الأدوية المغشوشة.. إرهاب من نـوع آخـر ضحيتها الفقراء
    
حينما قرأت مبلغ تجارة الأدوية المغشوشة لم أُصدق في حينها ، لكن حينما عرفت أن مصدر الرقم مستقى من تقارير منظمتي (WHO  و FBA ) الأميركية أيقنت حينها أن الرقم صحيح ،إذ تشير تلك التقارير إلى أن حجم تجارة الادوية المغشوشة في العالم بلغت 50 مليار دولار خلال عام 2007 ارتفع هذا المبلغ الى 75 مليار دولار خلال عام 2012 ومن هنا نستطيع القول إن تجارة الأدوية المغشوشة تسيطر عليها مافيات  متنفذة ولا يمكن  السيطرة على هذه التجارة المربحة خاصة ان وزارة الصحة تقول ان كل صلاحيتها تتضمن مصادرة الادوية المغشوشة ولا يمكننا إلقاء القبض على الجناة، إذ أن ذلك من صلاحية السلطات التنفيذية.
حسنا تعالوا ندخل الى تفاصيل موضوعنا لنتعرف على بعض دهاليز هذه التجارة المربحة جــداً جــداً .
نقول : استبشر علي كاظم (30) عاما، بخبر سعيد حين علم ان زوجته حامل في شهرها الاول، لكن الطبيبة نصحت زوجته ان تأخذ أحد الأدوية الخاصة للنساء الحوامل في الفترة الاولى من الحمل، وهو عبارة عن مثبت الحمل وتستمر على العلاج لفترة محددة وتراجع بعدها بغية إجراء الفحص الدوري .
علي عامل في أحد الأفران تلقى التهاني من الاصدقاء، وأطلقوا عليه اسم "أبو حسين" أو "أبو حسن" أو أبو زهراء إذا كانت المولدة أنثى ، يقول: لكن بعد المراجعة الثانية للطبيبة اكتشفت أن هنالك مشكلة من عدم الاستجابة للعلاج الذي وصفته لزوجته، وطلبت أن تعيد الدواء، وكانت الطبيبة فضولية في ان تطلب من الزوج احضار الدواء لغرض مشاهدته، وعندما أحضر الزوج العلاج صرخت الطبيبة بصوت عالٍ "الله أكبر هذا الدواء مقلـَّد ومغشوش"! 
تلك القصة تحدث يومياً للعشرات من المرضى، ( المدى ) ولأهمية الموضوع تسلط الضوء على هذه الظاهرة التي رفض العديد من المتخصصين الكشف عن تفاصيل كثيرة تتعلق بالمشكلة، فيما اكتفى مكتب المفتش العام في وزارة الصحة بالحديث عن العموميات فقط رافضاً الكشف عن الكثير من الأمور والحقائق.
رصدنا أطناناً من الأدوية المغشوشة 
مصدر في قسم المؤسسات غير الحكومية في مكتب المفتش العام التابع لوزارة الصحة أوضح لـ ( المدى) أن ضمن واجبات المكتب القيام بحملات تفتيشية وفق الاخبار والمعلومات الواردة إلينا مع الجهات المعنية والمختصة، رصدنا وصادرنا أطناناً من الأدوية المغشوشة والمقلدة او منتهية الصلاحية أو المسرَّبة من المؤسسات الصحية في أماكن مختلفة في بغداد والمحافظات . المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أشار الى أن صلاحيتنا محددة وتتم من خلال مصادرة تلك الأدوية واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين ، لافتاً إلى أن جميع الأدوية التي تدخل البلاد هي لشركات رصينة ويتم تقليدها لتباع في السوق العراقي . 
(المدى) شاهدت كميات كبيرة من تلك الأدوية والمصادرة في قسم المؤسسات غير الحكومية وعند الطلب من المسؤول عن القسم في مكتب المفتش العام أخذ عينات بغية اطلاع الرأي العام بذلك فقد تم الرفض .
