ممثل المرجعية العليا في اوربا: على الشباب الواعي ان يقتدي بنهج الامام الرضا (ع) في بناء شخصيته الاسلامية
    
ممثل المرجعية العليا في اوربا يبارك للعالم الاسلامي بولادة الامام علي بن موسى الرضا (ع) ويقول: 
• على الشباب الواعي ان يقتدي بنهج الامام الرضا (ع) في بناء شخصيته الاسلامية 
• عالم آل محمد (ص) حيّر عقول علماء الملل والاديان بمناظراته المختلفة معهم حتى سلموا له بالاعلمية منهم باديانهم وعقائدهم 
• اشار الى ثلاثة محاور رئيسية من سيرة الامام ابو الحسن الرضا (ع) 
• المرجعية ملتزمة بنهج الرضا (ع) في التوكل على الله وعدم المخافة من غيره حتى حيرت المحتل بمواقفها الحكيمة 
• على ولاة الامر ان يتخلقوا باخلاق الرضا (ع) ويسيروا على نهجه

بمناسبة الذكرى السادسة لافتتاح مركز الامام علي (ع) في مدينة كاردف البريطانية، عاصمة مقاطعة ويلز، أقيمت ندوة بعنوان (موقف الامام الرضا (ع) من المتغيرات السياسية والثقافية) شارك فيها نخبة من العلماء والأساتذة والمفكرين، كالدكتور النجدي والدكتور سعيد بلال والشيخ ايوب والسيد عبد المنعم. وكان في مقدمتهم سماحة العلامة السيد مرتضى الكشميري حيث ابتدء كلمته بقوله تعالى ((وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)) . 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الهداة الميامين، 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، 
وبعد: 
نعود فنلتقي بكم ثانية في ذكرى من ذكريات ائمتنا الطاهرين (ع) الا وهي ولادة ثامن الحجج (ع) الامام علي بن موسى الرضا (ع)، وما احوجنا اليوم الى مثل هذه الملتقيات والمنتديات والندوات والمؤتمرات في هذه المناسبات لنتعرف من خلالها على السيرة المشرقة للائمة الاطهار (ع)، الذين اصطفاهم ربهم على عباده، والجدير بالمسلمين خصوصا جيل الشباب منهم ان يطّلعوا على هذه السيرة العطرة والتاريخ النير لهذه الكوكبة الطاهرة في زمن تبذل فيه المحاولات الحثيثة والجادة لطمس هذا التاريخ والقاء الستار الكثيف عليه، كونهم القدوة بعد الرسول (ص) في سلوكم وسيرتهم، والمثل الاعلى الذي يحتذى به، ولكن وبحمد الله رغم كل هذه المحاولات المتواصلة نجد ان هذا النور الوهاج والتاريخ الوضاء يشق عنان السماء، لان الله عز وجل قد تعهد لاولياءه واصفيائه بان ينصرهم على اعدائهم ((يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)). 

ان عدم الاطلاع على تاريخهم المشرق يشكل ظاهرة خطيرة ومنعطفا خطيرا يهدد بانزلاق المسيرة عن الجادة الصحيحة، فلذلك يجب علينا ان نقتطف ثمرة من كل مناسبة من مناسباتهم الفياضة بالعطاء الكبير، لنأخذ منها درسا لحاضرنا ومستقبلنا، لان بعض شبابنا اليوم معجب بالحضارة الغربية كونه غير مطلع على هذه السيرة العطرة وهذه العلوم المتنوعة، ولهذا جاء عنهم (ع) حدثوا الناس عن علومنا (فإنّ الناس إذا عرفوا محاسن كلامنا أحبّونا واتّبعونا). ومن اجل هذا وغيره اخترنا اللقاء الثاني اليوم بندوة عن الامام الرضا (ع) الذي اثرى الساحة بجميع الوان العلوم والمعارف من فقه وعلم كلام وفلسفة وعلم اجتماع وعلم طب وغيرها، وقد ظهر بعض ذلك بصورة واضحة وموضوعية في مناظراته مع كبّار الفلاسفة والعلماء والحكماء الذين جلبهم المأمون من مختلف اقطار الدنيا الى خراسان لامتحان الامام (ع) للوقيعة به امام الجماهير، وقد عقد المأمون مع كل وفد منهم اجتماعا سريا ووعدهم بالجائزة الكبرى ان افحموا الامام (ع) واعجزوه، ليتخذ من ذلك وسيلة للطعن في علوم الامام (ع) والتشهير بما تذهب اليه جماهير الشيعة بان الائمة (ع) هم اعلم الامة وان الله قد اعطاهم من العلم والفضل كما اعطى اوصياه وانبياءه، فاستجاب العلماء لهذه الدعوة طمعا بالوعد الذهبي، وسالوا الامام (ع) عن اعقد المسائل واكثرها غموضا، حتى ذكر المؤرخون بانهم سألوه عن اكثر من عشرين الف مسألة في ابواب متفرقة فاجابهم (ع) بجواب العالم الخبير المتخصص، فبهر العلماء بسعة علومه حتى دان الكثيرون منهم بامامته مما اضطر المأمون الى حجب الامام (ع) عن العلماء وفرض الرقابة الشديدة عليه لكي لا يفتتن الناس به ويمتثلون لرأيه، وقد نقل العلماء طائفة يسيرة من تلك المناظرات والتي تعد ذات اثر مهم للغاية وتدلل على انه من جهابذة الفكر وعمالقة العلم في دنيا الاسلام آنذاك. 

