الرسائل الالكترونية تهدد الروابط الأسرية والاجتماعية
    

 

 

 

لا يحبذ ابو محمد  الذي ينتمي للجيل القديم التغيير في عاداته الاجتماعية القديمة، ويرفض رفضا قاطعا استبدالها بالوسائل والأساليب الأكترونية الحديثة.
ويقول ابو محمد(كاسب- 58عاما): ما زلنا نحافظ على زياراتنا الودية لعوائل الأصدقاء والأقارب في المناسبات او في نهاية كل اسبوع، ونحرص على الاجتماع في بيت واحد هو منزل الاخ الاكبر في العادة، اضافة الى زيارة الاصدقاء والاخوات والاقارب في المناسبات وغيرها، ليتفقد بعضنا بعضا، ونتبادل التهاني والتعازي في الاعياد والمناسبات بشكل مباشر ووجها لوجه لأن( المسجات) لاتؤدي الغرض المطلوب، واما الجيل الحديث فقد فتحوا عيونهم على منتجات التكنولوجيا كالموبايل والانترنت وبرامج حديثة كالفايبر وماشابه ذلك فيكتفون بارسال المسجات فيما بينهم بمجرد ضغط بعض الازرار ويرسلونها الى العشرات من اصدقائهم ومحبيهم .
يمكن تلخيص عدم نجاح الاتصال الالكتروني بنتيجة البحث الذي أجراه أستاذ علم النفس المتقاعد في جامعة كاليفورنيا – لوس أنجلس ألبير مهرابيان، ونشرتها بعض وسائل الإعلام في مطلع أب الحالي إذ خَلُصَ إلى أن 7بالمئة فقط من الرسالة يقوم على كلماتها، 38 بالمئة على نبرتها، و55 بالمئة على تعابير الوجه ولغة الجسد، أي إن الغالبية الكبرى لعملية التواصل لا تتعلق بالكلمات.
من هنا، نجاح تواصل الإنسان مع غيره يكمن في توجهه إليه بالحديث وجهاً لوجه، ففي هذا الأسلوب يسمع المتلقي نبرة الصوت ويرى تعابير الوجه ولغة الجسد عند المتكلّم، مصغياً إلى كلماته، خلافاً لأسلوب الـE-mail والـSMS حيث لا يفهم المتلقي إلا 7 بالمئة من مضمون الرسالة، بما انه يتلقى فقط الكلمات المكتوبة. فكم من نكتة لم يفهمها متلقي البريد الإلكتروني مثلاً، ولم يعرف حتى إنها نكتة، على الرَّغم من استعمال الشخص لرمزٍ تعبيري (Emoji)!
روابطنا الاجتماعية وصلة الرحم باتت مهددة بالتفكك، فالتهاني والتعازي اصبحت تقدم عن 
طريق تلك الوسائل الالكترونية، ما أدى الى قلة الزيارات واللقاءات الاسرية والتواصل بين العوائل العراقية، فقد قربت المتباعدين وأبعدت المتقاربين من الاهل والاقارب والاصدقاء  بحفنة من الكلمات المجانية التي ترسل عبر الموبايل  الى المحبين والاهل والتي اودت في النهاية باللقاءات الحميمية للاسرة الواحدة حتى في الاعياد والمناسبات، وبذلك أصبحت رغبة التواصل بين الناس اسيرة الهاتف المحمول أو شاشة الحاسوب.

الجيل القديم

وتشاطر أبو محمد برأيه  اخته الحاجة ام علاء فهي ترى ان : هذا النوع من الرسائل ومهما كانت صورته له نتائج سلبية فهو يقطع صلة الرحم بين الاهل والعوائل. نعم من المؤكد ان مثل الرسائل تفرحني، لكن الزيارات واجبة فعندما يزورني أحد اولادي مصطحبا معه زوجته واطفاله، فان ذلك( يسوة ابو المسج )، وستكون للزيارة  وقع خاص على الجميع. المسجات مفيدة في اوقات معينة وعند الضرورة،  ولكنها يجب ألا تكون وسيلة للتهرب من الواجبات الاجتماعية المهمة مهما كانت الأسباب.
اما وجهة نظر ام سامر(ربة بيت- 37 عاما ) فتتلخص في ان الرسائل القصيرة قد تكون مفيدة جدا في أية مناسبة اذا كان بعد المسافات بين العوائل يحول دون اللقاء لتقديم الواجب، وكذلك تنفع في التعرف على احوال المقربين أولا بأول، فمن الطبيعي ان تؤكد أم سامر انها تتعامل بالمثل في مناسبات كهذه فهي ترسل رسائل لمن يراسلها، وترد على الزيارة بمثلها.

