ممثل المرجعية العليا في أوروبا :يؤكد على قراءة دعاء اهل الثغور لتأييد المجاهدين والمدافعين عن حرم الاسلام في ليالي القدر العظيمة
    
ممثل المرجعية العليا في أوروبا يتحدث عن أهمية الدعاء في ليالي القدر ويؤكد على : 
• ان الدعاء جزء مهم من تراث المسلمين وهو علاج لما تعانيه الأمة من ضغوطات سياسية واجتماعية وفكرية وأخلاقية.
• الدعاء حاجة فطرية وذاتية للإنسان
• عالجت أدعية الصحيفة السجادية اعقد المسائل العقائدية والمعارف الاسلامية والتربوية والسياسية والعلمية 
• قراءة دعاء اهل الثغور لتأييد المجاهدين والمدافعين عن حرم الاسلام.

جاء حديثه هذا تلبية لطلب بعض المؤمنين للتحدث عن أهمية الدعاء وفضله بمناسبة ليالي القدر فاستهله قائلا: 

امتازت مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن بقية المدارس الإسلامية الأخرى بميزات مهمة منها: احتواؤها على كنز وافر و ضخم من الأدعية المروية عن الأئمة المعصومين عليهم السلام وهذا الجانب ينظر اليه كعلامة فارقة لهذه المدرسة عن بقية المدارس ، لان العمل بأحكام الدين الاسلامي ليس مقتصرا على الالتزام بالواجبات والانتهاء عن المحرمات بل هناك امر اخر يسمى بالرقابة الداخلية التي تحصنه من الوقوع في ما يسخط الباري ويغضبه وهذا الامر لا يتم الا بالارتباط الداخلي الدائم بالله في الشدة والرخاء والسر والعلن والسفر والحضر فينبغي للإنسان ان يعيش هذه الرقابة ويعلم ان القوة الوحيدة التي تنجيه في هذا الكون من الاخطار والمهالك هو الله عز وجل. (( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة )). فالدعاء والتهجد والتوسل الى الله دائماً هو طريق لتقوية هذا الجانب خصوصا في المواسم المنصوص عليها كشهر رمضان وليلة الجمعة ويومها وليلة عرفة ويومها وليلة القدر ويومها فقد ورد في الأحاديث الشريفة: ”يوم القدر كليلته“ وغيرها من الموارد التي نصت عليها كتب الأدعية. 

واهتم تراث أئمة أهل البيت عليهم السلام اهتماما بالغا بتقوية هذا الجانب الروحي جريا على نهج القرآن والأنبياء والصالحين. فتركوا لنا ثروة ضخمة في هذا الجانب كأدعية النبي وابن عمه الوصي في الصحيفة العلوية وما تركه حفيده الامام زين العابدين عليه السلام في صحيفته السجادية التي فيها من الأدعية ما لا نجده في غيرها. 

وهذه الأدعية صحيحة المضمون وموثوقة السند وقد رواها بالنص يحيى بن زيد حفيد الامام زين العابدين والإمام الصادق عليه السلام. وبلغ من اشتهارها ووثاقتها إمكانية استنباط الحكم الشرعي منها حسبما يقول بعض العلماء. 

وقد تنوعت هذه الأدعية في مضامينها ففيها: 

١- ما فيه بيان للعقائد الاسلامية من توحيد الله وصفاته. 

٢- ما هو طريق لفهم المعارف الاسلامية الدينية بأسلوب الدعاء. 

٣- نصائح وتوجيهات في تهذيب النفس والتربية والتعليم . 

٤- أدعية ذات مضامين اجتماعية ترشد الى كيفية تربية الأولاد و البر بالوالدين والإحسان إليهما 

٥- مضامين علمية بطريقة التمجيد لله عز وجل مثل قوله (( سبحانك تعرف وزن الظلمة والنور .....)) 

