الأدوار المهمة في حياة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام)
    

*الحفاظ على الكيان الشيعي من الفرق الضالة:
ان من الأدوار المهمة ايضا للأمامة الألهية هو الدفاع عن حياض الإسلام وصيانته من الانحرافات الفكرية والأخلاقية التي تطرأ في الساحة الإسلامية وتأخذ بالناس عن جادة الحق ويتمادى هذا الانحراف شيئاً فشيئا فيكون له الأثر السيء في حياة المجتمع.

وعليه لابد من مكافحته والوقوف ضده بكل الوسائل المانعة من انتشاره من خلال التوجيه والإرشاد وانتشال الأمة وهدايتها.

فظهرت في عصر الإمام العسكري عليه السلام فرقا ضالة ومنحرفة واتخذت اساليبا متعددة في ظهورها بين الناس فكأن للأمام عليه السلام دورا مهما في دفع خطر هذه الأفكار الوافدة ومواجهتها وتحصين البناء الشيعي منها ومن هذه الفرق الضالة هي فرقة الواقفة والذين هم فرقة من الصوفية الذين وقفوا على إمامة الامام موسى الكاظم عليه السلام ولم يقولوا بأمامة غيره من بعده وزعموا أن الإمام الكاظم عليه السلام لم يمت وانما هو حي.

فكان للأمام العسكري موقفاً حازماً ضد اتجاههم حيث سأله أحد أصحابه قال أأتولاهم ام اتبرء منهم؟
فكتب ع :(أنا إلى الله منهم بريء فلا تتولاهم ولاتعد مرضاهم ولاتشهد جنائزهم ولاتصلي على أحد منهم مات أبدا سواء من جحد أمام من الله أو زاد إماما ليس إمامته من الله….).

فكان هذا الدور الذي مارسه الإمام من خلال المواقف التوجيهية للتحذير منهم والحيلولة دون تأثيرهم في الفرد الشيعي الذي يدين بالولاء لأهل البيت عليهم السلام لغرض الحفاظ على الكيان الشيعي وأيضا هي محاولة لأرجاع العناصر الضالة التي انحرفت عن جادة الحق من خلال إزالة تلك الشكوك والظنون التي تزعزع مفاهيم الدين وثوابته من خلال تلك الافكار المسمومة.

*دور تربية الشيعة وتوجيهه لهم:
لقد رسم أهل البيت عليهم السلام منهاجا سلوكيا لشيعتهم ليكون برنامج عمل يومي وفق موازين العقل والشرع يحقق لهم سلامة دينهم ودنياهم ، وكيفية التعامل ومعاشرة الاخر سواء كانوا من الموالفين او من المخالفبن ، وهذا يتحقق من خلال تجذير القيم الروحية والأخلاقية في نفوس المؤمنين.
وان شيعة اهل البيت عليهم السلام هم أولى الناس بتطبيق تلك القيم المعنوية والاخلاقية في ميادين الحياة، لذا جاءت وصايا الامام العسكري عليه السلام لترسم خارطة واسعة لبناء شخصية الفرد الشيعي وفقها بناءا سليما كي يكون مثالا يحتذى به في الوسط الاجتماعي ٠ وأحد هذه الوصايا هي تلك الوصية المباركة منه عليه السلام لشيعته:
((أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والإجتهاد لله وصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد (ص) صلّوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدّوا حقوقهم فان الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس.
قيل : هذا شيعي فيسرّني ذلك . اتقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً ، جرّوا إلينا كل مودة ، وادفعوا عنا كل قبيح ، فانه ما قيل من حسن فنحن أهله ، وما قيل من سوء فما نحن كذلك . لنا حق في كتاب الله ، وقرابة من رسول الله ، وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب . اكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي (ص) فان الصلاة على رسول الله عشر حسنات٠٠٠)).
وان هذه الوصية قد تضمنت عدة فقرات مهمة:

الاولى: التأكيد على البعد العملي والسلوكي في حياة الفرد الشيعي والألتزام بقيم هذه الوصية ( التقوى، الورع، ألأجتهاد لله، صدق الحديث، أداء الأمانة، حسن الجوار،٠٠٠٠٠٠٠).

الثانية: تأهيل المؤمنين للتعايش مع الاخرين والأبتعاد عن العزلة الاجتماعية حتى مع المخالفين( صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم ٠٠٠٠٠٠).

الثالثة: ابراز الفرد الشيعي كنموذج يحتذى به يجسد الأنتماء لمدرسة أهل البيت( عليهم السلام )٠( كونوا لنا زينا ولاتكونوا علينا شينا ٠٠٠٠).

*خطوات التمهيد لمرجعية الفقهاء في عصر الغيبة:
تسلم الامام الحسن العسكري عليه السلام زمام الإمامة الإلهية بعد استشهاد والده الإمام علي الهادي سنة ٢٥٤ هجرية ٠
وبما ان حياة الامام العسكري قد جسدت اخر حلقة في سلسلة الامامة الالهية لقيادة الأمة ٠
ويعتبر عصر الإمام العسكري عليه السلام مفصليا في حياة الأمة لأن هذا الظرف الزمني هو الذي سيهيأ الأمة لتلقي دورا اخر٠لذا كان هذا الدور من حياة الإمام العسكري هو دور يتصف بالصعوبة لأنه كان اخر الأدوار التي عاشها شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وهم لهم الاتصال المباشر معهم او عن طريق الوكلاء.
فكان الامام العسكري عليه السلام يمهد لهذه المرحلة من خلال الاعداد لتقبل الوضع الجديد لعصر الغيبة والتي ستشهد انفصال ظاهري بين الشيعة وبين شخص الامام المعصوم عليه السلام.
وعليه لابد من بذل جهد استثنائي مغاير لما كان في المراحل السابقة التي عاشها شيعة أهل البيت عليهم السلام، واتخاذ خطوات جديدة، لذا فأتخذ الإمام عليه السلام جملة من الخطوات لمعالجة الوضع الجديد وهي:
اولا: نظام الوكلاء والذين عينهم الإمام ع في كافة اصقاع الوجود الشيعي كما في الأهواز وقم وبغداد٠٠٠٠ وهؤلاء يشكلون حلقة الوصل بين الشيعة والإمام وهذا هو أحد أنواع النظم الجديدة للتمهيد لعصر الغيبة للامام الحجة عجل الله فرجه الشريف.
وقد اتسع نظام الوكلاء في عصر الإمام العسكري عليه السلام بشكل كبير.

ثانيا: اعداد الفقهاء وهم يمثلون الخط الفكري والفقهي والعقائدي لمنهجية الكيان الشيعي
وقد أرسى الامام العسكري عليه السلام الأسس الفكرية للمرجعية الشيعية، فيقول ( ع)؛
(( من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه)).
وبهذا يكون قد وضع الامام العسكري( عليه السلام ) الأدوار المهمة لبناء الكيان الشيعي من خلال تهيأة الأمة وتأصيل الرجوع إلى الفقهاء في عصر الغيبة ليأخذوا منهم معالم دينهم وأخذ الموقف الشرعي أتجاه القضايا الحادثة.

(الشيخ محمود الحلي الخفاجي)

 

محرر الموقع : 2022 - 10 - 05