في العراق.. تحقيق خطوات مهمة تجاه تعافي قطاع التصنيع الحربي
    

يتحدث رئيس هيئة التصنيع الحربي في العراق، محمد صاحب الدراجي، لـ”العربي الجديد”، عن خطط مقسمة إلى مراحل زمنية لإعادة قطاع الإنتاج العسكري للعمل، بهدف تقليل الاعتماد على الاستيراد، خصوصاً في ما يتعلق بالذخائر والعربات العسكرية للجيش. لكنه يلفت أيضاً إلى وجود عرقلة متعمدة لإحياء هذا القطاع، كاشفاً، في الوقت نفسه، أن العراق يستورد حالياً نحو 96 في المائة من حاجة القوات العراقية العسكرية من دول مختلفة.

وتسلم الدراجي منصبه في يوليو/تموز الماضي، كأول رئيس لهيئة التصنيع الحربي العراقية، بعد قرار إعادة إحياء قطاع الصناعات الحربية، عقب تفكيكه إثر الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، بأمر من الحاكم المدني بول بريمر آنذاك. وكان بريمر قد حل بموجب القرار رقم 75 لسنة 2004، منشآت التصنيع العسكري، التي تعرض الكثير منها إلى النهب، لتضيع على العراق فرصة الاستفادة من مصانع عملاقة جرى استيرادها بأموال طائلة.

ويؤكد الدراجي، في حديث مع “العربي الجديد”، تحقيق خطوات مهمة تجاه تعافي قطاع التصنيع الحربي، بعد أن كان العراق يحتل لعقود طويلة مراتب متقدمة في مجال الصناعات العسكرية، خصوصاً في ثمانينيات القرن الماضي.

وفي عام 2019 صوّت البرلمان العراقي على “قانون هيئة التصنيع الحربي”، كخطوة لإنشاء قاعدة للصناعات الحربية في البلاد، وسد احتياجات القوات الأمنية. لكن فعلياً بدأ العمل ببرنامج إحياء هذا القطاع قبل أشهر قليلة فقط، ضمن خطط بغداد لتقليل الاعتماد على الخارج في جوانب يمكن تعويضها، مثل ذخيرة السلاح، الروسي والصيني، إذ يمتلك العراق أساساً 21 خط إنتاج رئيسياً، توقفت بعد الغزو الأميركي في 2003، وتقرر إعادة تشغيلها في 2019.

ويقول الدراجي، الحاصل على الماجستير في الهندسة المدنية من جامعة “ساوث بانك” البريطانية، إنه “خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تمكنّا من إعادة مجموعة من المصانع الحربية المتوقفة كلياً عن العمل.

قسم منها مكتمل وفيه خطوط إنتاج جاهزة، مثل مصنع المدافع الموجود في عامرية الفلوجة غرب العاصمة بغداد”. ويعتذر الدراجي عن الخوض في تفاصيل يرى أنها غير صالحة للنشر في الوقت الحالي لحساسيتها، لكنه يؤكد “تحقيق تقدم كبير في إعادة تأهيل معامل مهمة مثل بدر، والقعقاع، ومصانع إنتاج القذائف”، متحدثاً عن وجود “إرادة” ما زالت تسهم في عرقلة عجلة الإنتاج بشكل أكبر، من دون إعطاء تفاصيل عن الجهة التي تقف وراء هذا التعطيل.

ويكشف الدراجي عن بدء “تأهيل بعض المصانع الحربية المهمة في البلاد التي تحتاج خطوط الإنتاج فيها إلى التأهيل والتصليح لبعض الأجزاء والمراحل الإنتاجية”، لافتاً إلى أن “القوات العراقية المسلحة تستورد حاجاتها من الخارج بنسبة تصل إلى 96 في المائة”، وهو ما تعمل هيئة التصنيع الحربي على تغييره، لخفض نسبة الاستيراد المتعلقة بالجوانب العسكرية.

وبينما يلفت إلى حقيقة أن “الهيئة ما زالت جديدة” وأنه “أول رئيس رسمي لها”، يتحدث عن “وضع خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد” لإحياء الإنتاج الحربي العراقي. ويوضح أن الخطط “طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق الاكتفاء النسبي لمستلزمات المعدات الحربية لقوى الأمن والجيش العراقي. أما متوسطة الأمد فهي التي تحقق الحاجات التقنية الاستراتيجية للقوات المسلحة”.