٦- أدعية ذات وجهة سياسية كدعائه لأهل الثغور الذي يتبين منه إحاطة الامام - الذي لم يدخل حربا ولم يمارس قتالا- بما يحتاج اليه المقاتل في مواجهة الاعداء من الناحية النفسية والروحية والعسكرية. الى غير ذلك من الأهداف والمضامين الاخرى التي عبر فيها الامام عن شكره و محبته لله والتذلل له بطريق المناجاة معالجا بها ما يتعرض له الانسان من الضغوطات القلبية والنفسية والوساوس الشيطانية. ولو ان الأمة الاسلامية التزمت بعد القران بتراث اهل البيت عليهم السلام لما عانت من الأمراض والضغوطات السياسية التي تعانيها اليوم. ولكن من المؤسف انها ابتعدت عن فكر قادتها وسادتها وتراثها فلهذا أصبحت تتخبط في متاهات لا يعرف منتهاها الا الله. مضافا الى تسكعها على أبواب الأعداء واستجدائها النصر والقوة منهم. أين هؤلاء عن هذا المنهج القويم والصراط المستقيم صراط النبي وعترته الميامين. 

وبعد هذه اللمحة السريعة عن أهمية الدعاء في نظر اهل البيت قد يسال السائل لماذا هذا الاهتمام منهم عليهم السلام بمسألة الدعاء ولو أنهم لم يطلبوا منا فهل كنا نحتاج اليه بدوافع فطرية ذاتية ؟ 

الجواب نعم ان الانسان يحتاج الى الدعاء فطريا وذاتيا وفق التصور الذي صوره بعض المحققين في محاضراتهم بعدة مظاهر المظهر الأول: الإنسان يحتاج إلى الدعاء لأنه يحتاج إلى الأمن. 

كل إنسان ولد وعنده حالة القلق وحالة التوجس والخوف، بطبيعة الإنسان أنه يقلق ويخاف ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾ فهو قلق من الأمراض ومن كوراث الطبيعة وقلق من الفقر والمستقبل، لو إستسلم الإنسان إلى قلقه لم يستطع أن ينتج ولا أن يعطي ولا أن يبدع إذن الإنسان يحتاج حاجة بشرية ذاتية إلى علاج القلق ولا طريقة إلى الأمن والإطمئنان إلا الدعاء، فهو يؤمّنك ويشبعك بالإطمئنان والهدوء والإستقرار ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. 

المظهر الثاني: حاجة الإنسان لإنشراح الصدر. 

إذا أذنب الإنسان يُظلم قلبه، فقد ورد في الحديث عن الصادق (ع) : ”إذا أذنب العبد خرجت في قلبه نُكتةٌ سوداء فإن تاب إنمحت وإن عاد عادت حتى تغلب على قلبه فلا يُفلح بعدها أبدا“ القلب إذا أظلم نتيجة كثرة الذنوب والخطايا فإن هذا القلب يتحول إلى فحمه سوداء مظلمه لا نبض فيها ولا حياة، هذا القلب لا يتفاعل مع عبادة ولا دعاء ولا قراءة القرآن، فقد تمر علينا أوقات ونحن نقرأ القرآن في حالة ملل وكسل، نمارس الصلاة والدعاء والنافلة ممارسة الكسالى والمتململين والمستثقلين، كل ذلك إشارة إلى أن القلب يعيش حالة من القسوة، عندما يعيش القلب ظلماً ويعيش قسوة، لا يتفاعل مع أجواء العبادة ولا مع نبض الروح الذي هو نبض الحياة فيكون مقفلاً ومغلقاً ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾. إن قلوبنا تمر عليها بعض الأوقات لا تخشع للموعظة ولا للعبرة ولا تخشع لقراءة القرآن ولا للدعاء ولا للنافلة، ولرفع هذه الظلمة بترقيق القلب بالدعاء ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ ﴿أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ الدعاء يغرس النور في قلوبنا. 

المظهر الثالث: الحاجة إلى المدد. 

