شخصيات كارتونية ترسخ سلوكيات ماسونية في عقل الطفل
    

أنعمت كثرة القنوات الفضائية المخصصة للأطفال على اولياء الامور، لأنها وفّرت وقتاً لقضاء بعض الاعمال المنزلية، وربما فرصة لممارسة نشاطاتهم الاجتماعية، فبينما قد يكون الأب منشغلاً بعمله والأم بإعداد الطعام، يجلس الأطفال قبالة شاشة التلفاز لمشاهدة الرسوم المتحركة والبرامج التي تستهدفهم، وهنا يكون في مخيلة الأب والأم أن أطفالهم يحظون بمتعة، تمتزج بفائدة كبيرة؛ تتنوع بين أمور تربوية، وأخلاقية وتعليمية.


ويعتقد بعض اولياء الامور أن ما تبثه تلك الفضائيات مشابه لما كانوا يشاهدونه من برامج وأفلام كرتون في الزمن الماضي؛ زمن الفطرة الإنسانية السليمة. ولكن، أليس من الضروري أن يجربوا يوماً الجلوس مع أطفالهم لمشاهدة ما يشاهدونه بدلاً من هذه الثقة العمياء بتلك الفضائيات؟ فما هي ردة فعل الأب لو علم أن (غامبول)، الشخصية الكارتونية، الذي يعشقه أطفاله، رمى والده في مكبّ النفايات في إحدى حلقات هذا المسلسل الكرتوني الشهير؟

وما شعور الأم لو علمت أن هذا البطل الكرتوني جعل من والدته أضحوكة في (السوبرماركت) لمجرد أنها رفضت شراء الحلوى له ولإخوته؟

المتهم الأول: غامبول

على الرغم من أن المسلسل الكرتوني الكوميدي (غامبول) الذي تبثه فضائية (سي أن العربية) ليس الأسوأ بين بقية المسلسلات الكرتونية التي تتفوق عليه في الإنحدار الأخلاقي، إلا أن خطورته تأتي من الشهرة العالمية التي يحظى بها.

فقد تمت دبلجة هذا الكرتون الأمريكي الى الفرنسية والإسبانية والعربية وعدد من اللغات، وغامبول وشقيقه داروين نموذجان للطفلين غير المنضبطين، لا يحترمان قوانين المنزل ولا قوانين المدرسة، بل لا يحترمان أبويهما أيضاً!

والطامة الكبرى في هذا المسلسل أن الأب إنسان ضعيف الشخصية، لا يتصف بأبسط صفات الأبوة، أحمق الى درجة تجعل المشاهد يحسه مصاباً بالتخلف العقلي. أما الأم التي تبدو وكأنها مفرطة في القسوة، فتظهر وكأنها ابتليت بعائلة من المجانين!

وفي إحدى الحلقات يشجّع الوالد ابنيه على السرقة، وفي حلقة اخرى أرسلهم للانتقام من جاره فدهنوا أرضية مطبخه بالزبدة، فسقط المسكين على ظهره. وفي حلقة ثالثة جلس الأب في الحديقة عارياً فأثار غضب جيرانه لهذا السلوك اللاأخلاقي، وفي النهاية رمى غامبول وداروين والدهما وجارهما في مكب النفايات ليتصالح الاثنان في تلك الحاوية.

المتهم الثاني: أنجلو

المسلسل الكرتوني (يحيا أنجلو) قد يكون أسوأ بكثير من المسلسل السابق؛ فأنجلو يتمتع بذكاء يؤهله للنصب والإحتيال وخداع الآخرين. وهو يتفاخر بخداع أبيه وأمه وأصدقائه وجيرانه في سبيل تحقيق مآربه الخاصة.

ففي إحدى الحلقات أخبر شقيقته بأن عشيقها مغرم بها وأنه من الضروري أن تلتقي به في المنزل، ثم اتصل سراً بعشيق شقيقته ليخبره بأنها مغرمة به، وأنه من الضروري أن يلتقي بها في منزل العائلة.

وهدف أنجلو من هذا التصرف المنحط هو جعل شقيقته تضطر الى تنظيف المنزل استعداداً للقاء حبيبها الذي سيزورها، والسبب في ذلك لأن الأم كانت قد كلفته هو بتنظيف المنزل، وبذلك يكون قد تملص من واجبه..!

