مهن "سماسرة" الأعضاء البشرية تجتاح المدن .. والقانون يغفل عنها
    
حينما أغلقت كل الأبواب بوجهه ، وحينما لم يجد أية فرصة عمل ، جاء من يهمس في أذنه ... هل أدلك على عمل تجني من ورائه ملايين الدنانير ؟ لم يصدق الشاب ( احمد ) ما سمعه من زميله ، فسأل وكيف ذلك ؟ فكان الجواب بان (المسألة بسيطة) اذ تشير الدراسات الطبية الى ان الانسان يستطيع العيش بكلية واحدة .
سأله الشاب احمد .... لكن ما علاقة تمكن الإنسان من العيش بكلية واحدة والعمل الذي تقول اني سأجني منه ملايين الدنانير؟ 
زميله اخبره بان ملايين الدنانير ستأتيه من التبرع بإحدى كليتيه . وبعد ان أفاق الشاب احمد من صدمته لم يجد أمامه الا الموافقة على طلب زميله .

نقول... " المدى " التي عودت قراءها على متابعة الظواهر السلبية التي انتشرت في مجتمعنا تسلط اليوم الضوء على هذه الظاهرة المدانة .

سمسار الأعضاء البشرية 
قال لي مواطن في مستشفى (الخيام) ان "كليتي ولدي كلتاهما توقفتا عن العمل وانه بحاجة الى كلية جديدة لان غسيل الكلية لم يعد يجدي نفعا معه وهو بحاجة الى واحدة على الأقل لكي يبقى على قيد الحياة, والمستشفى لايملك كلية لكي يمنحها لولدي لذلك كنت مضطرا للحصول على كلية من اي مكان."
هذا ما قاله أبو سمير لـ"المدى", مضيفا : "خرجت بائسا من غرفة الطبيب وانا أسير مع ولدي ، ولكن سرعان ما جاءنا ممرض يعمل في المستشفى حيث عرض علينا كلية نقوم بشرائها مقابل مبلغ من المال".
ويؤكد أبو سمير "بانه لم يملك أي خيار أمامه لإنقاذ حياة ولده الذي بدأ يراه يضيع من بين يديه ، الأمر الذي دفعه الى الذهاب مع الممرض الى منطقة (الباب الشرقي) وسط العاصمة بغداد", مبينا ان "الممرض جمعه بسمسار لبيع الأعضاء البشرية ومن بينها الكلى مقابل مبلغ من المال يصل الى 20 الف دولار باستثناء الأجر الذي يتحصل عليه السمسار".
ويتابع : "ترددت في بادئ الأمر لان هذا الأمر يخالف الدين والأعراف, ولكنني تراجعت عن موقفي بعد ان شاهدت سوء حالة ولدي سمير ، وبعد ان استشرت رجال الدين", منوها الى انه "اجرى العملية لولده بعد ان أتم جميع الإجراءات القانونية في مستشفى (الخيام) وبالمبلغ المذكور الذي فرضه عليه السمسار".
ويذكر ان "حالة ولده سمير قد شهدت استقرارا نسبيا لمدة ثلاثة اشهر تلت حجرا صحيا فرضه المستشفى عليه, ولكن صحته سرعان ما بدأت بالتدهور لعدم تلاؤم أنسجة سمير مع المتبرع, الى الحد الذي أوصل الشاب سمير الى الوفاة".
كذلك يروي المواطن أ . ر لـ "المدى" قصته عن عملية شرائه لكلية قائلا: " تعرضت الى عجز في كلتا الكليتين واستوجب ذلك شراء كلية ، وكان عليَّ البحث عن كلية مطابقة للأنسجة التي تحملها كليتي ، وعن طريق احد أصدقائي توصلت الى شاب يريد بيع كليته ، ومن ثم توصلت الى اتفاق معه عن طريق الهاتف وقال لي ان هناك شخصا سوف ينتظرك أمام باب مستشفى وليد الخيال وعندما ذهبت اليه فوجئت بانه (سمسار) في بيع الأعضاء البشرية ".
وتابع " وبعد إجراء الفحوصات اللازمة لتطابق الأنسجة تمت عملية شراء الكلية بـ7 ملايين دينارعراقي وبعدها سافرنا الى أربيل لإجراء العملية وكانت صفة صاحب الكلية " متبرع " وكان اسم الدكتور الذي اجرى عملية زرع الكلية "شوقي غزاله" فيما كلف إجراء العملية 12 مليون دينار عراقي ". 
ويضيف انه " بعد نجاح العملية جاء وقت فترة النقاهة لي ولصاحب الكلية ودامت الفترة ثلاثة اشهر مع مراعاة عدم دخول اي شخص سوى زوجتي الي وتتعامل معي عن بعد واخذ أدوية كيمائية", مبينا ان "العملية كلفت 45 مليون دينار عراقي بجميع أجزائها ".