جيل (التانغو)

ويقول باسم احمد(اعمال حرة- 48 عاما) اعتمادي دائما على وسائل الاتصال الحديثة ومنها الموبايل والانترنت وبرنامجي( التانغو والسكايب) لكي ارى من اتصل بهم صوتاً وصورة لان جميع اقاربي واهلي في المحافظات ونظرا لسوء الاوضاع وصعوبة الطريق للذهاب الى الاهل فاكتفي بالاتصال او ارسال الرسائل النصية لكي اطمئن اكثر على اوضاعهم والسؤال عن صحتهم .
وفي السياق ذاته تقول رشا احمد ( طالبة جامعية- 23 عاملاً): انا لا احب ارسال ( المسجات) في حالة التعزية لصديقة من صديقاتي، فمن الصعب ارسال( مسج) تعزية او اعتذار لانه لا يعبر عن المشاعر الحقيقية للاخرين فقد يرسله أحدهم وهو يضحك بغير اهتمام ولا مبالاة، وللأسف هناك الكثير من النفاق وانعدام الثقة بين الاصدقاء، فالزيارة واجب انساني ووجداني لمشاركة الاصدقاء في محنتهم وحزنهم لان لذلك وقعاً في النفوس، وهو المعبر الحقيقي عن وقوف الناس مع بعضهم وتكاتفهم في السراء والضراء.
ويؤكد خالد سليم( طالب جامعي- 21 عاما) قائلا: بعض الاصدقاء لايعترفون بشيء اسمه الرسائل مهما كانت الوسائل الالكترونية المرسلة عبرها، ويرى هؤلاء ان اللقاء وجها لوجه هو التعبير الصادق عن المشاعر والتعاطف، وغالبا ما تكون الزيارة الودية هي الحل الامثل بين المتخاصمين على سبيل المثال، وعند اللقاء وجها لوجه سيكون الاعتذار المتبادل بينهم جاداً وحقيقياً، وكما يقولون الاعتذار يمحو الذنوب بدلا من صداع( المسجات)، وقد مررت بهذه  عندما تخاصمت مع احد الاصدقاء وارسلت له اعتذاري في( مسج) 
ولم يبالي بذلك، وعند اللقاء محا الزعل بيننا، لان العتاب سيمسح أي خصام،  وعندما تلاقينا وجها لوجه اعترف لي بانه مسح المسج في اللحظة نفسها وقال لي: لا اعترف بالمسجات.
وأكدت دراسة للباحث غريغ ستيفينز في جامعة "برينستون" في نيوجرسي أهمية التواصل وجهاً لوجه بدل التواصل عبر الهاتف أو البريد الالكتروني، اعتمد فيها على التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI)، إذ أشارت دراسته إلى أنه خلال حديث شخصٍ مع الآخر في تواصلٍ سليم وجهاً لوجه، يُظهر دماغ كلّ واحدٍ منهما عوارضَ متشابهة وأنماطَاً استجابة مشتركة، فيما ينخفض إلى حدٍّ كبير هذا الاقتران العصبي عند غياب الاتصال السليم، أي عنداللجوء إلى الـE-mail والـSMS.

