حوادث منظومات الغاز في كردستان بين فساد الشركات والإهمال الحكومي
    

أشارت حوادث منظومات الغاز في كردستان العراق بأصابع الاتهام إلى الفساد المستشري في الإقليم وابتعاد منظومات الغاز عن مقاييس السلامة ورقابة الحكومة فيما اتهم مراقبون حكومة الإقليم بالتقصير واللامبالاة.

الخميس الماضي انهار منزل مكون من 3 طوابق بالكامل مما أدى لمصرع 15 وإصابة 15 نتيجة انفجار منظومة الغاز، كما أدى الحادث لتضرّر بعض المنازل المجاورة بمنطقة كازيوة بمحافظة السليمانية.

وابتليت محافظة دهوك بفاجعة أخرى، فجر أمس الأول ، بنشوب حريق في قسم داخلي للطلبة في بناية تجارية تضمّ فرنا في أسفلها بمنطقة “كري باسي” وسرعان ما تحوّل إلى انفجار بسبب ضغط الغاز.

وأسفر هذا الانفجار عن وفاة 5 أشخاص بينهم 3 منتسبين أمنيين بينهم ضابط برتبة رائد وأحد العُمال وطالب، فضلاً عن إصابة 37 آخرين، وفقًا لمسؤول إعلام مديرية الدفاع المدني في دهوك المُقدم الحقوقي بيوار عبد العزيز.

وعلى إثر ذلك، شدّد رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوادني على ضرورة الوقوف على الأسباب التفصيلية لمنع تكرار هذه الحوادث، وأن تفرض جميع إجراءات السلامة لضمان عدم وقوعها.

أسباب الانفجار

وعن أسباب حادث دهوك، يقول المُقدم عبد العزيز إنه وقع نتيجة تسرّب غاز من خزان فرن للخبز كان أسفل المبنى 3 أيام دون أن يعلم صاحبه بذلك، وانفجر الخزان بوجه فريق من مديرية الدفاع المدني عندما ذهب إلى مكان الحادث بعد تلقيه نداءً عن ذلك في وقت متأخر من ليل الحادثة.

وخلال السنوات الماضية، اضطر سُكان المدن في الإقليم إلى استخدام المدافئ الكهربائية ومنظومات الغاز داخل المنازل، بوضع خزانات كبيرة على الأسطح المنازل والبنايات الضخمة، لرخص أسعارها مقارنةً مع النفط الذي قفز سعر البرميل الواحد منه إلى نحو 200 دولار، في حين لجأ سكان القرى والأرياف إلى استخدام الحطب للتدفئة في فصل شتاء.

ويأتي ذلك مع تراخي الجهات الرقابية في مراقبة آليات تركيب تلك المنظومات التي يصفها مراقبين بـ “قنابل موقوتة” داخل المنازل، مع غياب إجراءات السلامة الوقائية، وعدم الأخذ بعين الاعتبار توفير أدوات الإطفاء أو الأساليب الحديثة المُعتمدة كما الحال في أغلب دول العالم.

منظومات الغاز تقتل العراقيين

وحمّل مراقبون حكومة الإقليم وجهاتِ مُتنفذة مسؤولية وقوع وتكرار انفجارات منظومات الغاز في كردستان باتهامها بالفساد وسوء إدارة ملف الكهرباء (لا تتوفر الكهرباء سوى 10 ساعات باليوم) والمحروقات، ولارتفاع أسعارها لا سيما مادة النفط الأبيض، مما دفع المواطنين من أصحاب الدخل المحدود للجوء لاستخدام منظومات الغاز للتدفئة والاستعمالات الأخرى في الشتاء.

وقريبا من ذلك، يُوجه عضو لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في برلمان كردستان الدكتور شيركو جودت انتقاده بشكل مباشر لحكومة الإقليم.

مُحمّلاً إيّاها مسؤولية تكرار تلك الحوادث “لأنها غير مُسيطرة على نوعية المنظومات الغازية التي تستعمل داخل المنازل والمرافق والمؤسسات الحكومية مع غياب الرقابة وشروط السلامة”.

