سياسة الهجرة واللجوء.. “عرض للعضلات” في الانتخابات الأوروبية
    

قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الأوروبية ووسط قلق من تنامي دور اليمين الشعبوي في المؤسسات الأوروبية، تفرض قضايا الهجرة واللجوء نفسها على برامج الأحزاب الكبرى سعياً لإيقاف المد الشعبوي، فهل الإجراءات التي تتخذها كافية؟

تكتسب الانتخابات الأوروبية المقبلة والمقرر عقدها بين 23 و26 أيار/مايو 2019 أهمية خاصة، ليس لمجرد أنها تعقد دون مشاركة البريطانيين، بل لأنها أول انتخابات من نوعها منذ موجة اللجوء المليونية التي بدأت في عام 2015، والتي استغلها تيار اليمين الشعبوي ليصعد إلى دوائر القرار في بعض الدول الأوروبية.

ووسط تحذيرات أوروبية من إمكانية تدخل دول أخرى في الانتخابات لصالح الأحزاب اليمينية الشعبوية، تعمل أحزاب كبيرة على تجهيز برنامجها الانتخابي، والذي تحضر فيه قضايا الهجرة واللجوء التي ماتزال تثير جدلاً وخلافات بين الحلفاء الأوروبيين.

فالاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا جعل من قضية الهجرة إحدى القضايا المركزية في برنامجه للانتخابات الأوروبية. وقال أمين عام الحزب باول تسمسياك في جلسة لقيادة الحزب في برلين يوم الاثنين (25 شباط/فبراير) إنهم يحتاجون لـ “أجوبة ذكية” لحل قضية الهجرة التي تشغل الناس في ألمانيا، مشيراً إلى أن النتائج التي توصلوا إليها في ورشة النقاش للحزب حول موضوع الهجرة، والتي عقدت في وقت سابق من هذا الشهر، ستشغل مكانها في برنامج الاتحاد المسيحي للانتخابات الأوروبية.

دور اليمين الشعبوي

ومن النقاط التي جاءت في الورقة الختامية للورشة النقاشية وضع نظام أوروبي “ذكي” لمراقبة الحدود، والتأكيد على عدم السماح بتكرار ما حدث في عام 2015، في إشارة إلى سياسة “الأبواب المفتوحة” التي انتهجتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، بالإضافة إلى تسهيل ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين وذلك بتأمين أماكن أكثر للترحيل.

ويرى المختص بقضايا الهجرة واللجوء في ألمانيا، كريم الواسطي، أن مسألة الهجرة في أوروبا تفرض نفسها على أجندات الأحزاب الأوروبية الكبرى، وذلك من أجل تحجيم تيار اليميني الشعبوي الذي صعد في القارة منذ عام 2015، ويتابع لمهاجر نيوز: “من الضروري مواجهة الأحزاب المتطرفة التي استغلت مسألة الهجرة كورقة للضغط وتخويف المجتمع، وذلك من خلال اتخاذ إجراءات عملية”.

 

لكن الواسطي يرى أن سعي المسيحي الديمقراطي بتشديد سياسة اللجوء “ليست خطوة صحيحة”، ويضيف: “بدلاً من عرض العضلات عن طريق تشديد القوانين، عليهم اتخاذ إجراءات قانونية متلائمة مع القيم الإنسانية للاتحاد الأوروبي”.

خلافات في نفس “العائلة الأوروبية”

وتثير سياسة الهجرة واللجوء حالياً خلافات حادة بين حلفاء أوروبيين من نفس العائلة السياسية، فالاتحاد المسيحي الديمقراطي في ألمانيا والذي يؤكد على ضرورة “التوافق بين الجانب الإنساني والتشديد (في سياسة اللجوء)”، ينتمي أوروبياً لـ”حزب الشعب الأوروبي” والذي ينتمي إليه “الاتحاد المدني المجري”، حزب رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، المعروف بمناهضته الشديدة للهجرة.

ويزداد الجدل حول إمكانية طرد حزب أوربان من عائلته الأوروبية، خصوصاً بعد حملة أوربان ضد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر والتي يصوره فيها بأنه “يشجع الهجرة غير الشرعية”.