أضعف الايمان

الحب والتواصل كان له كم هائل من المسجات المتواصلة ليلا ونهارا هذا ما اكدته لنا هنادي( 25 عاما ) طالبة جامعية بوجه منشرح قائلة: لايوجد اجمل واروع من المسجات فأنا وحبيبي نتواصل يوما كاملا وكأني اراه امامي اسأل عنه ويسأل عني ونتبادل المسجات وهذا التواصل يبقينا محبين دوما وتضيف ضاحكة فأذا لم نلتق فأضعف الايمان هو الرسائل.
ويؤكد لنا زميلها صادق الخفاجي قائلا فعلا ان الموبايل وجميع الوسائل الالكترونية نعمة للمحبين خاصة وللبشر عامة لان المسجات اعدها افضل من الكلام او اللقاء كون الكلمات احيانا تخون صاحبها لذلك فالمسجات لها تأثير اوسع كي يتسنى للمحب كتابة كل ما يجول بخاطره دون خجل .فهذا هو التواصل بعينه.
( تعب اجدامك ولا تتعب السانك) بهذه المثل الدارج بدأ ابو لؤي  (موظف- 44 عاما ) مضيفا اكثر ما يزعجني ( المسجات) عدم وصولها الى المرسل في المناسبات وفي العيد على وجه الخصوص، إذ  ارسل العشرات من( المسجات) وابقى اراقب هاتفي لعلي اقرأ تم الارسال لكي اتجنب عتب الاصدقاء. من المؤكد ان رداءة الخدمة قد تكون السبب في عدم وصول( المسجات) بالسرعة الممكنة ولذلك أضطر إلى ترك الموبايل واكتفي بزيارة خفيفة لمعظم الاصدقاء متجشما عناء التعب وهي افضل من اية وسيلة .
أما الحاج ابو عبد الله( صاحب متجر- 50 عاما) فيقول: تبقى تقاليدنا العراقية وما توارثناه عن اجدادنا  هي الأصل، ولذلك نقوم بزيارة الأهل والاقارب كي نشيع الفرحة  والسعادة في قلوب الآخرين، وعندما يمتلئ البيت بالاحباب والاقارب تزداد فيه المحبة والالفة وتكون بينهم صلة رحم لا تنقطع نتيجة لهذه الزيارات الودية.

السلبي والايجابي 

وبقول الدكتور مرتضى العبيدي استاذ علم الاجتماع بجامعة بغداد ان الاستعانة بالوسائل الحديثة في 
ارسال المسجات ينعكس سلبا على الاسرة وتتسبب في التفكك الاسري، فنتيجة لذلك سيمتنع الاشخاص المقربين عن الزيارات الضرورية لأداء الواجب في المناسبات المفرحة والمحزنة . فالمحبة والترابط الاجتماعي والتواصل تبنى بالزيارات الودية بين العوائل مايزيد صلة الرحم التي  أمرنا الله بها، وبالامكان استعمال (المسجات) كعامل اضافي للزيارات لتعزيز تلك الروابط والأواصر.
وينصح العبيدي مؤكدا:
لتبقى تقاليدنا العراقية التي توارثناها من اجدادنا  والتي تقوم على بزيارة الاهل والاقارب والتي تشيع الفرحة وتسهم الزيارة بالأثر النفسي لصاحب البيت بالسعادة والهناء فالبيت عندما يمتلئ بالاحباب والاقارب تزيد المحبة والالفة وتكون بينهم صلة الرحم التي لاتقطع بهذه الزيارات الودية  .
ومما لاشك ان وسائل الاتصال التي تستخدمها الشريحة الاكثر من جميع  فئات المجتمع وهي لقتل وقت الفراغ او ان يكون لها وقع في نفوس الاهل والاصدقاء عندما يتبادلون المسجات لكن بدون الاستخدام الفوضوي وانما الاستخدام الامثل أي ان يكون عند الحاجة القصوى .
ختاما ان في تحدّث الشخص مع صديقه وجهاً لوجه تعاطفٌاً وتفاهمٌاً لا يمكن إيجادهما في تواصلهما عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية، وأثبت الاختصاصي الإيطالي بالفيزيولوجيا العصبية غياكومو ريزولاتي - الذي يعمل حالياً في جامعة بارما – الأمر، حين اكتشف الخلايا العصبية المرتبطة بمسألة التعاطف مع الغير، وسمّاها "الخلايا العصبية المرآتية" (Mirror Neurons).
ووجدت نتائج الدراسات أن هذه الخلايا تعطي الإنسان القدرة على اختبار الأمور نفسها مع الغير، فيشارك في الحديث مع الشخص الآخر بشكلٍ سليم وواضح ومفهوم، وتجعله يتصوّر نفسه في مكانه أحياناً، أي مفكّراً مثله ومختبراً أحاسيسه من خلال محاكاةٍ مباشرة لشعوره. هذا ما يحصل عند تفهّم الصديق لصديقه ووضوح الحديث بين زملاء العمل وتفاهم الزوج والزوجة، بما أنهم اعتمدوا الاتصال المباشر أي وجهاً لوجه، من غير اللجوء إلى البدائل الإلكترونية الغامضة.

 

 

 

محرر الموقع : 2014 - 08 - 30