دور وزارة الصحة 
يقول مدير إعلام وزارة الصحة ، د.عبد الغني سعدون في حديث لـ " المدى" ، انه " قد تم تشكيل لجنة مركزية قبل اشهر قليلة تعمل على مقابلة المريض بعدما يخاطبنا المستشفى المعني بانه يريد إجراء عملية زرع كلية مع توضيح الواهب والمريض وبعدها نصدر الأمر بقبول العملية او لا من خلال إجراء مقابله اللجنة ".
ويوضح سعدون ان "اللجنة تتكون من أطباء اختصاصيين في زراعة الكلى يعملون على فحص المريض وأعضاء من مكتب المفتش العام للوزارة يعملون على متابعة الأوراق الرسمية و أعضاء من المخابرات الوطنية لوزارة الداخلية مهامهم متابعة حالات السماسرة ".
ويضيف ان "هناك حالات عدة لأشخاص تمت إحالتهم الى القضاء بواسطة هذه اللجنة وتمت محاسبتهم وفق قوانين العقوبات "، مستدركا بالقول " نحن نحتاج الى تشريع قانون مخصص لهذه الظاهرة باعتبارها ظاهرة مخلة بحقوق الانسان ".
ويوضح ان "هذه المشكلة تتطلب جهود كل الوزارات وليس وزارة الصحة فقط وتتطلب متابعة اكثر من قبل وزارة الداخلية مع مراعاة جوانب اجتماعية اخرى للحد من هذه الظاهرة في العراق ".
سماسرة المستشفيات الأهلية 
قد لا ترى العين الباحثة عن متبرعين للكلى علنا أمام أبواب المستشفيات كما يحدث في حالة التبرع بالدم ، لكن السؤال عن ذلك يقود حتما الى حقائق ربما تخفى عن البعض ففي مستشفيات تجرى فيها عمليات زرع الكلى كاليرموك والكرامة الحكوميتين والخيّام وغيرها من المستشفيات الأهلية ، يمكن العثور على متبرعين بسهولة بعد الإمساك بأول خيط يقود أهل المريض الى شبكات تمارس بيع الكلى كتجارة شائعة.
حيث تروي ح . م ، لـ" للمدى " وهي تبكي قصتها حينما أقدمت على شراء كلية من سمسار بيع الكلى او ما يعرف بـتجار " سوق الكلى " لأحد أفراد أهلها فتقول إنها استدلت قبل سنوات على أشخاص يعملون في تجارة بيع الأعضاء البشرية حين تعذر عليها التبرع لشقيقها بكليتها.
وتضيف " ينتشر هؤلاء الأشخاص قرب المستشفيات الحكومية والأهلية ولديهم علاقات وطيدة مع بعض العاملين في المستشفى والذين يعملون على التنسيق بين أهالي المرضى وباعة الأعضاء ، ينتقل بعدها الزبائن الى التعامل مباشرة مع أعضاء من تلك الشبكات للاتفاق على المبلغ وأسلوب شراء الكلى ".
وتشير الى " وجود شخص كان يطلق عليه لقب " الشيخ " يتحكم في هذه العملية بمهارة ، فيدير شبكات لبيع الأعضاء البشرية تضم أشخاصا يعملون في المستشفيات ووسطاء وسماسرة يعملون على استدراج الواهبين مستغلين حاجتهم الى المال ".
وتوضح ان نشاط " الشيخ " يتركز عند أبواب المستشفيات الأهلية حيث انتشار مافيات أخرى تمتهن الحرفة ذاتها وبأساليب خاصة بها ، والغريب في الأمر ، كما تروي ، ان الشخص المدعو الشيخ توفي فيما بعد لحاجته الماسة الى كلية بعد ان عجز أهله عن إيجاد واهب تتناسب أنسجته مع مثيلتها ".
الرقابة القانونية 
يقول الخبير القانوني د. علي ابراهيم ، في حديث لـ " المدى " ، ان " في كل قوانين ودساتير العالم يعتبرون هذه القضية من الجرائم الكبرى ويحاسبون عليها بأشد العقوبات ".
ويشير الى " وجود قرار صادر من مجلس قيادة الثورة المنحل منذ نهاية الثمانينات يقضي بمعاقبة كل من يمارس جرائم الاتجار بالأعضاء البشرية بيعاً وشراء ووساطة أو تحت أي تصرف آخر غير مشروع بعقوبة السجن لمدة لا تتجاوز 10سنوات واستثنى القرار من ذلك حالات التبرع "، لافتاً إلى أن " التبرع مسألة مقبولة وأن كانت هناك حالات تحصل فإنها تنظم وفق إجراءات أصولية للتبرع من قبل بعض المستشفيات المتخصصة بهذا الجانب".