المتهم الثالث: ستيفن

أما المسلسل الكرتوني (ستيفن البطل) فهو عبارة عن دروس منهجية منظمة لصناعة طفل متمرد لا يحترم كبيراً ولا صغيراً. فقد يضحك الطفل لمشاهدة ستيفن يلطخ وجهه بالحلوى ويتعمد تقبيل أمه ليلطخ خدها.

ولكن سلوكياته المضطربة وروحه الانتقامية لا بد أن تترك بصماتها في شخصية الطفل المستمتع بوقته، وفي النهاية أصبح ستيفن في نظر الشركة المنتجة لهذا المسلسل وفي أنظار الأطفال بطلاً بتصرفاته التافهة.

معظم الآباء والأمهات ممن التقيناهم أكدوا أنهم نادراً ما يجلسون مع أطفالهم لمتابعة ما يتابعونه، فالقلّة القليلة منهم فقط يفعلون ذلك.

تقول أم علي (معلمة) إنها تستمتع بوقتها عندما تجلس مع طفليها علي وآيات، لمشاهدة أفلام الكرتون.

وتضيف أن "قناة (براعم) المخصصة للأطفال دون سن الإبتدائية هي المفضلة بالنسبة لإبنيها، فقد ساهمت هذه الفضائية بتعليمهما بعض المفردات والجمل باللغة العربية الفصحى".

وتؤكد أنها "حريصة على عدم السماح لهما بمتابعة بقية قنوات الأطفال التي غالباً ما تكون مليئة بالعنف والمعارك بين قوى الخير والشر؛ فالطفل دون سن السادسة بحاجة الى برامج تربوية ولا حاجة له بكرتون الأكشن".

أما أبو أحمد (موظف)، فيرى أن الزمن تغير كثيراً، فقد ذهبت أيام السندباد وغريندايزر، وتطورت عقول الأطفال مع تطور التكنولوجيا ودخول الأنترنت الى كل منزل.

ويقول ابو أحمد :"أطفال اليوم ليسوا كما كنّا نحن، وقد لا تعجبهم أفلام كرتون السندباد الحافلة بالأساطير، أو غريندايزر الذي يدافع عن كوكب الأرض من غزاة افتراضيين"، مؤكداً ان أطفاله الثلاثة من عشاق قناتي (سي أن العربية) و(أم بي سي3) لأنهما تخاطبان عقول الأطفال بروح عصرية هي أقرب الى الواقع".

ويشير أبو أحمد الى ان أفلام الكرتون الكوميدية من أمثال (غامبول) و(أنجلو) و(ستيفن)، تجتذب الأطفال من مختلف الفئات العمرية، إذ يتابعها ابنه ذو الـ 6 سنوات، وابنه الآخر ذو الـ 10، وابنته ذات الـ 12 عاما". لكن أم مهند (ربة بيت)، ترى أن كثرة الفضائيات المخصصة للأطفال "خففت إلى حد بعيد من العبء الذي يتحمله الأبوان في قضاء الوقت مع الأبناء".

فعندما تنطفئ الكهرباء يتحول أبناؤها الأربعة الى (كائنات فضائية) تتفنن في اختلاق المشاكل وإلهائها عن شؤون المطبخ والمنزل، وفور عودة الكهرباء يسود الصمت في المنزل، إذ يجلس أبناؤها لمتابعة أفلام الكرتون.

وتقول إن "كثرة هذه الفضائيات نعمة كبيرة لا يعرف قيمتها إلا من لديه أطفال مشاغبون مثل أطفالي، ولكن هذه النعمة لا تخلو من مشاكل، فقد يتشاجر الأطفال حول قنوات يرغبون في متابعتها".

وتضيف أن بالإضافة الى أفلام الكرتون المليئة بالعنف التي أثرت بشكل سلبي على سلوكهم، فهم غالباً ما يقلدون أبطال المسلسلات الكرتونية ويتقاتلون بينهم على غرار القصص التي يشاهدونها في قناتي (سبيستون) و(أم بي سي3)".

كاظم جواد (موظف حكومي) يلاحظ أن العديد من أفلام الكرتون التي تُبث حالياً معبأة بالأفكار المسمومة، مشيرا الى ان هناك أفلاماً "نشرها ناشطون في موقع (يوتيوب) تفضح أسرار العديد من المسلسلات الكرتونية ذات السلوكيات الشاذة التي تهدف الى تدمير عقلية الطفل العربي، حتى أن بعضها يتضمن شعارات (ماسونية) بشكل علني".