وستتضح الصورة بشكل اكثر بما يعرضه المشاركون في هذه الندوة من فكر مدرسة الامام الرضا (ع). 
ومن باب المشاركة مع المتحدثين، اذكر ثلاثة ادوار من سيرته (ع): 

الدور الاول: هو الدور المرجعي. 
ان الامام (ع) كان هو المرجع آنذاك للامة في تأصيل الفكر الاسلامي المنبثق من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، باعتبار أنّ الحديث النبوي كالقرآن الكريم يحوي المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ. ولكن الأحاديث النبوية تعرضت للدس فيها والتحريف والكذب على النبي (ص) والأئمة (ع)، فلذا مارس الإمام (ع) دوراً مرجعياً ثقافياً وتعليمياً في إيضاح المبهمات وإرجاع المتَشَابه إلى المحكم وبيان الناسخ من المنسوخ، وحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص، وقد اتخذ هذا الدور منحيين مختلفين: 

الأول: تدريسه العلماء وطلاب الفضيلة، حتى تخرج الكثير على يديه في مختلف العلوم، مضافا الى هذا كان (ع) يشتري العبيد ثم يعتقهم بعد ان يعدهم اعدادا تربويا في داره، فقد اعتق (ع) الف مملوك طوال سني حياته، وكان لهذا العدد الكبير تاثير في سير الاخلاق، حيث يصبح هؤلاء بعد التربية والاعداد الخلقي تيارا من المخلصين الواعين يعمل في وسط الامة ويقوم باداء دور الاصلاح مبتدئا بنفسه واسرته ثم المجتمع الكبير، وقد تخرج من هذا مئات المربين والمصلحين، وازداد اتباع الامام (ع) في عصره وتوسعت قاعدته الشعبية في مساحة واسعة من الدولة الاسلامية. 
الثاني: تصديه للإجابات على الشبهات المطروحة آنذاك، والتي حفلت بها المصادر العامة والخاصة التي تحدثت عن الامام (ع) وكتبت عنه كتب مستقلة. 

الدور الثاني: هو الدور التعليمي. 
لا يخفى أنّ عصر الإمام الرضا (ع) كان من العصور الذهبية، التي تلاقت فيها الثقافات المختلفة، وانفتح الفكر الإنساني بروافده المتعددة بعضه على البعض الآخر، وباعتبار أنّ القرآن الكريم يحتاج إلى إيضاحٍ وتبيين وتفسير قائم على أساس صحيح، لذا، جهد الإمام (ع) أن يُربي عددا كبيرا من الكوادر يستطيعون الوصول إلى أغوار القرآن الكريم ويسبرون معانيه، ويدفعون الشبهات التي تثار حوله، ويدحضون تلك الآراء الباطلة والزائفة التي توهم أصحابها وجود المعارضة بين آي القرآن الكريم. علما بإنّ الإسلام لا يمنع أحداً من البحث والاستفسار من أجل فهم آي القرآن الكريم في كل عصر ومِصر، بل إنّ الإسلام لم يكتفِ بذلك، بان حث معتنقيه على التفكر والتأمل في القرآن والبحث فيه والتعرف على أسراره، ولذا، نستطيع أن نصنف الناس في فهمهم للقرآن إلى فئتين: 

الأولى: الفئة التي تعارض القرآن دون دراية وفهم، وتطرح شُبهات دون أن تحيط بالمعنى العميق الذي تشتمل عليه آي القرآن الكريم. 
الثانية: الفئة التي تريد أن تصل إلى فهم آي القرآن الكريم. 

