قرار السيد مقتدى الصدر، الانسحاب من العملية السياسية، وترك المشهد السياسي، وإعلانه بعدم وجود كتلة تمثله، وما تلاه من إغلاق كل المكاتب السياسية التابعة للتيار الصدري، مع الاحتفاظ ببعض المكاتب التوجيهية والتثقيفية، مفاجئة للشارع السياسي، أم أنه أمر ينطوي على تخطيط بعيد المدى يستند الى حنكة سياسية؟!
لا نشكك بقدارت السيد الصدر، ولا بعقلية من حوله، لكننا نرى أن قراءة القرار لا يمكن الشروع بها، دون النظر في الأسباب التي ألجأت السيد الصدر لاتخاذه.
كتلة الأحرار تمثل أكبر تشكيل سياسي موجود، في البرلمان الحالي، بأربعين مقعد وثمان حقائب وزارية، وهذا الثقل استمد زخمه من وجود السيد مقتدى الصدر، كراعي وداعم للكتلة.
هذا القرار، لم يكن الأول من نوعه، إذ أعلن السيد مقتدى الصدر، انسحابه قبل مده، لكنه عاد وفق ضغوط جماهيرية، استجاب لها السيد في وقتها، إلا إن هذا القرار الأخير، جاء مربكا للمشهد السياسي عموما، ولكتلة الأحرار خصوصا.
غياب السيد مقتدى كما أُعْلِنَ، هو لعدم رضاه عن أداء الحكومة، وان من يقود البلد هو دكتاتور، كما انه أتى كردة فعل، لتصرفات بعض المفسدين، المنضوين تحت لواء آل الصدر لذا وحفاظا على ارث آل الصدر، وسمعة العائلة، آ ثر الصدر الانسحاب والابتعاد عن السياسة.
للوهلة الأولى، اعتقد الجميع بان انسحاب الصدر سيولد تشتتا في الخط الصدري، وتشرذما في كتلة الأحرار، وهذا ما يمكن قراءته من خلال الانسحاب.
فجوهر كتلة الأحرار مرتبط بكاريزما الصدر، وان أي شخص أو جهة أو تشكيل، لن يستطيع التمتع بنفس الكاريزما، التي تجعل من أتباع التيار الصدري يلقون بالسمع والطاعة، لأي شخص عدا الصدر.
الملاحظ إن انسحاب الصدر، رسم خارطة جديدة، لوجوه وشخصيات التيار الصدري، فقد أُزِيحَتْ وجوه، كانت تعتبر أعمدة كتلة الأحرار، وبرزت إلى الساحة وجوه بديلة، لم تكن تتمتع بتلك الشهرة والمعرفة، حتى على مستوى التيار الصدري نفسه.
كما إن اللغط الذي أُثِيرَ حول التصويت على قانون التقاعد، وبالخصوص المادة 38 الخاصة بالامتيازات، جعل الكتل كلها، تنأى بنفسها عن التصويت على تلك الفقرة، وكان النائب بهاء الاعرجي، من أوائل الذين أعلنوا قوائم المصوتين، ثم ليتضح الحق بعد ذلك، بصدور وثيقة رسمية من رئاسة مجلس النواب، أثبتت إن النواب الصدريون قد صوتوا لصالح الامتيازات.
هذا التصويت المناقض لتصريحات النواب الصدريين، جعل الكتلة في حرج، وجعل موقفها أمام الرأي العام، وأمام قواعدها موقف لا تحسد عليه، هذا الموقف أثار امتعاض زعيم الكتلة، السيد مقتدى الصدر وقرر الاعتزال.
قرار الاعتزال لمن يتمعن به، يجد انه تكتيك مدروس ومحسوب، فلولا هذا الخطوة، لكان أمر تغيير بعض النواب والشخصيات الصدرية، امراً في غاية الحرج للكتلة وقيادتها، كما إن قرار الاعتزال سحب الأضواء المسلطة على تصويت الصدريين، فصار المحللون السياسيين والمتابعون، يشرعون بقراءة الانسحاب دون الالتفات للتغيير أو التصويت.
هذا الانسحاب حتما، لن يبعد ظل الصدر عن كل خطوة لاحقة، ستقوم بها الكتلة، فكما صرح الأمين العام لكتلة الأحرار، حيث أكد على إن الكتلة لن تحيد عن الخط الذي رسمه الصدر، وهي مستمرة على مبايعته، والبقاء على نهجه.
أخيرا والحال هكذا، إن كان تصرف الكتلة جيدا سيحسب للصدر أما إذا كان فيه ما يعيب، فان الصدر بحكم الانسحاب، برئ من أفعال كتلته.
عبد الحسين الجابري

محرر الموقع : 2014 - 04 - 15