لا يقف جودت عند هذا الحدّ، بل يُرجع أسباب ارتفاع أسعار الوقود إلى حالات الفساد المستشرية في مفاصل حكم الإقليم لاسيما ما يتعلق باستخراج المشتقات النفطية التي لا تُسمح باللجوء عمدا إلى الإنتاج المحلي لسدّ الحاجة المحلية من تلك المُشتقات.

ويُجدر الإشارة إلى أن النفط الإيراني -الذي يمتاز برخصه- ازداد انتشاره بكثافة في أسواق الإقليم واستعماله لدى المواطنين خلال السنوات الأخيرة لاسيما مع قدوم الشتاء.

فاجعتا السليمانية ودهوك دفعتا حكومة كردستان إلى حظر استعمال تلك المنظومات الغازية بجميع أنواعها، في خطوة لمعالجة تلك الظاهرة مع مراجعة كل الأماكن العامة والخاصة التي تحتوي على منظومات الغاز، وفتح تحقيق دقيق في الحادثين الأخيرين.

لكنّ النائب جودت يقرّ بعدم جدوى هذه الحلول والمُعالجات “الترقيعية” -حسب وصفه- لأنّها ليست فورية وآنية.

فساد وشركات أجنبية

وخلال السنوات الماضية، غزت شركات إيرانية أسواق الإقليم بتركيب أنظمة الغاز للتدفئة داخل المُجمعات السكنية العملاقة والمباني التجارية والمنازل، بنقل تجربة بلادهم إلى كردستان مع اختلاف طريقة وآلية العمل.

لكنّ ذلك لم يخل من حالات الفساد من خلال استخدام مواد رديئة الجودة لتحقيق أرباحٍ عالية، مما يعني أن الإقليم مُقبل على كوارث أخرى في حال لم تُعالج جميع الأنظمة الغازية التي تم نصبها.

ويتفق مع ذلك الإيراني فرشاد سليمان الخبير بتركيب منظومات الغاز في كردستان، ويُعلق على حادثتي السليمانية ودهوك بأنهما نتيجة تسرّب الغاز وانتشاره واستقراره بمكان الحادثة لأنه أثقل من الهواء، واحتراقه بفعل عامل خارجي مثل النار أو الكهرباء.

ويستند سليمان في دليله ذلك إلى أن انفجاري السليمانية ودهوك لم يكونا في مكان وضع الخزان، وفي حال حدوث الأخير فستكون نتائجه وأضراره كارثية وكبيرة جدًا، وإنما الانفجار وقع في أماكن انتشار الغاز نتيجة تسرّبه من الأنابيب.

ويكشف الخبير الإيراني عدّة حالات فساد في تركيب هذه المنظومات، أبرزها استخدام أنابيب بلاستيكية لنقل وتوزيع الغاز داخل المنازل وليس الأنابيب الحديدية، وهذا ما يؤدي إلى وقوع انفجار كما حدث بالسليمانية ودهوك مؤخرًا.

ويُشير إلى نقطة أخرى من حالات الفساد -في استخدام منظومات الغاز- أنها لا تُنصب من قبل لجان رقابية تابعة لشركات مُختصة وإنما من قبل أشخاص لا يمتلكون المعرفة الكافية.

غياب الرقابة الحكومية

ويتفق الباحث الاقتصادي حسين محمد بأن تكرار حوادث منظومات الغاز يدلل على الفساد الإداري.

مشيرا في الوقت نفسه إلى حالة فساد أخرى من خلال استقدام أعداد كبيرة من الأيدي العاملة من دول مجاورة للعمل بهذه المنظومات بعيدا عن أنظار الحكومة.

ويكشف الباحث عن ما سماها “الطامّة الكبرى” في منظومات الغاز المستخدمة بأنها تُنصب من قبل أشخاص يعملون بطرق غير قانونية أو رسمية ولا يدفعون الضرائب الحكومية، وكذلك ليس من خلال شركات رسمية مُجازة، مع عجز حكومي واضح للحد من ذلك.

المصدر :الجزيرة

محرر الموقع : 2022 - 11 - 24