لماذا التكتم على الأدوية المقلدة؟
أبو زينب 62عاماً التقته ( المدى) في إحدى الصيدليات وهو مصاب بأحد الامراض المزمنة ويتناول دواءً محدداً تساءل: لماذا لا تكشف وزارة الصحة عن أنواع الأدوية المقلدة التي تدخل السوق بكميات كبيرة؟ أبو زينب يقول: نسمع ونشاهد الأخبار وبشكل مستمر عن مصادرة أدوية غير مفحوصة ولكن الحقيقة غير واضحة ويبدو أن هنالك أشخاصاً ومتنفذين لهم الثقل الكبير في المجتمع، ويبدو أن مافيات كبيرة تعمل في هذا القطاع وفق غياب واضح للسلطات كافة !
الأدوية المقلدة أغلبيتها من الصيــن وتركيا
مدير الجريمة المنظمة في وزارة الداخلية اللواء حسن الشمري أشار لـ ( المدى ) أن مراقبتنا لهذا الموضوع مستمرة ولنا معلومات دقيقة حول أماكن ومصادر تلك الأدوية ومعظمها تأتي من الصين وبعض الدول الأخرى وقد القت مفارزنا على العديد من تلك الادوية فيما تم ايضاً مصادرة كميات كبيرة من المطبوعات في منطقة البتاوين، إذ يقوم البعض بطبع (ليبلات) للعديد من الادوية وتم احالة المخالفين الى القضاء وفق القانون بناءً على المعلومات الواردة إلينا .
الشمري أوضح أن هناك تعاوناً مشتركاً ما بين الوزارة ومكتب المفتش العام ونقابة الصيادلة يتم من خلالها متابعة ومراقبة الاماكن التي يُشتبه فيها بأنها أماكن تحضير وتقليد الادوية وهي اماكن معروفة ومشخصة لدينا ، وقد تم إلقاء القبض على اشخاص يقومون بتجارة تلك الادوية وإحالتهم إلى القضاء . 
في حين يكشف لـ "لمدى" أبو سعد وهو يعمل في هذا المجال أن كبار بعض اصحاب المذاخر الدوائية يقوم بتقليد بعض الادوية فى تركيا ايضاَ .
جريمة بحـق البشر.. على القضاء تشديد العقوبة 
المتحدث الرسمي في وزارة الصحة الدكتور عبد الغني سعدون دعا السلطات القضائية الى تشديد العقوبة على المتلاعبين في قضية الدواء المقلد أو استيراد كميات من الادوية هي بالأصل غير مطابقة للمواصفات المختبرية مشيراً الى أن العراق ومنذ فترة طويلة يعاني من مشكلة عدم ضبط الحدود وعملية الرشا المستمرة في ادخال المواد واستخدام البعض منهم طرقاً ملتوية قد تكون ( قانونية وإدارية سليمة من خلال تزوير الأوراق الرسمية ) لكن المشكلة هي أكبر بكثير ولابد من جميع الجهات أن تضع حــداً لهذه الجريمة .
سعدون أكد أن وزارة الصحة تقوم بفحص جميع الأدوية المستوردة من قبلها وهذا اختصاص المركز الوطني للرقابة الدوائية ، إذ يقوم بفحص جميع الادوية سواء للقطاع الخاص أو الحكومي ويقوم بإعطاء الرأي المختبري والسماح بإطلاق الشحنة الدوائية سواء في السوق المحلي أو عبر المؤسسات الصحية الحكومية .
وأوضح أن ظاهرة الغش الدوائي ليست بالظاهرة المحلية البارزة في البلاد، وإنما هي ظاهرة عالمية تعاني كبرى الشركات العالمية منها خصوصاً الشركات الرصينة التي تمتلك تاريخاً طويلاً في صناعة الدواء وقد اشارت منظمة الصحة العالمية الى ذلك، إذ قدرت قيمة الادوية المقلدة بمليارات الدولارات سنوياً .
صفحة للكشف عن الأدوية المقلدة عبر (الفيس بوك) 
قامت مجموعة من العاملين في مهنة الصيدلة بفتح صفحة في الفيسبوك لغرض نشر الوعي لدى المواطن حول الادوية غير المرخصة .. الصفحة ذكرت لأنها تهدف لكشف جميع الادوية المغشوشة والمقلدة والمسرَّبة ومن يتعامل بها داخل حدود أرض العراق، وهذه الصفحة ليست موجهة فقط لمن يتعاملون في المجال الصحي انما لعامة الشعب بكل أطيافه وطبقاته. وتدعو الصفحة الناس للانضمام لها وكذلك المساهمة الفعالة من الطبيب والصيدلي وكل من يعمل في المجال الصحفي في نشر المعلومات الخاصة بمن يتاجر بأمراض وآلام المواطنين، وسيتم مراجعة وتدقيق المعلومات كافة من قبل فريق متخصص يعمل في هذه الصفحة حرصاً على الأمن الدوائي في أرض العراق .
