هل تدفع الأزمات النفسية بعض اللاجئين لارتكاب جرائم عنف؟
    

عندما يكون المهاجر أو اللاجئ هو من ارتكب جريمة عنيف، تثار أسئلة وجدل حول خلفيته الثقافية والاجتماعية التي يمكن أن تكون سبب ارتكابه للجريمة. لكن ما رأي خبراء الصحة النفسية في ذلك وفي دوافع الجريمة لدى المهاجرين؟

في مدينة فرايبورغ الألمانية، أقدم عدة شبان على اغتصاب طالبة ألمانية. كشفت التحقيقات لاحقاً أن أغلبهم من أصل سوري، ما أثار النقاش مجدداً داخل المجتمع الألماني حول مدى استعداد المهاجرين لارتكاب جرائم عنف.

وحسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن تحليل مثل هذه الجرائم يتطلب نهجاً مختلفاً يتم فيه التركيز على المخاطر النفسية التي يواجهها اللاجئون والمهاجرون خلال رحلتهم العصيبة للفرار من بلادهم. ويقول الدكتور توماس إيلبرت، أستاذ أبحاث علم النفس العصبي في جامعة كونستانتس، إن أزمة الصحة النفسية بين المهاجرين بدأت بوادرها تلوح في الأفق. ويدعو إيلبرت إلى “اتخاذ إجراء فوري حيال هذا النوع من حوادث العنف التي توقعنا حدوثها”. ويحذر إيلبرت من أن أعمال عنف من هذا النوع سوف تحدث بشكل متكرر ما لم يتم اتخاذ إجراءات لمساعدة الشباب ممن وصلوا ألمانيا ويبحثون عن تحسين وضعهم الاجتماعي، الأمر الذي يرى أنه مفتاح الحل.

ويرى أستاذ علم النفس أن الوضع الاجتماعي هو الحاجز الذي يردع الكثير من الأشخاص عن الإقدام على ارتكاب جرائم كالاغتصاب أو القتل، و”يفقد المرء هذا الرادع عندما يزج به في السجن أو يتم استبعاده من المجتمع، ما يعني أنه في وقت ما قد يكون هذا الوضع الاجتماعي هو الرادع لارتكاب الجريمة أكثر مما قد يمثله العقاب الفعلي، ولكن إذا لم يكن لدى الشخص ما يخسره، فمن السهل للغاية أن ينجرف إلى الجريمة”.  لكن هذا لا يعني أن اللاجئين أو المهاجرين هم بطبيعة الحال أشخاص يميلون إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم بسبب خلفياتهم أو أعراقهم، يضيف إيلبرت.

الإجهاد العنيف .. أحد عوامل الخطر

ومع ذلك، فإن نسبة كبيرة من المهاجرين تتعرض لعوامل تزيد من احتمال ارتكابهم للجرائم. ويرجع إيلبرت ذلك إلى الأسباب التي دفعتهم للفرار من بلادهم أو ما عانوا منه على طريق الهجرة إلى أوروبا، “فغالباً ما يجد من وصلوا إلى أوروبا أنفسهم تحت تأثير إجهاد هائل، حيث يشعرون بأنهم تحت تهديد دائم ومستمر”. ويضيف “سألنا اللاجئين الذين عبروا الصحراء كيف وصلتم إلى هنا؟ قالوا لنا: كان علينا أن نرتكب جرائم؛ تعرضنا للهجوم وللسرقة، لذلك كان علينا أن نبدأ في الهجوم على آخرين”.

ووجد البروفسور إيلبرت أنه من بين 10 مراهقين يغادرون غرب أفريقيا، يصل اثنان فقط إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، فيما يعبر واحد منهم إلى أوروبا. ويعتقد أن هؤلاء رغم تعرضهم للصدمات فإنه من الممكن دمجهم في المجتمع بنجاح. في النهاية تعلم هؤلاء كيفية البقاء على قيد الحياة، ولكن يجب معالجة الصدمات التي يعانون منها، وتعد تلك هي النقطة الأساسية في دراسته التي نشرها تحت عنوان “اللاجئون المصابون بالصدمات – استجابة سريعة مطلوبة”.

وقد وجدت الأبحاث التي أجريت لاستكمال تلك الدراسة أن ما يصل إلى نصف عدد المهاجرين واللاجئين يمكن أن يكون لديهم مشاكل نفسية أو يعانون من إجهاد ما بعد الصدمة. وقد تكون آثار تلك الصدمات أسوأ على المجتمع، وعلى الرجال أكثر من النساء.

ووجد إيلبرت نتيجة دراسته أن ثلث الرجال الذين مروا بتنشئة عنيفة يتجهون إلى طريق الجريمة، في حين أن واحدة فقط من بين كل 20 أو 50 امرأة تفعل ذلك. ومع هذا، قد تكون النساء اللواتي تعرضن للصدمة أكثر عرضة للانتحار أو إيذاء النفس، وهي كلها أمور تكلف المجتمع مبالغ طائلة، ولذلك انطلقت الدعوة إلى علاج هؤلاء وإخضاعهم لمزيد من الفحص المكثف.

فرجينيا إدواردز مينز، ممرضة لديها خبرة 30 عاما في مجال الصحة العقلية وأكثر من 13 عاما في تقديم المشورة للاجئين والمهاجرين بشكل تطوعي بالقرب من مدينة فرايبورغ، تتفق مع دراسة حديثة أجرتها جامعة إرلانغن – نورنبرغ، والتي وجدت أن واحداً على الأقل من كل ثلاثة أشخاص قدموا من سوريا يعانون من نوع ما من مشكلات الصحة العقلية. ومع ذلك، فإن النظام الألماني غير مجهز لاستثمار ما يكفي من الوقت لتقييم الاحتياجات النفسية لكل فرد، بحسب ما قالت.