ويوضح أن " حالات التبرع المسموح بها تكون وفق ضوابط قانونية وبمعنى أدق لا يكفي قول الشخص الراغب بالتبرع بأنني متبرع وتنتهي القضية". 
ويؤكد أن " قانون التبرع مبني على عدد من الأحكام الرسمية أهمها موافقة المستشفى على إجراء عملية التبرع والامتثال للضوابط الدقيقة لعملية التبرع ومن ذلك عدم جواز التبرع بالكلى إلا إذا كان التبرع هو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على حياة المنقول إليه أي المريض وأن يكون التبرع بموافقة كتابية من المتبرع وعدم جواز نقل كلى من جسد إنسان ميت إلى إنسان حي".
وقفة مع الشرع ..
يحرم الدين الإسلامي بيع الكلية مقابل بدل مادي ويعتبره أمرا محرما حسب مدير المركز الثقافي الإسلامي احمد العوايشة الذي أكد في نفس الوقت "جواز التبرع بالكلية لإنقاذ نفس أخرى شريطة أن لا يؤدي هذا الأمر لتهلكة النفس وان يوجد عضو بديل عن العضو المتبرع فيه".
وقفة مع الشارع ..
يقول (اوكر زيا) طالب هندسة ان " المشكلة متشعبة كثيرا في هذه الأيام واللوم لا يلقى على جانب واحد (الشباب) لان المشكلة أساسها الأهل الذين يرمون ابناءهم في الشارع منذ صغرهم ، وهذا الأمر له تأثير في سلوكهم وتفكيرهم ولذلك يصعب اتخاذ القرار الصائب وكيفية حصولهم على هذا المال لذلك يلجأون الى هذه الطريقة لجني الأموال على حساب صحتهم فيجب على منظمات المجتمع المدني التفاعل في هذا الأمر ومساعدتهم وارشادهم".
بورصات بيع الكلى 
بعد اتساع مساحة الفقر وتدني مستويات المعيشة والبطالة اتسعت ظاهرة المتاجرة بالأعضاء البشرية التي وجدت لها سماسرة وعصابات تقوم باصطياد المحتاجين للمال لجرهم وخداعهم عن طريق اغرائهم بصفقات بملايين الدنانير. يقول م . م لـ " المدى " ، انه " كنت ابحث لابنتي عن شخص يريد بيع كليته او التبرع بها وقد وجدت ذلك خلال بحثي عن سمسار بيع الكلى في احد المستشفيات الأهلية وهو الذي قادني الى شاب عمره 29 سنة وهو متزوج ولديه اطفال"، مضيفا " روى لي سبب بيعه لكليته وبدأ بسرد حكايته بالقول : لم اجد فرصة عمل بعد ان حاولت البحث عن وظيفة ولكن بدون جدوى فقررت ان أبيع احدى كليتيَّ لكي اشتري بها سيارة أجرة فقد مرت عليّ السنوات السابقة بصعوبة كبيرة". وفي السياق نفسه قال أبو محمد في حديث لـ " المدى "، انه " أمام احد المستشفيات الأهلية في بغداد وبالرغم من التعتيم الذي يلجأ إليه تجار بيع الكلى إلا أنه استطاع الوصول إليهم عن طريق بعض الوسطاء لشراء كلية لوالده الذي أصيب بالعجز الكلوي"،مضيفا " اكتشفت وجود تعاون بين أصحاب مكاتب بيع وشراء وتأجير العقارات وأرباب السوابق الذين جعلوا من انفسهم سماسرة".
وأضاف ان هؤلاء " المتبرعين " يجلسون أمام أبواب المستشفيات لصيد المريض الذي يبحث عن متبرع بكليته، وبعد التأكد من هويته والاطمئنان إليه يعرفوه على صاحب المكتب العقاري الذي ينهي الصفقة ".
وقال مواطنون لـ " المدى "، انهم " راجعوا مدينة الطب وخاصة قسم غسل الكلى وانهم فوجئوا بأن هناك من يعرض عليهم الحصول على كلية مقابل عشرة الاف دولار واستغرب المواطنون أن تجري تلك المساومات داخل مدينة الطب ".
ختاما ... نقول ان ازدهار تجارة الأعضاء البشرية ستستمر بل وتزداد نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المواطنون الذين غالبا ما يتجهون لبيع أي عضو من جسدهم لأجل العيش بكرامة بالمال الذي يحصلون عليه بعد بيع كليتهم او أي عضو آخر من جسدهم ، لذا لابد من وضع ضوابط ورقابة من قبل الجهات المختصة لوقف عملية الاتجار بالأعضاء البشرية من قبل بعض السماسرة الذين غالبا ما نراهم أمام المستشفيات ولهم علاقات وطيدة مع الممرضين في المستشفيات المتخصصة بزرع الكلى.
محرر الموقع : 2014 - 09 - 01