الأدوية الرصينة والسرطانية الأكثـر تقليداً
محيي عبد الستار يعمل في إحدى الصيدليات الأهلية كشف لـ ( المدى ) أن أكثر الأدوية التي يتم غشها هي الادوية الرصينة وأدوية أمراض السرطان إضافة الى الأدوية التي تنتج من شركات رصينة ومعروفة مثل المنشطات الجنسية والمضادات الحيوية، ومضادات الطفيليات والهرمونات .محيي أكــد أن الأمر وصل الى أن العاملين في هذا المجال بدأوا لا يفرقون ما بين الأصلي والمقلـَّد بسبب هيمنة الدخلاء على هذه المهنة ليصل الأمر الى نفوذ أشخاص متنفذين ( ولهم الكلمة في هذا التجارة )حسب قول محيي .
أدوية لا تحتوي على المادة الفعـّالة 
محيي أوضح أن الأدوية المقلدة معظمها لا يحتوي على المادة الفعالة، فتصبح بعيدة عن المواصفات الأصلية، بل إن الأمر يصل إلى حد تصنيع حبوب الأدوية من مواد إسمنتية وطحين وأتربة وغيرها، ثم يقومون بطلائها بألوان صناعية ودهانات بشكل ولون الدواء الأصلي نفسه، وفي حال الحقن فإن مياهاً ملوثة قد تحل محل المحلول ، ويمكن تقسيم الغش في الأدوية إلى منتجات خالية من المادة الفعالة أو منتجات تحتوي على كميات ضعيفة من المادة الفعالة، أو منتجات تحتوي على مواد غير صحيحة أو منتجات تحتوي على المادة الفعالة الصحيحة بالكمية الصحيحة ولكن باسم غير حقيقي للشركة المصنعة. وتقوم معظم دول العالم بالتعامل مع قضية الأدوية المغشوشة بشكل فردي، حيث تتم معاقبة الاتجار بها في كل البلدان تقريبا بغرامات مالية لا تكون في معظم الأحوال رادعة لهؤلاء التجار.
مخاوف من محاولات الخطـف والقتــل 
مدير مفوض لإحدى المكاتب العلمية المتخصصة في استيراد الادوية أكــد لـ ( المدى) أننا نستورد احد الادوية الخاصة بتفتيت الحصى وهى معروفة وفعالة ويوصي العديد من الاطباء في استخدامها كعلاج للمرضى لكن نشاهد وجود كميات مقلدة من الدواء ذاته وتباع في الصيدليات وبشكل علني ونحن ليس لنا صلاحية سحب أو مساءلة الصيادلة ( من اين ؟) وكل ما في الأمر نشترى نماذج منها ونرسلها الى مكتب المفتش العام ونبلغه بوجود كميات مقلدة منتشرة في السوق. مشيراً الى ان المخاوف الحقيقية من حالات التصفية الجسدية او غيرها من الاعمال الاجرامية حيث تقف عائقاً امامنا للتحري بشكل شخصي عن الذين يمارسون تلك الاعمال ومن يقف وراءهم وهذه ليست حالة فردية في مكتب علمي او مكتب محدد وانما هي حالة عامة يعيشها سوق الدواء في عموم البلاد .