وتشير فرجينيا إلى أن معظم الوافدين الجدد يحصلون على الرعاية الاجتماعية الأساسية، ما يعني أنه لا يتم التعامل إلا مع الحالات التي تعاني من مشكلات حادة في الصحة العقلية. وتضيف بأن معظم العاملين في مجال الرعاية الاجتماعية قد يكون الواحد منهم مسؤول عن أكثر من 100 شخص، وبالتالي فلا يمكن البدء حتى في معالجة الآثار الناجمة عن تعرض هؤلاء المهاجرين إلى العنف. بالإضافة إلى ذلك ، لا يدرك العديد من اللاجئين أنهم قد يحتاجون إلى هذا النوع من المساعدة، على حد قولها.

هل يمكن أن تؤدي الصدمة إلى ارتكاب جريمة اغتصاب جماعي؟

لا يرى البروفسور إيلبرت علاقة بين التعرض لصدمة وارتكاب جريمة اغتصاب، فعلى نحو واسع يُعتقد أن الاغتصاب عادة ما ينجم عن مشاكل في التنشئة الاجتماعية للشخص، ومن الممكن أيضاً أن يكون نتيجة للتعرض إلى العنف بشكل متواصل. ويقول “عندما لا تكون هناك حواجز أخلاقية ويفقد المرء التمييز بين ما هو مسموح به وما هو ممنوع، يصبح الاغتصاب أحد خياراته. نرى ذلك في المناطق التي تشهد نزاعات حيث لا توجد دولة ولا سلطة، يبدأ الشباب في ارتكاب جريمة الاغتصاب. وهذا ما تفعله العصابات أيضاً، لإظهار واختبار من هو أكثر فظاعة وقسوة وهيمنة في المجموعة “.

الموقف تجاه المرأة

هل يمكن أن نشهد جرائم مثل الاغتصاب الجماعي في فرايبورغ لكون مرتكبيها قد نشأوا في وسط اجتماعي وثقافي مختلف، حيث يتم تعريف دور المرأة بشكل مختلف للغاية عما هو عليه في المجتمعات والثقافات الغربية؟

يتفق كل من إيلبرت وفرجينيا على أنه لا يوجد تفسير مبسط لهذا الأمر. ويوضح إيلبرت ذلك بأنه “لا يمكن اللجوء إلى تبرير من قبيل أنه لم نكن نعلم أن الوضع في ألمانيا قد يكون مختلفاً عما هو عليه في بلادنا”. لكنه يقول أيضاً إن حدود ما هو مقبول وما هو غير مقبول يتم تعلمه في السياق الثقافي، “فإذا لم تعد الحواجز الأخلاقية التي نشأ الشخص عليها موجودة (على سبيل المثال، احترام حرية الآخرين في ارتداء ملابس معينة أو التصرف بسلوك معين)، عندها سيسهل عليك الاعتقاد بأنه ليس عليك احترام شخص يبدو من وجهة نظرك أنه ينتهك القواعد التي تربيت عليها”.

بصفتها متطوعة، غالبا ما تجتمع فرجينيا مع رجال من دول مثل أفغانستان يلتزمون بقواعد السلوك الإسلامية ويعتقدون أن المجتمع الأوروبي يجب أن يتحول إلى طريقتهم في التفكير. وتدعو فرجينيا إلى الحديث عن التحول التدريجي للعقليات وتكرار الحديث عما هو مقبول وما هو غير مقبول في ألمانيا. ولاحظت أن الكثير من الرجال الذين يصلون إلى ألمانيا يجهلون القراءة والكتابة، الأمر الذي يخلق حاجزا أمام اندماجهم في المجتمع، ويمكنه أيضا أن يفسر بعض المواقف المتجذرة تجاه قضايا بعينها. ومع “افتقاد الطرق المناسبة للتواصل والتفكير معهم حيال الأمر قد يستغرق تغيير آراء هولاء وقتاً طويلاً للغاية” تقول فريجينا، وتضيف بأن الحكومة والوكالات العاملة مع اللاجئين والمهاجرين تعمل على إحداث هذا التغيير بالفعل. لكن تبقى المشكلة الرئيسية في الوقت والموارد، فلا يوجد عدد كافٍ من المترجمين ولا وقت كافٍ لكل فرد يمكن من خلاله فهم سيرته الذاتية. وعند توافر هذه الأمور، يمكن ساعتها القول بأنه من الممكن تجاوز آثار هذه الصدمات ليندمج هؤلاء الأشخاص في المجتمع بنجاح.

ويتفق الخبيران إيلبرت وفرجينيا، على أن المجتمع الألماني ككل يواجه مشكلة وأن الحل لا يمكن أن يكون من خلال ترحيل الوافدين وبالتالي الدفع بالمشكلة إلى مجتمع آخر. ويرغب كلاهما في إجراء تقييم صحيح لحجم المشكلة، بحيث يمكن التغلب على الصدمة التي يعاني منها كثيرون. وتكمن المشكلة في أن الأمر ينطوي على عملية طويلة المدى يمكن أن تساعد على اندماج أفضل في المجتمع.

 

صحيفة DW

محرر الموقع : 2018 - 11 - 26