وتظهر لافتات حملة الدعاية الحكومية، التي جرى الكشف عنها الأسبوع الماضي، يونكر مع رجل الأعمال الملياردير جورج سوروس- وهو أحد الخصوم المفضلين لأوربان- وكأنهما يشجعان الهجرة غير الشرعية. وتقول الحملة: “إنهم يريدون فرض حصص إعادة توطين إلزامية. ويريدون إضعاف حقوق الدول الأعضاء (بالاتحاد الأوروبي) لحماية حدودهم، وسيسمحون بالهجرة بتأشيرة مهاجرين”.

ورغم الانتقادات الألمانية لأوربان وبعض الأصوات النمساوية والسويدية في عائلة “حزب الشعب الأوروبي” التي تدعو لـ”وضع حد” له أو حتى طرده من “العائلة الأوروبية”، هناك تحفظات ألمانية على طرده.

“ربيع أوروبي مناهض للهجرة”

وقال نائب أوروبي عن الاتحاد الديموقراطي المسيحي: “إذا قمنا بطردهم، فستلقيهم إلى حضن (ماتيو) سالفيني” نائب رئيس الوزراء الايطالي وزير الداخلية وزعيم حزب الرابطة اليميني القومي.

ووسط انتقادات أوروبية مستمرة لسياسات أوربان وسالفيني، يرى المختص بقضايا الهجرة والاندماج، كريم الواسطي، أن السياسة الأوروبية تجاه الشعبويين “يجب أن تكون أكثر صرامة”، مضيفاً أن “التراخي الأوروبي يشجع الأطراف الشعبوية على الاستمرار في سياساتها”.

ويسعى سالفيني، المعروف أيضاً بمناهضته للهجرة، لإعداد تحالفات جديدة لما بعد الانتخابات الأوروبية، حيث يقوم باتصالات مع أوربان ومارين لوبن، زعيمة التجمع الوطني اليميني القومي في فرنسا حول هذا الموضوع. وكان سالفيني قد صرح في بداية هذا العام بأنه يسعى إلى بدء “ربيع أوروبي تقوده إيطاليا وبولندا”، مؤكداً على “عدم الرضوخ لاستفزازات بروكسل”.

“التشرذم الأوروبي حول الهجرة”

وكشفت توقعات جديدة نشرها البرلمان الأوروبي، استناداً على استطلاعات رأي في دول الاتحاد، أن القوى الموالية لوزير الداخلية الإيطالي المتشدد ماتيو سالفيني والسياسية الفرنسية اليمينية مارين لوبن، ستحقق مكاسب في الانتخابات الأوروبية المقبلة.

لكن الباحثة كورينا هورست من مؤسسة “صندوق مارشال الألماني” الأمريكي للبحوث لا تعطي “أهمية كبرى” لنتائج الاستطلاعات، وخصوصاً قبل عدة أشهر من الانتخابات، وتضيف لـ (أ ف ب): “القضية لا تتعلق بمكاسب الشعبويين بقدر ما تتعلق بتشرذم البرلمان الأوروبي”، وتتابع: “السؤال الأكبر هو كيف سيحكم الاتحاد الأوروبي وسط هذا التشرذم”. ولاتزال الدول الأوروبية منقسمة حول تقاسم مسؤولية طالبي اللجوء، رغم انخفاض أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا بشكل كبير منذ أن بلغ ذروته في عام 2015.

ورغم التوقعات بتحقيق اليمين الشعبوي مكاسب في الانتخابات المقبلة، إلا أن المختص بشؤون الهجرة واللجوء، كريم الواسطي، يرى أن الموجة الشعبوية في أوروبا ستضعف كثيراً أو تنتهي عند اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد صعودها، ويضيف: “هم ينطلقون من معلومات خاطئة من أجل تخويف الناس، لكنني متفائل بانحسار هذه المد الشعبوي عند اتخاذ الإجراءات المناسبة للقضايا التي تهم الناس، فالمجتمعات الأوروبية حية وتدرك خطر الشعبويين بعد أن تعلمت من تاريخها”.

DW

محرر الموقع : 2019 - 03 - 02