80% من أصحاب المهنة
تركوها للغيــر
الصيدلاني أبو سيف أشار لـ ( المدى ) أن هناك أسباباً حقيقية وراء هيمنة الدواء المقلد وانتشاره في الصيدليات الاهلية خصوصاً في بغداد بسبب أن 80% من اصحاب الصيدليات لا بعملون في الصيدلية إذ فضـَّل العديد منهم ايجار الامتياز بسعر شهري يتراوح ما بين 750 الف دينار صافٍ فيما يتصاعد هذا الرقم حسب الرقعة الجغرافية والمناطق التي تشهد تواجد العديد من الاطباء ليصل أحياناً ربح الصيدلي المانح لأجازنه الى مليونين وخمسمائة الف دينار شهرياً! وهذا بعلم ومعرفة نقابة الصيادلة واقسام التفتيش في جميع المؤسسات الصحية ، بل حتى المذاخر الكبيرة تقوم بذات الشيء اي تأجير الامتياز وإن وجد شخص فربما يكون صيدلياً متقاعداً تجاوز الستين عاما .أبو سيف أوضح انه ليس باستطاعة وزارة الصحة عبر ملاكات مكتب المفتش العام او الاقسام الاخرى في دوائر الصحة ان تطبق جميع الضوابط والتعليمات بسبب وجود الأغلبية منهم الذين يملكون صيدليات او مجمعات صحية ونحن في زمن المجاملة والفصل العشائري وهذه هي عوامل مساعدة على تفشي ظاهرة الأدوية المقلـَّدة !
أكثـر من ملياري دينار حجم المبيعات اليومية
صبا 34 عاماً صيدلانية مُنحت مؤخراً أجاز ة ممارسة المهنة تشير لـ ( المدى ) لو أجرينا عملية حسابية بسيطة ومن خلال وجود أكثر من خمسة آلاف صيدلية في عموم البلاد ولنفترض أن معدل مبيعات أية صيدلية يصل إلى 250 ألف دينار كحد أدنى للمبيعات اليومية منها تباع أدوية مقلـَّدة أو منتهية الصلاحية . صبا توضح أن هذا الكم الهائل من الصيدليات ووجود المقلد وغيرها نجد أن أكثر من ملياري دينار هو حجم المبيعات المتحققة اليومية في السوق الدوائية فماذا عن قيمة الادوية المقلدة التي تباع للمواطن البسيط ؟ كاشفة عن وجود شبكة مندوبين لمذاخر ومكاتب، يومياً نكتشف اسماً جديداً ومذخراً ومندوباً جديداً وجمعيهم يبيع وفق آلية البيع بالأجل.
خـُدِعت بكمية أدوية
صبا كشفت أنها اشترت من مندوب كمية من الادوية الموسمية خصوصاً مع اقتراب موسم الشتاء وعند استلام الكمية والتوقيع على الفاتورة وبالأجل طبعاً اكتشفت ان تاريخ النفـاد قريب جداً ولا يتجاوز الشهر مما ادخلها ذلك في دوامة كبيرة وتم استرجاعها الى صاحب المذخر ، مبينة أن مهنة الصيدلة في العراق الان عبارة عن ربح فقط وإن القوانين المتبعة في دول العالم التي كانت متبعة في العراق هي الان غير مطبقة اذ كانت تلك القوانين تعطي الصيدلي ربحاً هامشياً يقدر بنسبة 10% من الأدوية الأكثر مبيعاً، و20% للأدوية الأخرى.
نقابة الصيادلة تعترض على إجراءات التفتيش
نقابة الصيادلة وعبر موقعها الالكتروني اعترضت بشدة على الإجراءات التي قامت بها مفارز الجرائم الاقتصادية والمتمثلة بتفتيش عدد من المذاخر من دون علمها ومن دون علم مكتب المفتش العام في وزارة الصحة مطالبة إخبار النقابة قبل صدور مذكرات القبض بحق أي صيدلي مخالف وفقاً لقانون مزاولة المهنة حسب وصف النقابة. ( المدى ) حصلت على نسخة من هذا كتاب .ربما الى هنا نقول: إن موضوعنا انتهى ، لكن هل انتهت تجارة الادوية المغشوشة ؟ نقول: لا وألف لا ، إذ لا يتم ذلك إلا بوضع عقوبات صارمة من قبل الاجهزة التنفيذية والى ان يحين ذلك نقول ربما سيرتفع مبلغ تجارة الادوية المغشوشة في نهاية العام الحالي الى 100 مليار دولار ... والله الساتر إذ أن هذه الأدوية المغشوشة تؤدي حتما الى مضاعفات على المريض ، فمَن يتحمل مسؤولية ذلـك؟
 
محرر الموقع : 2014 - 09 - 13