وبشأن الخطط قصيرة الأمد، فيوضح أنها تتعلق “بتوفير الذخيرة والأعتدة المهمة والدروع والعجلات (الآليات) المتحركة ومعدات الجنود المختلفة للقوات المسلحة”، خصوصاً أن العراق يملك خطوط إنتاج متوقفة، يمكن عبر إعادة إحيائها تأمين ذخيرة السلاح، الروسي والصيني، المستخدم من قبل القوات العراقية. ويشير إلى أن الخطة قصيرة الأمد، والتي تمتد على مدى خمس سنوات، قائمة على شقين، الأول يعتمد على الموازنة المالية للدولة، والشق الثاني استثماري، يكون من خلال إشراك القطاع الخاص في هذه الصناعات.

وبشأن التحركات الأخيرة للهيئة وزيارة وفود منها دول مختلفة، يبيّن الدراجي أن “التحرك شمل الدول الصديقة للعراق، تحت عنوان توطين الصناعات الحربية، ودورنا لم يكن لشراء أسلحة وأعتدة منها، بل لنقل التكنولوجيا من بعض الدول. وقد تحركنا باتجاه أوروبا الشرقية ودول عدة بالمنطقة”، مشيراً إلى أنه تم تحقيق نتائج متقدمة في الحوارات مع الدول التي جرى التحرك باتجاهها أخيراً.

ويلفت إلى أنّ “السلاح المتوفر الآن في الجيش العراقي هو شرقي وغربي. يعني هناك سلاح روسي وأميركي، وهناك حاجة إلى خلق حالة من التوازن في العمل لكي نديم سلاحنا، الغربي والشرقي، ونهيئ الذخيرة. ويجب التواصل مع البلدان الصديقة التي لا تعد عدواً محتملاً، والتي لها النية الحقيقية الصادقة للانفتاح على العراق”.

وفي ما يتعلق بالعنصر البشري لمواكبة خطط إحياء الإنتاج الحربي، يؤكد الدراجي أن التصنيع العسكري السابق في العراق كان “يضم خبرات وكفاءات علمية كبيرة جداً، قسم منها خارج العراق الآن، والآخر ترك العمل لأسباب سياسية أو قانونية، وقسم ما زال موجوداً، وقد نجحنا في استعادة بعض الخبرات القديمة المنتقاة، لكن المشكلة لدينا لا تكمن في الخبرات وإنما في الأيدي العاملة الشابة، لأن أغلب الموجودين في الهيئة من الخبرات المتوسطة والكبيرة يحتاجون إلى أيدٍ عاملة. لذلك نحتاج إلى عمالة محترفة من الجيش، أو فتح باب التعيين لبعض الشباب للعمل على الآلات الجديدة التي سيتم استيرادها، وحاجتنا أكبر للطاقات الشبابية”.

ويتحدث الدراجي عن قانون صدر في عام 2019 في بغداد يُلزم الوزارات والمؤسسات العراقية بشراء منتجات هيئة التصنيع الحربي، مشيراً إلى أنه “في ضوء ذلك نسعى لأن تكون أسعارنا مقاربة لما هو مطروح في السوق العالمي، ولا تخرج عن معادلة النوعية والجودة. ولكن بعض الجهات والمؤسسات، ولأسباب عديدة لا نخوض في تفاصيلها، لا تتعاون في مسألة التسويق والاعتماد على الإنتاج العراقي، وقد يكون بعضها محرجاً لأسباب متعلقة بآفة الفساد أو أن لديها التزامات بعقود أخرى”.

ويلفت الدراجي، الذي سبق أن شغل مناصب سابقة في الحكومات المتعاقبة الأخيرة أبرزها وزير الصناعة، والإعمار والإسكان، إلى أنه “لا يوجد إرادة حقيقية من القائمين على القوات المسلحة من وزراء وقادة لتوطين الصناعة العسكرية وحفظ الاقتصاد العراقي من تبذير العملة الصعبة في ملف استيراد الاحتياجات العسكرية”. ويضيف: “بالنتيجة نحن لن نغطي كل احتياجات الجيش العراقي، ولكن يمكن أن نغطي جزءاً لا بأس به، ونحتاج حالياً إلى تفاعل من المستخدم النهائي، وهذا يأتي من خلال دعم القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة) لعمل الهيئة”.

وأهملت الحكومات المتعاقبة على البلاد، بعد عام 2003، ملف هيئة التصنيع العسكري، والتي كانت سابقاً تنتج سلاحاً خفيفاً ومتوسطاً وثقيلاً، فضلاً عن أنواع من الصناعات المدنية، مثل المعدات الإلكترونية الدقيقة وعبوات الغاز وخطوط إنتاج البطاريات الجافة وبطاريات السيارات، والهندسة العكسية المتعلقة بتوفير حاجة الشركات النفطية والقطاع الزراعي من المعدات خلال فترة الحصار الاقتصادي بين 1991 و2003.

محرر الموقع : 2021 - 11 - 28