والإمام (ع) تصدى لإعطاء الأجوبة الشافية لكلتا الفئتين، كما نلحظ ذلك في تقلده الصدارة في الرد على الشبهات في مجلس المأمون، لا سيما واننا نعرف بأنّ الإمام (ع) مارس دوراً سياسياً كبيراً في عصر المأمون، وإن لم يصل ذلك الدور إلى الجانب التنفيذي، واقتصر على الجانب النظري فحسب، إلا أنه مع ذلك كان لشخصية الإمام (ع) نفوذ واحترام في الأوساط الشعبية، وعرف الناس بأجمعهم أنّ الإمام (ع) يمثل المرجعية العلمية والثقافية في العالم الإسلامي لآي القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن جده المصطفى (ص). 

ولقد اخترت نماذج من الأجوبة البديعة والجميلة التي أجاب بها الإمام (ع) على بعض الشبهات المطروحة من قِبَل هرم الدولة آنذاك -المأمون - والشخصيات الكبيرة في البلاط الحاكم. 

الرد على الشبهات الواردة على القرآن الكريم. 
وعند تتبع تلك الشبهات نجد أنّ أهمها: 

الأولى: الشبهة التي طرحت على الإمام (ع) في قوله تعالى: ((حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)) ، وكيف يصح أن يقول القرآن الكريم استيأس الرسل؟ مع وجود آية أخرى في القرآن الكريم تقول: ((لاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)) ، وكيف نجمع بين الآية الأولى والآية الثانية التي تجعل اليأس مساوقاً للكفر بالله تبارك وتعالى؟ وقد أجاب الإمام (ع) بجوابٍ في غاية الروعة والجمال، أبان فيه أنّّ اليأس الحاصل لدى الرسل ليس من النصر والفرج الإلهي، بل اليأس من اهتداء قومهم، وكم فرق بين المعنيين، ولقد ردّ (ع) بجوابه الرائع والجميل والشافي على تلك الشبهات والأسئلة المطروحة. 
الثانية: الشبهة التي أثارها البعض، وسأل المأمون الإمام (ع) عنها في قوله تعالى: ((وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ* فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ)) ، وتساءل المأمون، كيف لنبيٍ من أولي العزم من الرسل أن يتردد أو يشك بين آلهة متعددة، فتارة يسند الأُلوهية إلى الشمس وأخرى للقمر وثالثة إلى سائر الكواكب الأخرى، وعند ذلك، أجابه الإمام (ع) بقوله: (إنّ إبراهيم (ع) وقع على ثلاثة أصناف : صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، فأراد الخليل (ع) أن يبين أنّ جميع هذه الكواكب لا تستحق أن تُعبد من دون الله)، باعتبار أنّ صفات الإله الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم لا تنطبق على هذه الكواكب، وقد مارس (ع) ذلك الأسلوب الاِقناعي من خلال التقمص لشخصياتهم، والتظاهر بإبداء استعداده للإيمان بما يقولون به إذا ثبت ذلك بالدليل، وهذا ما يُسمى في العصر الحديث بالمجاراة والإتّباع لدحض حجة الخصم، وبالفعل طرح عليهم ذلك ((فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ)) ، فهؤلاء كانوا يعبدون كوكب الزهرة، الذي لا يتصف بصفات الأُلوهية لله تبارك وتعالى، وذلك، لكونه قابلاً للتغيير والتبديل، والواحد الأحد لا يمكن أن يتغير أو يتبدل، لأنّ الله تبارك وتعالى واجب في وجوده، وهو الغني، والمعطي، ولا يعتريه الأُفول أو الزوال، وهكذا طبّق البرهان على القمر تارة وعلى الشمس تارة أخرى، بحيث أقنع الإمام (ع) المأمون والقوم الذين حضروا لمعرفة جواب الإمام (ع). 

