دفن المسلمين بالكفن في ألمانيا
    

لسنواتٍ طويلة، حاولت الجمعيّات الإسلاميّة إقناع المسؤولين الألمان بدفن موتاهم بالكفن دون تابوت وفق تعاليم الدين الإسلامي، وهذا ما تمّ تحقيقه بالفعل، لكن مازال هناك المزيد للقيام به، وخصوصاً أنّ بعض الولايات تحظّر الدّفن بالكفن.

استقلّ أحمد الغنيمات وابن أخيه جلال الطّائرة على وجه السرعة من عمّان إلى برلين. وكان الألم ولوعة الفراق يعتصر قلبيهما. كيف لا، وهما قادمان بشكل خاصّ لتشييع الأخ والعمّ تيسير إلى مثواه الأخير. كان قدر تيسير أن توافيه المنيّة ويدفن في ألمانيا، الأرض الّتي وطأتها قدماه لأوَّل مرَّة العام 1972. لدى وصولهما، كانت هناك مفأجاة بانتظارهما: سيكون فقيدهم أوّل متوفّى في برلين يدفن بالكامل حسب الشّريعة الإسلاميّة: بلا تابوت، وبالكفن فقط. "خفّف ذلك من شعورنا بالأسى والحزن على فقدان المرحوم في بلاد الغربة، لما له من تأثير في العائلة هنا في الأردن من النّاحية الدينيّة"، يقول جلال غنيمات، ابن أخ المُتوفّى.

يعود أقدم قبر، لم يندثر، لمسلم في ألمانيا للعام 1689. حتى ذلك الحين، وصولاً إلى منتصف القرن المنصرم، كان عدد المسلمين ليس كبيراً. أمّا اليوم، فبلغ عددهم أربعة ملايين شخص، ما يعني ارتفاع أعداد الموتى الّذين يدفنون في ألمانيا، وخصوصاً من أبناء الجيلين الثاني والثالث. ويقول علي إيشك، مدير أحد مكاتب دفن الموتى: "70 في المائة من الوفيات تُنقل إلى بلدانها الأصلية، و30 في المائة يتمّ دفنها هنا. وهذا يعود إلى أنّ الجيل الثاني والثالث لم تعد له هذه الصّلة مع بلدانهم ومعظم عائلاتهم هنا، بعكس الجيل الأوّل".

وقد سنّت السلطات الاتحادية قانوناً عاماً للدّفن، ملزماً لجميع الولايات، بيد أنّ لكلّ ولاية قانوناً خاصّاً بها، ما يستتبع الاختلاف في بعض التفاصيل والجزئيات من ولاية لأخرى. بعض الولايات ما تزال تحظر الدّفن بالكفن، معلّلة ذلك بالحفاظ على البيئة والخوف من انتشار الأوبئة والأمراض المعدية النّاتجة من تحلل جثة المتوفى. غير أنّ أكثر من نصف الولايات تسمح الآن بالدّفن بالكفن، وقد انضمّت برلين إلى هذه القائمة مؤخّراً، حيث جرى دفن المتوفى تيسير غنيمات في الساعة العاشرة من يوم الجمعة، الموافق للعاشر من الشهر العاشر للعام 2014. ويقول محمد علي عنتبلي، مغسل الموتى، إنّ "الجمعيات الإسلامية ومكاتب دفن الموتى بذلت جهوداً كبيرة للوصول إلى يوم الدّفن بالكفن"، غير أنّ علي إيشك يعقّب قائلاً: "لا ترغب بعض مكاتب الدّفن الإسلاميّة بذلك، لأن القسم الأكبر من الأرباح يأتي من فرق سعر التابوت".

إلى جانب الدّفن بالكفن، تبقى مسألة إنشاء مقابر خاصّة بالمسلمين موضع مطالبات من الكثير من الجمعيّات والجهات الإسلاميّة. ويكاد يجمع معظم من استطلعنا آراءهم على أن الوصول إلى هذا الأمر يتطلّب توحيد صفّ الجمعيّات والمراكز الإسلاميّة بإنشاء اتحاد لهذه الجمعيّات، للتحدث بصوت واحد مع السلطات الرسمية، والاتفاق على القوانين وآليّات عمل المقبرة. ويعود إيشك، مدير شركة الموتى، إلى الكلام وبثقة تامّة: "إنها مسألة وقت، وسنحصل على مقابر خاصّة بنا". وهناك مسألة أخرى يسعى لها المسلمون هنا، وهي السماح بشراء قبور دائمة -كما كان عليه الأمر في السابق- وعدم الاكتفاء باستئجار القبور لمدّة عشرين سنة قابلة للتّجديد.

أمّا كلفة الدّفن فتبدأ بـ 2500 يورو فصاعداً. وهذا المبلغ يغطّي كلّ شيء... يكلّف تابوت الفقراء 500 يورو، وتابوت الأغنياء قد يصل حتى 5000 يورو أو أكثر. هذا ناهيك بشواهد القبور من الرخام والغرانيت، والتي يبدأ سعرها عند 1500 يورو فصاعداً"، يقول عنتبلي مغسّل الموتى. وفي حال كان المتوفى عاطلاً من العمل، ويعيش على المساعدات الاجتماعيّة، تدفع الدولة ثمن القبر و75يورو للمكتب. "بالكاد يغطّي هذا المبلغ التكاليف؛ ولذلك تحجم بعض مكاتب الدّفن عن القيام بالدّفن، إلا إذا تلقّوا مبلغ ألف يورو إضافي من عائلة المتوفى"، يقول إيشك...

 

والجدير بالذكر ، إنّ احترام الخصوصيّة الدّينيّة للمسلمين، كما لغيرهم، خطوة مهمّة على صعيد اندماج المسلمين في المجتمعات الّتي يهاجرون إليها ويعيشون فيها ويموتون، وهي مصدر ارتياحٍ لهم واطمئنان، وخصوصاً فيما يتعلَّق بالتزام الحدود الشرعيَّة، لجهة دفن الأموات وإكرامهم، بما يسمح للحرية الدينيّة أن تنطلق في أجواء مريحة تخفّف الكثير من المعاناة عن كاهل المسلمين في بلاد المهجر، فنحن نعلم ما لنقل الموتى لدفنهم في موطنهم الأصليّ من صعوبات، وتظلّ هذه الخطوة، إضافةً إلى خطوات أخرى، كتأمين مقابر خاصّة بالمسلمين، مطلوبة تحت إطار التّعاون والتّنسيق بين الجميع لما فيه الصّالح العام.

محرر الموقع : 2014 - 10 - 22