تمر عليك حالات ضعف وإنهيار تشعر بأنك بحاجة إلى الدعم وإلى من يقف إلى جانبك فأحياناً تمر عليك ظروف قاسية وضاغطة سواءً كانت في حياتك أو في صحتك أو في مايدور حولك، يشعر بأنه أصبح ضعيفاً يحتاج إلى من يسانده ومن يقف إلى جانبه في هذه الحالات أنت بحاجة إلى الصبر والصمود فالطريق هو الدعاء ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ عندما تحل عليك النائبة فأنت تلجأ إلى الدعاء ولذلك ورد في الحديث القدسي: ”عبدي تعرف إلي في الرخاء أعرفك في الشدة، يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني“، إذا كنت تدعوني حتى في أوقات الرخاء أنا أستجيب لك في أوقات الشدة ”إن العبد إذا أصابته الشدة رفع يديه فتقول الملائكة إن هذا لصوت نشاز ما كان مألوفا عندنا“. 

المظهرالرابع: 

كما يحتاج إلى الدعاء للأمن والإطمئنان كذلك يحتاج إلى الدعاء للأمن النفسي ويحتاجه من أجل إضاءة قلبه وإزالة الظلمة عن جوانحه، ويحتاجه أيضاً من أجل التنفيس. كيف ينفس الإنسان عن نفسه؟ الإنسان الذي يحتبس الآهات ويخبيء الأحزان والشجون في داخل نفسه يصاب بالضغط والإنهيار في يوم من الأيام، لا بد للإنسان إذا إمتلأ هموماً أو غموماً أن ينفس عما في نفسه وأن يتحدث عما في قلبه وأن يبرز ما في جوانحه ومشاعره، الدعاء هو الطريق إلى التنفيس. إذا ألمت بك الهموم والغموم وإحتجت إلى أن تعبر عما في مشاعرك فالطريق الوحيد هو أن تجلس وتصلي ركعتين في ظلام الليل بين يدي الله عزوجل تخلو بينك وبين ربك من الهموم والغموم فإنك تظهرها، كما ورد عن أمير المؤمنين علي يخاطب ابنه الحسن: ”يا بني إلجأ في أمورك كلها إلى إلهك فإنك تلجأها إلى كهف حريز ومانع عزيز“ إنك تنشرها أمام مستورٍ يسترها عليك ولا يذيعها تنشرها أمام موجود بيده العطاء والمنع وبيده التغيير والإثبات، أمام موجود يحتضنك ويستقبلك ويستمع إليك ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾. 

هذا ولاستجابة الدعاء شروط منها : 

١- ان يفتتح الداعي الدعاء ويختتمه بذكر محمد وال محمد فقد ورد في الحديث الشريف: ”لا يقبل دعاء لم يقرن بذكر محمد وآل محمد“ 

٢- ان يحرص على الاستفادة من الأزمنة المشار اليها و الأماكن المقدسة كالكعبة المشرفة والروضة الشريفة لقبر النبي محمد (ص) ، ومحراب الإمام علي (ع) في مسجد الكوفة وقبر الحسين (ع) وحائر الحسين وقبته. 

وكوننا مقبلين على ليالي الدعاء ليالي القدر الشريفة فينبغي لنا ان نتوجه للمولى بخضوع وخشوع في الدعاء لتعجيل فرج الامام عليه السلام ونصرة الاسلام والمسلمين وقراءة دعاء ابي حمزة الثمالي والافتتاح والأدعية الليلية والنهارية والمواظبة على قراءة دعاء اهل الثغور لنصرة المجاهدين والدعاء لقضاء حوائج المؤمنين وإصلاح امر دينهم ودنياهم لان الله عز وجل آلى على نفسه الا يرد سائلا يسأله في ليلة القدر حتى جاء في الحديث (( من دنا الي شبرا دنوت اليه باعا...)) . ويجدر بالمؤمنين ان يرجعوا الى اعمال ليالي القدر المدونة في كتب الأدعية المخصوصة. 

هذا ونسألكم الدعاء في هذه الليالي الفضيلة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محرر الموقع : 2015 - 07 - 06