الرد على الشبهات الواردة على أحاديث الأئمة عليهم السلام. 
وهناك محور آخر حقق فيه الإمام (ع) انجازاً كبيراً للفكر الإسلامي من خلال شرحه للأحاديث النبوية المنتشرة بين الناس، والتي يختلط فهمها على الكثير، بالإضافة إلى أنّ البعض منها قد يكون ضعيفاً من ناحية السند. لأنّ هناك الكثير من الأحاديث الواردة عن النبي المصطفى (ص) وأئمة أهل البيت (ع) لا تنطبق عليها موازين العقيدة الصحيحة والسليمة الواردة في القرآن الكريم أو في الأحاديث الصحيحة من حيث السند والواضحة من حيث الدلالة. ووجود هذا النحو من الأحاديث التي توجب الالتباس والشك أدى إلى لجوء البعض إلى الإمام الرضا (ع) واستفساره عن حقيقة هذه الأحاديث، وبالأخص ما يظهر منها القول بالتشبيه والجبر، كما فعل ذلك الحسين بن خالد- أحد أصحاب الإمام - عندما قال للإمام (ع): (إنّ الناس ينسبوننا إلى مدرسة أهل البيت (ع) إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي من الأخبار عن آبائك (ع)) فقال الإمام (ع): (يا بن خالد، أخبرني عن الأخبار، التي رويت عن آبائي في الجبر والتشبيه أكثر أم الأخبار التي رويت عن النبي (ص) في ذلك؟)، فقال ابن خالد للإمام: (بل ما ورد عن النبي في ذلك أكثر)، يعني إذا أجرينا مقارنة بين الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) في الجبر والتشبيه والروايات الواردة عن النبي (ص)، سنجد أنّ الروايات الواردة عن النبي أكثر بكثير مما ورد عن الأئمة . ونلاحظ أنّ الإجابة التي أعطاها الإمام تقوم على برهان دقيق وعميق معنا، لأنّ الإمام (ع) يقول: (فليقولوا إنّ رسول الله (ص) كان يقول بالتشبيه والجبر)، فقال له الحسين بن خالد: إنّ هؤلاء يُجِلّون النبي عن التشبيه، ويقولون لا يعقل ورود التشبيه عن النبي (ص)، بل هذه الأحاديث مكذوبة عليه، ويقولون إنّ رسول الله (ص) لم يقل شيئاً من ذلك، وإنما روى الرواة كذباً على الرسول (ص). ونجد الدقة في جواب الإمام، فهو جواب نقضي وحلي في آن واحد، على حسب قواعد المنطق وأصول الاستدلال، قال الإمام (ع): (فليقولوا في آبائي الأئمة أنهم لم يقولوا شيئاً من ذلك)، كما يقولون في النبي (ص)، وإذا كان الميزان أنّ ما فيه تشبيه أو جبر لم يصدر عن النبي، فكذلك، أيضاً، التشبيه والجبر لم يصدر عن الأئمة من أهل البيت (ع)، باعتبار أنهم شجرة واحدة ونهر واحد، وطريق واحد يتصل بين الأرض والسماء، ثم قال (ع) لابن خالد: (من قال بالتشبيه أو الجبر فهو كافر ومشرك، ونحن بُراء منه في الدنيا والآخرة، يا بن خالد لقد وضع الأخبار عنا في الجبر والتشبيه، الغلاة، الذين صغّروا عظمة الله، فمن أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا، ومن والاهم فقد عادانا، ومن عاداهم فقد والانا، ومن وصلهم فقد قطعنا، ومن جفاهم فقد برّنا)، فنلاحظ أنّ الإمام (ع) يتبرأ من الجبر والتشبيه، ويبين معنى التنزيه للذات المقدّسة لله تبارك وتعالى، ثم يقول: (ومن أهانهم بردِّ مقالتهم فقد أكرمنا، من كان من شيعتنا فلا يتخذ منهم ولياً ولا نصيراً)، فهو (ع) يبين أسلوب التعامل مع مثل هؤلاء الذين يقولون بالجبر والتشبيه، ويجعلون الله تبارك وتعالى كخلقه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. 

