نعم لتهجير المسيحيين
    

هادي جلو مرعي

عند دوار السواس يجتمع الصبية ليلعبوا في المكان، ويمارسوا السباحة في الحوض القابع تحت التمثال الكبير لبائع عرق السوس المعروف في الموصل. كنت أظن لفترة إن الموصل مدينة مسيحية بالكامل لفرط مافيها من أديرة وكنائس ومدارس للمسيحيين. في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات السنية المتشددة كان المسيحيون يهجرون ويغادرون الى مناطق أخرى في بغداد أيام الحرب الطائفية في العام 2006 وبعد تدمير مساجد الشيعة في سامراء، كانت الأسر المسيحية تغادر بعض الأحياء وتنتقل لأخرى تؤمن بالتعايش، كان أبناء الطائفة السنية المغلوبون على أمرهم ضحايا لتنظيم القاعدة الذين توشحوا بوشاح السنة ليهاجموا أبناء الديانات والطوائف الأخرى من مسيحيين وشيعة وتركمان وشبك وأيزيديين وصابئة وسواها من مسميات ترى فيها القاعدة وداعش إنها خارجة عن الدين الذي يؤمن به أتباع الفكر المتشدد. نجحت تنظيمات سنية معتدلة في مواجهة القاعدة لفترات، ومايزال أبناء السنة يقاتلون داعش في مناطق من ديالى وصلاح الدين والموصل والأنبار وهم مصرون على إبعاد التشدد عن ديارهم.

بدأت تنظيمات داعش التكفيرية بحملة منظمة ضد الشيعة في الموصل منذ العاشر من حزيران 2014 وقتلت المئات وهجرت الآلاف من تلعفر التي تقطنها أغلبية تركمانية، وكانت بشاعات داعش غير مسبوقة حيث أبادت الآلاف من السجناء في بادوش، وقامت بقتل المئات في قرى تركمانية في كركوك وصلاح الدين ونينوى، ودمرت مئات المنازل، وهاجمت قرى السنة في صلاح الدين ودمرت منازلهم، وقتلت العشرات من الأبرياء، وكنا كلما تحدثنا عن المأساة قيل لنا،أسكتوا لاتتحدثوا طائفيا، لاتوجد داعش هولاء ثوار عشائر، وليسوا إرهابيين، وكنا نحار ونصدم من طريقة تفكير غريبة لأصدقاء ومثقفين وصحفيين وسياسيين يرون في داعش وهما وتضليلا ، فكيف إذن يتم تهجير التركمان والشيعة والشبك والسجناء؟ مع إن ثوار العشائر لايجدر بهم فعل ذلك بإخوانهم من القوميات والطوائف الأخرى، ثم إن داعش موجودة، وليس ممكنا أن نتهم التركمان، أو الشيعة، أو الشبك بتهجير المسيحيين فقد أفرغت الموصل من كل هذه المسميات، ولم يبق سوى السنة والمسيحيين وداعش، وليس معقولا أن يقوم السنة بتهجير المسيحيين وسلب أموالهم ومقتنياتهم، ومن يقوم بهذا الفعل القذر هم الداعشيون المتطرفون الذين يحملون جنسيات عربية وآسيوية وغيرها عدا عن بعض العراقيين المغرر بهم، أو المنتفعون من الشر.

العالم يسكت عن جرائم داعش في العراق وسوريا، ويتجاهل الحرب الدائرة التي تبيد الناس، وتغير الجغرافيا، وتنفي التاريخ، وتعطل الحياة وتغير مسارها. هناك خارطة جديدة بالفعل للشرق الأوسط وللعالم الإسلامي تحديدا وفي القلب منه البلاد العربية الماضية الى المجهول في ظل صراعات دينية طائفية وطموحات قومية متصاعدة لاتبقي ولاتذر، فحتى المسيحيون يفقدون منازلهم وكنائسهم وأموالهم وكل مايربطهم بأرض الأجداد، بينما يسمح لثلة من القتلة والمرتزقة ليعيثوا في الأرض فسادا، ويأتيك من يعترض على نقدهم، ويبرر لهم، وقد يجاريهم في أفعالهم، وربما إنضم لهم في حربهم ضد الحياة.

محرر الموقع : 2014 - 07 - 22