ويشير الى ان "غياب الرقابة عن أفلام الكرتون التي معظمها أمريكي، أتاح الفرصة لتمريرها الى مجتمعنا العربي، سيما وأن هناك فضائيات أطفال أمريكية كقناة (سي أن العربية) لا تبث أي كرتون ياباني".

ويقول "على الرغم من أن أفلام الكرتون اليابانية التي نشأنا وتربينا عليها مذ كنا أطفالاً قد لا تخلو من سلبيات، إلا أن نظيرتها الأمريكية عبارة عن سموم في سموم، ويبدو أن الهدف منها صناعة جيل مستهتر لا يعترف بالقيم والأخلاق".

ويشير الى "ان المسلسل الكرتوني الكوميدي الشهير (عائلة سمبسون) كان حتى وقت قريب ممنوعاً من البث في الدول العربية، لما يتضمنه من شتائم بذيئة ولقطات خادشة للحياء"، مضيفا أن قناة (فوكس موفيز) "بدأت بثه في السنوات الأخيرة بعد ترجمته، والحمد لله أن القناة قامت بترجمته ولم تقم بدبلجته، فلو كان مدبلجاً لتعلم أطفالنا منه ثقافة الشارع الأمريكي بأقبح أشكالها".

وتؤكد الباحثة التربوية بشرى فؤاد أن الطفل منذ مرحلة عمرية مبكرة يبدأ بالتأثر بمحيطه فيكتسب أموراً إيجابية أو سلبية، تساهم في تكوين شخصيته، وبطبيعة الحال لا بد أن يكون لأفلام الكرتون تأثير كبير على تكوين شخصية الطفل نظرا لظهور عشرات الفضائيات المخصصة لبرامج الأطفال. وتقول "كنا في الثمانينيات والتسعينيات نتمتع بمشاهدة الكرتون لعشرين دقيقة في اليوم تقريباً، الا ان أطفال اليوم يجلسون أمام التلفاز أوقاتاً غير محدودة لمشاهدة الجيد والرديء من أفلام الكرتون".

وتضيف "لو نظرنا الى موضوعة العنف في الرسوم المتحركة؛ ففي الماضي كانت بعض المسلسلات الكرتونية لا تخلو منه، ولكنه يخلو من البشاعة التي تقدمها بعض مسلسلات الكرتون الحالية".

وتوضح "ان المسلسل الياباني الشهير مغامرات الفضاء – غريندايزر الذي يتضمن معارك بين قوى الخير وقوى الشر، لا يخلق رغبة في العنف العبثي لدى الطفل، بقدر ما يلقنه مبادئ حب الخير والسلام، وردع القوى الشريرة، أما اليوم فهناك أفلام كرتون تتركز حول مصارعة دامية لمجرد المنافسة، بعيداً عن المبادئ والقيم".

وترى فؤاد ان العديد من المسلسلات الكرتونية التي تعرض حالياً "تعكس عادات وتقاليد المجتمعات الغربية، سواء كان الكرتون يابانياً أو أمريكياً، وبعيداً عن نظرية المؤامرة أو الظن بأنها ترسخ أفكاراً ماسونية في عقول اطفالنا، لا بد أن نفهم بأن هذه القصص تعبّر عن بيئتها بعاداتها وتقاليدها التي تختلف عن عاداتنا وتقاليدنا".

وختمت حديثها بالقول إن "من الصعب جداً أن يجلس الوالدان لمراقبة أفلام الكرتون التي يشاهدها الأبناء؛ فهذه مهمة الجهات الرقابية التي يجب أن تفحص جميع المسلسلات الكرتونية قبل عرضها على الفضائيات، ومن المؤسف أن الطابع التجاري بات هو الصفة الغالبة على أفلام الكرتون. فالمهم بالنسبة لبعض الشركات العربية هو الانتهاء من الترجمة والدبلجة وعرضها بأسرع وقت ممكن، ويبقى الضمير الإنساني في النهاية هو الميزان الذي يزن ما يُعرض على الأطفال"
محرر الموقع : 2014 - 10 - 24