ثالثاً: الدور الأخلاقي. 
وأما في الجانب الأخلاقي فالإمام (ع) أبان قواعد متعددة في السير والسلوك، وأوضح في كلماته العطرة والطيبة ما ينبغي للمؤمن أن يكون عليه في مساره إلى الله من خلال مسائل متعددة: 

أولاً: التأكيد على التحلي بسمات العبودية لله. ولذا، عندما سُئل الإمام (ع) عن خيار العباد الذين تتوافر فيهم سمات العبودية لله، قال: (الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا، وإذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا عفوا)، وهذا ما نجده في الإنسان إذا صدر منه السلوك الحسن فإنه يستبشر ويفرح ويشعر بالسعادة، وتظهر على وجهه ومحياه آثار أعمال الخير التي تصدر منه، وأما إذا ارتكب جانحة أو ذنب أو صدر منه شيء لا ينسجم مع القواعد ولا يتلاءم مع جادة الشرع الحنيف، فإنه يستغفر الله تبارك وتعالى، ويرجع إليه تائباً، (وإذا أُعطوا شكروا)، هؤلاء المؤمنون يشكرون سواءً كانت العطية والمنة والنعمة من الله أو من الخلق، فبمجرد أن تُقَدِم له إحساناً ترى آثار الشكر والامتنان في أقواله وأفعاله، التي تُدلل على الخلق السامي في شكر ما حصل إليه، ولذلك يقول: (وإذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا)، إذا أصابت أحدهم مصيبة أو مرّ ببليّة صبر، (وإذا غضبوا عفوا)، إذا تعرض لهم أحد بإساءة أو إهانة ترى من سجيته ومن شيمه العفو. 
ثانياً: إيضاح مفهوم التوكل، فقد سُئل (ع) عن حد التوكل، فقال: (ألاّ تخاف أحداً إلا الله)، هذا هو الحد الأعلى للتوكل، أن ترى الله تبارك وتعالى حاضراً ومحيطاً ومهيمناً على كل ذرات عالم الوجود، بحيث لا تخاف من أي أحد من الخلق أبداً، لأنه لا يستطيع أحد أن يضرك مادمت متوكلاً على الله، ولقد أبان ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ((مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)). 

وانطلاقا من منهج الامام الرضا (ع) في التوكل على الله وعدم المخافة من سواه ، سارت المرجعية في التعامل مع الوضع العراقي منذ بداية الاحتلال، متوكلة على الله دون ان تخشى احدا او تخاف سواه، حتى جاء في سيرتها ان مساعد الحاكم المدني المؤقت في العراق، هيوم هوران جاءها زائرا ومعه قوة هائلة، فرفضت استقباله لئلا يتخذ من دخوله شرعية لاحتلال العراق. ويتساءل الفرد هنا اي جيش واي قوة كانت للمرجعية تمتلكها انذلك حتى تمنعه سوى التوكل على الله. فما احرانا اليوم ان ننتهج هذا النهج لاقامة الحق في محاسبة الفاسدين والمفسدين دون الركون الى جهة او مخافة من احد، سوى التوكل على الله عز وجل والخوف منه ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)). 

وعلى المسؤولين العراقيين وغيرهم ان يتخلقوا باخلاق الامام الرضا (ع) بالتواضع للرعية خصوصا المستضعفين منهم والمحرومين، فقد جاء في سيرته(ع) كان إذا خلا جمع خدمه وحشمه وصار يحدثهم ويأنس بهم ويوجههم، وإذا وضعت المائدة دعا خدمه ومواليه حتى البواب والسائس وأجلسهم معه على المائدة، قيل له في ذلك: لم لا أفردت لهم مائدة؟ قال (ع): ولماذا أفرد لهم مائدة؟ أو ليس الرب واحد، والأب واحد، والأم واحدة؟ ثم تلا قوله تبارك وتعالى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)). اين نحن والمسؤولون من هذه السيرة العطرة وهذا التواضع للاخرين وعدم التعالي عليهم، فما احرانا ان نقتدي بهذه الاخلاق الرضوية وان نسير على نهجها والعمل بتعاليمها. 

قال (ع): 
• (استعمال العدل والإحسان مؤذن بدوام النعمة) 
• (صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله). 
• (شيعتنا المسلّمون لأمرنا الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا فمن لم يكن كذلك فليس منا) 


هذا ونسال من المولى سبحانه وتعالى ان يجعلنا من السائرين على نهجهم والمقتفين اثرهم انه ولي التوفيق

محرر الموقع : 2015 - 08 - 29